بقلم: ياسر أبو هلالة
يستبعد أن تكون السعودية تآمرت مع الإمارات لفصل جنوب اليمن عن شماله، فليس ذلك من مصلحتها. وما حصل في عدن هو هزيمة لها قبل أن يكون هزيمة لحكومة الشرعية اليمنية المقيمة في الرياض. وهي ستحاول الحفاظ على البقاء الشكلي لهذه الحكومة، لأنه بدونها ستكون، وفق القانون الدولي، قوة احتلال، وهي بحاجة أيضا إلى قوات الشرعية لتواصل معركتها ضد الحوثيين، دفاعا عن أراضي المملكة وحدودها التي تتعرّض لخرق يومي من هؤلاء.
لا تستطيع السعودية تحدّي الإمارات، فولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، مدين بوجوده في موقعه لولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، الذي أوصله إلى موقعه من خلال علاقته الفريدة مع إدارة الرئيس الأميركي ترامب، وسانده في أزمته الكبرى بعد عملية اغتيال جمال خاشقجي، من خلال علاقاته مع الأميركان والإسرائيليين، وهي تتحمّل عبئا عسكريا وماليا كبيريْن في حرب اليمن. ولا يزال محمد بن سلمان يعتمد على أبو ظبي بيت خبرة في السياسة والاقتصاد، ومتنفسا اجتماعيا للمملكة، على الرغم من خطوات "الانفتاح" الكبرى التي قامت بها. ولا يزال جل مستشاري بن سلمان يقيمون في الإمارات، مثل تركي الدخيل وعبد الرحمن الراشد، ومن لا يقيم، مثل سعود القحطاني، يتردد بشكل شبه دائم.
يخسر من يراهن على فض الشراكة بين المحمّدين، تماما كمن يراهن على فض شراكتهما مع إدارة ترامب. صحيح أن أيا منهما لا يستطيع دخول العاصمة واشنطن التي فتحت أوسع أبوابها لعدوّهما، أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، لكنهما لا يزالان على اتصال "غير مباشر"، وتجلّى ذلك في الإفطار الذي التقى فيه ترامب مع محمد بن سلمان في اليابان، وهو ما أعفى ترامب من حرج استقباله في واشنطن، والذي كان يتطلب الدخول في معركة مع الكونغرس ومع الإعلام والمنظمات الحقوقية، وربما القضائية.
لا يختلف حال محمد بن زايد في واشنطن كثيرا، فقد زاره في أبو ظبي مستشار ترامب للأمن القومي، بولتون، ووزير الخارجية، بومبيو لكنه من الصعب أن يزور واشنطن. صحيح أن تحقيق مولر لم يدنه في لقاء سيشل الذي ضم مسؤولين روسا مع أعضاء في حملة ترامب، لكن الذيول السياسية والقانونية لم تنقطع، وليس أدلّ عليها من التحقيق الذي نشرته "نيويورك تايمز" أول من أمس، والذي قد يتطور باتجاهات قانونية مفتوحة، في ظل استقلال النظام القضائي الأميركي.
يظهر في التحقيق أن الإمارات استخدمت أموالها بشكل مخالف للقانون الذي ينظم عمل اللوبيات الخارجية من خلال الشفافية والإشهار. في التحقيق الذي يجريه المدّعون العامون، تبين أن إليوت برودي، ممول حملة ترامب، وجورج نادر، مستشار محمد بن زايد، تلقيا أموالا للتأثير غير المشروع على الإدارة الأميركية. وكانت الفضيحة ما خص الأزمة مع قطر، إذ دفع لوزير الدفاع الأسبق، روبرت غيتس، ومستشار ترامب السابق، ستيف بانون، مائة ألف دولار لكل منها، ولمدير الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) السابق، ديفيد بترايوس، خمسين ألف دولار، في إطار الحملة على قطر، كما دفعت ملايين لمعهد الدفاع عن الديمقراطية ومركز هدسون، ولهما وغيرهما، صلات باللوبي الصهيوني واتجاهات الإسلاموفوبيا.
لا توجد تهمة يعفّ عنها جورج نادر، فممارسة الإباحية مع الأطفال تكشف أي معدنٍ من الرجال تراهن عليه أبو ظبي، وهو لا يغرق وحيدا، يجرّ معه مشغّليه. صحيح أن إدارة ترامب لا تزال تحافظ على علاقتها مع أبو ظبي، لكنها لا تعرف كيف ستدافع عن بلد دفع لجورج نادر خمسة ملايين دولار بعد توقيفه بتهمة مخلة بالشرف والأمن القومي على السواء؟
ليس جورج نادر فقط، الخلاف بين أميركا وأبو ظبي مرتبط بالعبء السعودي عليها في حرب اليمن، وقضية جمال خاشقجي، وهو ما بدأت الإمارات في التحلّل منه، وفوقهما موضوع إيران. تدرك الإمارات أنها لا تستطيع التطابق مع الاستراتيجية الأميركية في إيران. التهديدات الإيرانية كانت فجّة، ولا تستطيع أبو ظبي تحملها، فقد أُبلغ الوسطاء أن اليوم الأول من الحرب سيكلف الإمارات ترليون دولار، وهو ما يعنيه الإيرانيون، ويصدّقه الإمارتيون، ولذا أخذوا مسافة عن الأميركيين.
كل ذلك محمول، ما لا يحتمله الإماراتيون انتهاء ولاية ترامب. سيكون وضعهم مع أي إدارة أميركية صعبا. ولذلك يحرصون من اليوم على بناء علاقة استراتيجية مع الصين وروسيا. وهو ما لا تحتمله السعودية أكثر، حتى ذلك الحين، تظل السعودية تتبع الإمارات، وكلاهما يتبعان أميركا، مهما طفت على السطح من خلافات.
أضف تعليقك