• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: وائل قنديل

خبران، تفصلهما أيام، يشيران إلى موجةٍ جديدةٍ من الجنون والعبط، تضرب مصر مجددًا، وتكشف عن انهيار هائل في مستوى الاستبداد.

الأول يقول إن النائب العام المصري بدأ التحقيق في بلاغ يتهم عزمي بشارة وبلال فضل والمدعو أحمد صبحي منصور بازدراء الأديان، وكما نشرت بعض المواقع "جاء قرار النائب العام المصري، اليوم الإثنين، بناء على بلاغ تقدّم به أحد المحامين، وحمل رقم 8365 لعام 2019، يتهم فيه بشارة وفضل ومنصور بسب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين، رضوان الله عليهم، ووصفهم بالجواسيس والمنافقين". ويطالب البلاغ باتخاذ الإجراءات القانونية من قبل المبلغ، ومخاطبة الإنتربول الدولي بالقبض عليهم، وتسليمهم إلى مصر لتقديمهم للمحاكمة العاجلة، بالإضافة إلى تكليف أجهزة المخابرات العامة بإعداد التقارير الأمنية عن ضلوع دولة قطر بتمويل شبكة قنوات التلفزيون العربي بالعاصمة البريطانية لندن.

الخبر الثاني، المنشور في مواقع مصرية، يعلن استئناف كوميديا شعوذة المخترعين الصغار الذين أبهروا العالم، ويقول "هؤلاء أولادك يا مصر.. البورسعيدي روماني أشرف يقتنص المركز الـ 4 عالميا في أكبر مسابقة للأبحاث في سن الـ 18.. ويؤكد: نقص الاحتياطي العالمي للبترول دفعني للبحث عن وقود بديل، اعتمادا على الطحالب". وفي التفاصيل إن صبيًا مصريًا 18 عامًا اعتمد علي نفسه فى دراسة الكيمياء الحيوية من خلال الإنترنت والكتب، حتى نجح في حل مشكلة العالم عن طريق تربية الطحالب وتنميتها، وتوصل إلى إنتاج وقودٍ حيويٍّ من مميزاته أن نسبة التلوث به أقل 90٪ وكفاءته الحرارية أعلى بنسبة 80٪، كما وأنه سعر "الجالون" الواحد من الوقود الحيوي قد يصل إلى دولار واحد، مقابل ثلاثة دولارات لسعر "الجالون" من الوقود الحفري المستخدم حاليا".

يمكنك أن تضيف إلى ما سبق عشرات الأخبار، تشير بوضوح إلى موجةٍ جديدة من عمليات استمطار سحب العبط تجتاح مصر، منذ تصفية الرئيس الشهيد محمد مرسي، منها، على سبيل المثال، دخول النظام في صراع مع طفلتين، دون العاشرة من العمر، هما همس وهيا، ابنتا الزميلين حسن القباني وآية علاء، إذ تتواصل معركة تدمير طفولتهما للعام الرابع تواليًا، منذ اعتقال الوالد، ثم إخلاء سبيله، وصولًا إلى اعتقال الأم. من ذلك أيضًا، تأليف وإخراج ما أطلق عليها قضية "تنظيم الأمل" التي يتم فيها اتهام ألد خصوم جماعة الإخوان المسلمين بالأخونة.

يمكنك أن تضيف إلى ما سبق عناوين أخرى: موقعة عمرو وردة والمنتخب، الحرب على محمد أبو تريكة ومحمد صلاح، تجدّد القتال بين مرتضى منصور وسما المصري، كل ذلك يأتي في إطار موجةٍ عاتيةٍ من الرداءة وقلة القيمة، تؤشّر إلى عصرٍ من الدكتاتورية فاقدة العقل، عديمة المنطق، من الممكن أن تدفع بعض الناس إلى الترحم على زمن الاستبداد العاقل.

ذلك أنه في الدكتاتوريات القديمة، وأمام حالة العجز عن المقاومة والتغيير، كان منتهى الأحلام: المستبد العادل، وهو مطلبٌ، وإن كان لا يليق بالإنسان، بوصفه كائنًا حرًا بالفطرة، إلا أنه يتنازل عن قيمة الحرية في التعبير والحركة والممارسة السياسية، من أجل الحصول على شيءٍ من العدالة الاجتماعية، وضمان التمتع بالحاجات الأساسية للحياة، من تعليم وصحة وسكن وغذاء وخلافه.

ارتبط مصطلح "المستبد العادل" في أدبيات السياسة العربية بأسماء مثل جمال عبد الناصر وحافظ الأسد وصدام حسين وآخرين، إذ تم تداوله كثيرًا في دوائر الإنتلجنسيا العربية، تعبيرًا عن الرضا العاجز بالدكتاتورية السياسية، لقاء نيل الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، وهو المنطق الذي ثبت فشله وسقوطه، إذ لا حقوق اجتماعية عادلة بغير الحرية، بمفهومها الشامل.

على أن ذلك الحلم العليل فيما مضى، صار في هذه الأيام، مع الجيل الجديد من المستبدّين، من المستحيلات، لينخفض السقف من تمنّي المستبد العادل إلى الحلم بالدكتاتور العاقل، في ظل هذه الموجة العاتية من الجنون السلطوي الذي يعبر عن ذاته بألوانٍ شتى من اللامعقول السياسي والإنساني.

أضف تعليقك