بقلم: ممدوح الولي
في 13 يوليو، أصدر المركز الإعلامي برئاسة مجلس الوزراء المصري بيانا عما ورد بمجلة الإيكونومست من مجيء مصر بالمركز الثالث بمعدل النمو في الربع الأول من العام الحالي؛ بين قائمة تضم 24 دولة، بنسبة نمو 5.6 بالمائة بعد الصين والهند.
وظلت الفضائيات وباقي وسائل الإعلام تهلل لذلك أكثر من أسبوعين، باعتباره من وجهة نظرها إنجازا كبيرا، ولكن هل تجاوب الشارع المصري مع تلك الإشادة بنمو الاقتصاد المصري؟ من جانب رجال الأعمال، فإنهم يعانون من الكساد في الأسواق منذ فترة بسبب تراجع القدرة الشرائية للمستهلكين، ومزاحمة الجيش لهم بالعديد من الأنشطة الاقتصادية.
وها هي البنوك تصرح بتراجع اقتراض الشركات بسبب ارتفاع سعر الفائدة، وضعف الطلب على منتجاتها محليا وخارجيا، وهو ما عكسته أرقام تراجع قيمة الصادرات السلعية. كما أشارت نتائج الشركات المقيدة بالبورصة خلال الربع الأول من العام الحالي؛ إلى تحقيق كثير من الشركات خسائر، خاصة شركات الأسمنت والسيراميك والحديد والعقارات والسيارات وغيرها.
كذلك أشارت بيانات ميزان المدفوعات في الربع الأول من العام الحالي لتراجع قيمة مجمل الصادرات، بنسبة 2 بالمائة، وتصل إلى 9 بالمائة للصادرات غير البترولية وحدها. وكذلك تحويلات المصريين في الخارج 5 بالمائة، وصافي الاستثمار الأجنبي المباشر 20 بالمائة، واستثمار الحافظة بمصر 30 بالمائة، وعائدات قناة السويس 3 بالمائة.
وزاد العجز بالميزان التجاري بنسبة 13 بالمائة، كما زاد العجز بميزان المعاملات الجارية بنسبة 94.5 بالمائة، وانخفض الفائض بالحساب الرأسمالي والمالي بنسبة 31 بالمائة.
أما المواطن العادي الذي اكتوى بنار التضخم، الذي بلغت نسبته حتى بعد انخفاضه في النصف الأول من العام الحالي 12.4 بالمائة، فلا يثق بالمؤشرات الحكومية الاقتصادية، سواء معدل التضخم أو البطالة أو الفقر أو النمو، والتي لا تتسق مع واقع الأحوال المعيشية لعموم المصريين، وانعكست في تراجع معدلات الزواج وارتفاع معدلات الطلاق، حسب بيانات جهاز الإحصاء الرسمي لعام 2018.
ارتفاع بطالة الشباب والمتعلمين
وحتى تقرير مرصد الاقتصاد المصري الذي أعلنه البنك الدولي في 16 يوليو؛ كان قد أشار لاستمرار العديد من المشكلات داخل الاقتصاد، ومنها انخفاض معدلات التشغيل، وانخفاض المشاركة في قوة العمل، وارتفاع البطالة بين الشباب والنساء والمتعلمين، وارتفاع معدل التضخم واستمرار العوائق التجارية التي تقلل فرص نمو الصادرات.
ولأن معدل النمو للدول يتم قياسه عادة بشكل سنوي، فبالعودة إلى تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي في أبريل الماضي، فقد جاءت مصر في المركز الحادي والثلاثين بين دول العالم في معدل النمو البالغ 5.3 بالمائة بالمشاركة مع دولة أخرى، حيث جاءت ليبيا بالمركز الأول بنمو 17.9 بالمائة، تليها رواندا وإثيوبيا وبنجلاديش، لترتفع نسبة النمو عن 7 بالمائة في 11 دولة، كما ارتفعت عن نسبة 6 بالمائة في 14 دولة أخرى، بالإضافة لثلاثة دول أخرى أعلى من النسبة المصرية البالغة 5.3 بالمائة.
