• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: أحمد حسن الشرقاوي

مجلة «ذي إيكونوميست» من أعرق المجلات السياسية البريطانية وأكثرها وقارا ورصانة، ليس في بريطانيا فقط؛ وإنما في العالم أجمع. تأسست المجلة في لندن عام 1843، وهي تصدر أسبوعيا بانتظام منذ أكثر من 175 عاما.


في بداية عملي الصحفي في العاصمة البريطانية من 2002 وحتى 2006، لاحظت أن الدبلوماسيين -ومن بينهم المصريون والعرب طبعا- يعتبرون أن تفويت قراءة «الإيكونوميست» أسبوعيا أحد الأخطاء الجسيمة.

وأتذكر أنني سألت دبلوماسيا مصريا كبيرا عن رمزية تلك المجلة وسر اهتمامه الشديد بها، فأجاب إجابة لم تُرضِ شغفي للمعرفة، وردّد عبارات من قبيل أنها من ملامح لندن مثل برج الساعة! كان حاضرا في هذا اللقاء الدكتور أشرف عيسى متّعه الله بالصحة والعافية، وهو دبلوماسي بريطاني من أصل مصري.

مرت سنوات على هذه الواقعة، ترك خلالها عيسى العمل في وزارة الخارجية البريطانية وانتقل للعمل في الأمم المتحدة، وقابلته في إحدى الفعاليات السياسية في لندن فقال لي، إن سؤالي عن «الإيكونوميست» قبل سنوات جذب انتباهه، وإن لديّ كل الحق في توجيه هذا السؤال، وإن رد المسؤول الدبلوماسي المصري على سؤالي كان مناورة ومحاولة للالتفاف على الإجابة!


سألته بلهفة شديدة: وما الإجابة إذا؟ ولماذا تحظى «الإيكونوميست» بكل تلك الأهمية لديهم؟


قال: «باختصار شديد، لأنك لو قرأتها جيدا وتأملت ما بين سطورها، يمكنك أن ترصد كيف يرى الغرب نظم الحكم في البلدان النامية. وهذه المجلة مؤثرة لدى صنّاع القرار في أوروبا والولايات المتحدة».


وأضاف: «لهذه الأسباب، فإن الدبلوماسيين العرب يقرؤونها أسبوعيا ليعرفوا كيف تنظر بريطانيا والولايات المتحدة ودول أوروبا إلى النظم الحاكمة في بلدانهم؛ لأنهم -كما تعرف- يمثّلون الحاكم الفرد أكثر بكثير مما يمثّلون شعوبهم». وكانت تلك الإجابة درسا مهما لم أنسه قط.


المهم أن مجلة «الإيكونوميست» لم تكتب كثيرا عن «مصر- السيسي» مؤخرا؛ لكنها في كل الموضوعات القليلة التي نشرتها كانت تهاجم الانقلاب العسكري، وتعتبر الجنرال السيسي منقلبا لا رئيسا منتخبا، وتحذّر الحكومات الغربية من خطورة استمراره على مصالحها على المدى الطويل.


في العدد الصادر في 5 تموز/يوليو 2019، نشرت المجلة تقريرا مهما للغاية عن مصر بمناسبة مرور 6 سنوات على انقلاب 3 تموز/يوليو 2013. قال التقرير بوضوح شديد: «وجود السيسي ليس وصفة للاستقرار طويل الأجل في مصر»، وإن «أوروبا تغضّ الطرف عن الممارسات المروّعة للشرطة المصرية؛ لأنها تخشى من تدفّق ملايين اللاجئين عبر المتوسط إذا سقط نظام السيسي».

 

كما قالت بالحرف الواحد: «إذا حدث الانهيار، يمكن أن نتوقع نشوء قضية لاجئين غير مسبوقة في التاريخ. وقد يتوجه عدد قليل من النازحين المصريين إلى المساحات المفتوحة غير المحمية في ليبيا؛ لكن معظمهم سيتوجه إلى أوروبا عبر المتوسط. وحينها ستتحدث الأحزاب المناهضة للمهاجرين في أوروبا عن (الغزو المصري)». وطالبت المجلة المجتمع الدولي بسرعة البحث عن بديل للسيسي قبل حدوث تلك الكارثة.


البعض داخل مصر وخارجها يعتبر السيسي رصينا ونظامه قويا ومستقرا، فهل يردّون هذه المرة على المجلة الرصينة ببيان ضعيف من الهيئة العامة للاستعلامات وبعض الشتائم من جوقة الإعلاميين؛ مثلما حدث عام 2016 عندما نشرت المجلة ملفا اقتصاديا شاملا بعنوان «تخريب مصر»؟ أم إن مساندي السيسي داخل مصر وخارجها سيختارون دوما البقاء مع الرصين؟!

أضف تعليقك