• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانيتين

بقلم: قطب العربي

رغم قبضته الحديدية، يفقد نظام السيسي كل يوم جزءا مما تبقى من داعميه، بما في ذلك المؤسسات الصلبة كالقوات المسلحة التي لم يعد يثق بها، ولذا تخلص تباعا من العديد من كبار قادتها؛ مثل صدقي صبحي، ومحمود حجازي، وأسامة عسكر، وأحمد وصفي، ومحمد الشحات.. وقبل هؤلاء سامي عنان وأحمد شفيق.. إلخ، ولجأ إلى تكوين قوات مسلحة خاصة به؛ ممثلة في مجموعات الانتشار السريع تسندها المخابرات الحربية. وحتى الكتلة الشعبية الصلبة وهي الكتلة المسيحية لم تعد كما كانت من قبل، فالآن هناك الكثيرون ممن يجاهرون بغضبهم منه، سواء كانوا رجال دين أو نخب مدنية، ناهيك عن تذمر قطاع الأعمال عموما بسبب وقف حاله وتغول المؤسسة العسكرية على السوق في كل الأنشطة الاقتصادية. 

ولم يبق للنظام سوى لجان إلكترونية مأجورة تظهر دعما شعبيا وهميا زائفا له، ولكن النظام مع ذلك لا يزال يتمتع بدعم إقليمي ودولي كبير نظرا لدوره في توفير الاستقرار للكيان الصهيوني ومشاركته في ما يسمى معركة الإرهاب في المنطقة، ودوره في مواجهة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، والأهم من كل ذلك جاهزيته الدائمة لعقد المزيد من الصفقات المليارية مع أقطاب النظام الدولي، بما يسهم في تنشيط اقتصاديات تلك الدول على حساب المواطن المصري وثروات الوطن.

أحدث مظاهر تآكل جبهة النظام هو تلك المعركة ضد بقايا نظام مبارك، بالقبض على آدمن صفحة "إحنا آسفين ياريس"، ثم استدعاء علاء مبارك للتحقيق في اتهامات جديدة، بعد نشره تغريدات أزعجت دوائر السلطة، ومنها تغريدته التي حذفها لاحقا حول سقطة وزيرة شؤون الهجرة بتهديد المعارضين في الخارج بالقتل.

المعارضة ليست بأحسن حالا من النظام الذي تعارضه أو تقاومه، إذ أنها لم تنجح حتى الآن في توحيد صفوفها، أو على الأقل الوصول إلى حالة تنسيقية ولو فضفاضة بينها، رغم مرور ست سنوات على الانقلاب العسكري، ورغم تعرضها جميعا دون استثناء للقمع والملاحقة. وبدلا من السعي الجاد للتوحد، فإن السائد الآن هو التشتت (بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى)، ولم يستطيعوا رغم مرور تلك السنوات (إلا من رحم ربي) تجاوز مرارات الماضي، ولم يستطيعوا نسيان لحظات الاستقطاب رغم إدراك الجميع الآن أنها كانت مصنعة في مطابخ الثورة المضادة.

لم تنجح دعوات توحيد المعارضة حتى الآن في جمع الأقطاب الرئيسية لها، وظلت تلك الدعوات تراوح مكانها بين عدد محدود من المخلصين؛ لكنهم غير قادرين على تغيير المشهد، وظل من يمتلكون القدرة على التحرك والتأثير في حالة استرخاء، رغم أنهم قلبوا الدنيا رأسا على عقب من قبل، وجالوا العالم شرقا وغربا، ونجحوا في مهمتهم لتشويه أول حكم مدني ديمقراطي، ومن ثم الانقلاب عليه. ورغم شعورهم بالخطأ وخيبة الأمل اليوم إلا أنهم يؤثرون السلامة، مكتفين ببعض التغريدات بين الحين والآخر.

الشباب الذين قامت الثورة على أكتافهم ورفعت آمالهم وطموحاتهم إلى عنان السماء يشعرون الآن بإحباط كبير، ويفتقدون الثقة في الجميع، وقد توزعوا بين من لا يزال محافظا ولو على الحدود الدنيا من الحلم والعلم والأخلاق، ومن انحرف نحو تنظيمات إرهابية، أو حتى تنظيمات مافياوية، وحتى القابضون على جمر الحلم والعلم والأخلاق أصبحوا الآن يعيدون رسم مساراتهم بعيدا عن تنظيمات نشأوا وترعرعوا فيها من قبل.

محاولات توحيد صفوف قوى المعارضة المدنية في الداخل لم تصمد كثيرا، فكان انهيار التجربة الأولى، والتي تشكلت تحت مسمى جبهة طريق الثورة عقب شهور من الانقلاب العسكري، وضمت بعض القوى الشبابية الثورية، ثم ماتت بعد قليل من ظهورها. كما أن تجربة الحركة المدنية الديمقراطية تعثرت لسبين؛ أولهما ذاتي يتعلق بالروح الإقصائية التي قامت عليها الحركة، وبموجبها رفضت انضمام قوى مهمة تعمل بشكل رسمي داخل مصر، والسبب الثاني أمني، كانت أبشع مظاهره في الاعتداء على حفل إفطارها في رمضان قبل الماضي، وهي الرسالة التي استوعبتها الحركة سريعا فعطلت محركاتها بعد ذلك، وكانت أحدث الضربات لما وصف بتحالف الأمل الذي كان يستهدف التنسيق لبناء جبهة معارضة لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، وقد تم اعتقال عدد من النشطاء مثل النائب زياد العليمي والصحفيين هشام فؤاد وحسام مؤنس وآخرين.

أما مناهضو الانقلاب في الخارج فقد تفوقوا على الجميع بخلافاتهم البينية، ومعاركهم "الدونكيشوتية"، وتنابذهم بالسباب، في قضايا هامشية، ومعارك وهمية تفرغ طاقاتهم وغضبهم في غير الطريق الذي ينبغي أن تذهب إليه، وتفرغ بعضهم لهجاء آخرين معه في الصف ذاته، باحثا عن لايكات ومشاركات تدر عليه الدولارات.

لقد تبدلت الأولويات لدى الكثيرين، فهناك من يراها في الحفاظ على نفسه، وتطوير ذاته، والبحث عن مصدر دخل له ولأسرته، ومنهم من يراها حفاظا على حزبه أو جماعته، أو مجموعته، ومنهم من يراها إعادة تنظيم هياكله، ومن يراها مراجعات للماضي، ومنهم من يراها بحثا عن حل لمشكلة المعتقلين فقط، لكن كل هذا لا ينفي وجود آخرين لا يزالون متمسكين بالأمل، رافعين الراية، صامدين في وجه القمع والمطاردة سواء داخل مصر أو خارجها، وبهؤلاء سينتصر الحق، ويزول الظلم.. ويسألونك متى هو قل عسى أن يكون قريبا.

أضف تعليقك