أما حسب توقعات الصندوق للنمو المصري بالعام الحالي، والبالغة نسبته 5.5 بالمائة، فقد جاءت مصر بالمركز التاسع والعشرين بين دول العالم. وكان تصنيف كتاب حقائق العالم لترتيب النمو بدول ومناطق العالم لعام 2017؛ قد وضع مصر بالمركز الحادي والسبعين دوليا حسب معدل النمو.
جاء إعلان معدل النمو بعد أسبوعين فقط من انتهاء العام المالي، بينما يتم إعلان بيانات النمو بدول الاتحاد الأوروبي الفصلية بعد انتهاء الفصل بشهر ونصف، رغم اختلاف القدرات الإحصائية والتكنولوجية هناك، مما يدعو للحذر من دقة البيانات المصرية.
وإذا كانت الحكومة المصرية قد تباهت بتحقيق نسبة نمو 5.6 بالمائة خلال العام المالي الأخير (2018/2019) والمنتهي في آخر يونيو الماضي، فقد جاء إعلان معدل النمو بعد أسبوعين فقط من انتهاء العام المالي، بينما يتم إعلان بيانات النمو بدول الاتحاد الأوروبي الفصلية بعد انتهاء الفصل بشهر ونصف، رغم اختلاف القدرات الإحصائية والتكنولوجية هناك، مما يدعو للحذر من دقة البيانات المصرية.
الأمر الآخر، أنه حتى وإن كان قد تحقق معدل نمو 5.6 بالمائة، فإن فترة السنوات الأخيرة لحكم مبارك قد شهدت معدلات نمو زادت عن نسبة 7 بالمائة، خلال العامين الماليين 2006/2007 و2007/2008، وتم الزعم وقتها بأن آثار هذا النمو المرتفع ستتساقط على باقى أفراد المجتمع وفق نظرية تساقط ثمار النمو، لكن هذا لم يحدث مما كان سببا في قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011.
كما تكرر الزعم في عهد النظام الحالي بأن النمو سيكون من النوع الاحتوائي الذي يحتوى كل فئات المجتمع، بينما كان الواقع العملي للنمو يشير لتزايد أعداد الفقراء وتدهور الأحوال المعيشية لقطاعات كبيرة من السكان.
النمو الرديء والنمو بلا مستقبل
وهنا يقول الاقتصاديون إن الأهم من نسبة النمو هو نوعية النمو، وذكروا من أنواع النمو الرديء؛ النمو عديم الشفقة، وهو الذي تزيد معه معدلات الفقر، والنمو بلا فرص للعمل، أي الذي تزيد معه معدلات البطالة الحقيقية، والنمو الأخرس، أي الذي تزيد معه معدلات قمع الحريات؛ وإعلام الصوت الواحد وغياب الديمقراطية.. والنمو بلا مستقبل، أي الذي يبني الحاضر على حساب المستقبل، فيتوسع في الاقتراض على حساب الأجيال القادمة، كما يزيد من معدلات نفاد الموارد الطبيعية، مثل مشروعات الغاز الطبيعي، على حساب حقوق الأجيال القادمة من تلك الثروات الطبيعية.
وحسب آخر بيانات منشورة متاحة للناتج المحلي الإجمالي المصري، فقد أشار التوزيع النسبي لقطاعات الناتج في العام المالي 2017/2018 إلى تصدر التشييد والبناء والأنشطة العقارية بنسبة 16.3 بالمائة، وتجارة الجملة والتجزئة بنسبة 13.8 بالمائة، والصناعات التحويلية (بخلاف تكرير البترول) 12.8 بالمائة، والزارعة والصيد 11.5 بالمائة، واستخراج البترول والغاز 11 بالمائة، وبما يشير لتفوق نصيب الخدمات الإنتاجية والاجتماعية على القطاع السلعي.
كما أشارت بيانات مصادر النمو للناتج إلى استحواذ الاستهلاك النهائي على نسبة 93.8 بالمائة من الناتج، والاستثمارات على نسبة 16.7 بالمائة، وصافي الصادرات والواردات على نسبة سالب 10.5 بالمائة، وبما يشير لتأثير الاستهلاك الكبير بالنمو، مقابل ضعف نصيب الاستثمارات بذلك النمو.
