راجت "تعذُّر نقل المتهمين" في أغلب القضايا والمحاكمات السياسية في مصر، إذ تؤجل الجلسة، أو يمدّ الأجل أو النطق بالحكم، بلا سند في القانون، بذريعة "تعذُّر وزارة الداخلية في نقل المعتقلين إلى النيابة أو المحكمة"، الأمر الذي اعتبره حقوقيون "أحدث وسائل القمع التي يتبعها نظام قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي".
واستنكرت العديد من المنظمات الحقوقية حجة الظروف الأمنية هذه، وقالت إنها تمثّل "استخفافاً بالغاً من قبل السلطة القضائية بحريات المتهمين المحبوسين احتياطياً في القضايا على خلفية سياسية، تحت ذريعة الظروف الاستثنائية".
وفي السياق، اعتبر مصدر حقوقي بارز، أنّ تصديق السلطة القضائية على "التعذرات الأمنية" يؤكّد عدم استقلاليتها عن السلطة التنفيذية، أو التزامها بنص المادة 96 من الدستور، والتي تكفل ضمانات دفاع المتهم عن نفسه خلال مرحلة التحقيق أو المحاكمة، وكذا المادة 136 من قانون الإجراءات الجنائية، والتي نصت على وجوب سماع دفاع المتهم، قبل إصدار أمر الحبس.
ولفت المصدر، بحسب العربي الجديد، إلى أنّ "التعذرات الأمنية تؤثّر بالسلب على سير العدالة، وسرعة إنجاز المحاكمات، لاسيما مع عدم إخطار المحامين بهذه القرارات سلفاً أو بأسبابها"، مشيرا إلى أنّ "مصر لم تشهد تأجيلاً لجميع المحاكمات لمدة شهر كامل عبر تاريخها، مثلما حدث خلال فترة استضافة القاهرة لبطولة كأس الأمم الإفريقية لكرة القدم".
وأوضح المصدر أنّ "هناك مساجين ممنوعون عن الزيارة نهائياً، بالمخالفة للقانون، ولوائح السجون المنظمة، ما كان يضطر أهالي السجناء إلى استغلال جلسات التحقيق لرؤية ذويهم"، منوها إلى أنّ "أعداد المجندين والأفراد في وزارة الداخلية يُقدرون بمئات الآلاف، ومن غير المقبول تعطيل عمل القضاء بسبب تأمين بطولة رياضية، أو لأي سبب آخر".
وكان قطاع أمن القاهرة التابع لوزارة الداخلية، قد أصدر مرسوما في 9 يونيو الماضي، نص على أنّ "التعذرات الأمنية لعرض المتهمين سوف تبدأ من الفترة 21/6/2019 حتى 19/7/2019 (فترة تنظيم مصر البطولة الإفريقية)"، وهو ما دفع جميع الدوائر الجنائية المنعقدة بأكاديمية الشرطة وطرة، إلى تأجيل النظر بالقضايا المعروضة "لتعذر نقل المتهمين من محبسهم إلى مقر المحاكمة لدواعٍ أمنية".
وعرّفت "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان"، التعذرات الأمنية بأنها "حجة اختلقتها وزارة الداخلية لتمنع بها نقل المتهمين من السجون إلى أماكن التحقيق معهم في النيابات والمحاكم، أو نقلهم للمستشفيات لتلقي العلاج، بزعم وجود مانع أمني، مثل الاحتفالات المختلفة، أو الانشغال بتأمين بطولة كروية".
بدورها، قالت "الجبهة المصرية لحقوق الإنسان" في أحدث تقاريرها، إنّ "التعذرات الأمنية تمثّل حرماناً تعسفياً لحقوق المتهمين، وانتهاكاً صريحاً لمبدأ افتراض براءة المتهم، وكشفاً لرؤية السلطة القضائية الحالية، وفي القلب منها نيابة أمن الدولة العليا، تجاه هؤلاء المتهمين باعتبارهم أشخاصاً خطرين على المجتمع، ولا يجب الإفراج عنهم، خصوصاً في الفترات التي تتطلب تأمينات إضافية".
وجدّدت دوائر مثل الدائرة 15 جنايات بمحكمة شمال القاهرة، حبس العشرات من المتهمين في 24 قضية كانت ستُنظر أمامها الشهر الحالي، لمدة 45 يوماً من دون حضور المتهمين، بينما أجلت أغلب محاكم الجنايات، المدنية والعسكرية، نظر جلسات محاكمة المتهمين، حتى في القضايا التي تضم المئات منهم، ما يطيل من مدة حبسهم على ذمة تلك القضايا.
غير أنّ الأمر ليس مقتصراً على الأحداث والمناسبات الرسمية التي تنشغل وزارة الداخلية بتأمينها، بل إنّ التعذرات الأمنية باتت نهجاً مستمراً على مدار العام، وكان آخرها في 21 يوليو الحالي، حين قررت محكمة جنايات القاهرة تأجيل محاكمة 11 معتقلا في قضية "اغتيال مدير أمن الإسكندرية"، إلى جلسة 4 أغسطس المقبل، لتعذّر إحضار المتهمين من محبسهم لاعتبارات أمنية.
أمّا أبرز التأجيلات الأمنية لتعذّر نقل المتهمين، وأكثرها دراماتيكية، فكانت مع تأجيل عرض المعتقلين يوم احتفال السفارة الصهيونية في القاهرة بذكرى النكبة في فندق "ريتز كارلتون" في قلب ميدان الثورة "التحرير"، في 9 مايو 2018. كذلك، تأجيل النطق بالحكم في قضية فضّ اعتصام "رابعة العدوية" في 30 يونيو 2018، حيث قالت المحكمة آنذاك "إنّ أسبابا أمنية حالت دون إحضار المتهمين إلى الجلسة".
أضف تعليقك