كما بلغ معدل الادخار المحلي للناتج 6.2 بالمائة، مقابل نسبة 16.7 بالمائة للاستثمارات المحلية للناتج، وبما يشير للفجوة الكبيرة بين الادخار والاستثمار.
وإذا كان النمو قد بلغ رسميا 5 في المئة خلال النصف الثاني من العام الماضي، فقد كانت أعلى نسبة نمو داخل القطاعات الاقتصادية في قطاع السياحة، بنمو 27 في المئة، وقطاع الغاز الطبيعي 24 في المئة، والاتصالات 17 في المئة، وقناة السويس 10 في المئة، والتشييد والبناء 8 في المئة، بينما كانت نسبة النمو في قطاع الصناعات التحويلية غير البترولية 2 في المئة، وقطاع الزراعة 3.2 في المئة فقط.
ثمار شحيحة للنمو المصري
ويشير الدكتور محمد يوسف في مقال بجريدة الشروق في 8 حزيران/ يونيو من العام الحالي، إلى أن "شجرة النمو لها ثمرات منها: الوظائف المنتجة التي يصنعها النمو الاقتصادي، والاستقرار في المستوى العام للأسعار نتيجة هذا النمو، والتحسن في الخدمات العامة والاجتماعية، وكذلك قطع الاقتصاد خطوات على طريق الاعتماد على الذات. لكن بالتطبيق على الاقتصاد المصري، فإنه يمتلك شجرة من النوعية شحيحة الثمار، وبالتالي فهي ضعيفة الفائدة ومحدودة الأثر. وكما يقول المثل الشعبي، فالشجرة الضخمة تعطى ظلا أكثر مما تعطي ثمرا".
طالما ظلت الفجوة تتسع بين حرص الدولة على تحقيق الإصلاح الاقتصادي، وإصرارها على تجاهل الإصلاح السياسي، فإن النمو الاقتصادي لن يترتب عليه شعور المجتمع بالرضا والطمأنينة والعدالة
وفي نفس السياق، كتب الدكتور زياد بهاء الدين، نائب رئيس الوزراء بحكومة الببلاوي، وهي الوزارة التي تم الفض الدموي لتجمعي رابعة العدوية والنهضة بعهدها، في جريدة الشروق في 13 آذار/ مارس 2017، أي قبل إلحاقه بعضوية مجلس إدارة أحد البنوك مؤخرا: "لقد زاد الشعور بوجود قطاعات واسعة من المجتمع غير قادرة على التمتع بثمار النمو الاقتصادي لسببين:
أولها، أن الاستثمار والتصدير والنمو شروط ضرورية ولازمة لتحقيق التنمية الاقتصادية، لكنها غير كافية بذاتها، بل يجب أن تصاحبها سياسة اجتماعية تعمل على توزيع الدخول والثروات بشكل متوازن، وتحسين ظروف العمل، وتوجيه الموارد نحو التنمية البشرية، ومقاومة الممارسات الاحتكارية، والتدخل لحماية الطبقات الأكثر فقرا، لكي يكون هناك توزيع عادل لثمار النمو.
والسبب الثاني، أن ترجمة النمو الاقتصادي إلى تحسن في معيشة المواطنين؛ لن يكون ممكنا طالما ظل المناخ السياسي مقيدا للحريات، ومتجاهلا للدستور والقانون ومعاديا للتعدد؛ لأن مفهوم مستوى المعيشة لا يتحدد فقط بما ينتجه المجتمع أو يستهلكه أو يصدره، بل أيضا بشعور المواطن بأن له حقوقا، وأن هناك قانونا يحميه، وأن كرامته وإنسانيته محل احترام.
وطالما ظلت الفجوة تتسع بين حرص الدولة على تحقيق الإصلاح الاقتصادي، وإصرارها على تجاهل الإصلاح السياسي، فإن النمو الاقتصادي لن يترتب عليه شعور المجتمع بالرضا والطمأنينة والعدالة.
أضف تعليقك