• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: سليم عزوز

لم يبث التلفزيون المصري صلاة عيد الأضحى المبارك، على الهواء مباشرة، لأسباب لم يُعلن عنها حتى الآن، وهي سابقة تعد الأولى من نوعها، منذ أن عرف المصريون التلفزيون!

فالأنظمة المتعاقبة على حكم مصر، اعتبرت أن صلاة العيدين، والجمعة الأخيرة من شهر رمضان (الجمعة اليتيمة) هي مهام الحكم، حيث يحضرها الرئيس، وتنقل على الهواء مباشرة، باعتبارها واجبا من الواجبات الرئاسية، ليعوض بها غيابه، ويؤكد حضوره، ولها دلالة أخرى، فالرئيس في هذا الحضور يشارك شعبه في مناسبات عظيمة، وأعياد مقدرة، وربما هذا ما تبقى من مراسم العهد الملكي.

لا يغيب عبد الفتاح السيسي كثيراً، فهو يرى أن حضوره (اليومي) يؤكد أنه ممسك بزمام الأمور، وأن الحكم في قبضته، وقد ابتدع مؤتمرات الشباب، التي يقضي فيها هو وكبار رجالات الدولة يومين في «اللت والفت»، لا خدمة ولا مصلحة، وباعتبار أن هذا الحضور يغطي على الغياب في ساحة العمل، وقبل العيد كتبت إنه بهذه الحضور المبالغ فيه، يكلف نفسه من أمرها رهقاً، لأن أي غياب في المستقبل لأيام من شأنه فتح الباب للقيل والقال والسؤال: أين هو؟ ومثل هذا السؤال يكون مطلوباً أحياناً في الأنظمة المستقرة لشغل الشعب بالرئيس، كما هو مشغول بشعبه، فقد غاب الرئيس الروسي بوتين لعدة أيام، ثم ظهر لنكتشف أنه غياب عاطفي، فلم يؤثر هذا الغياب في مركزه القانوني، لكنه مضر جداً في حالة عبد الفتاح السيسي، لأن حكمه ليس مستقراً، ولا يحتمل أن يقال إنه مرض أو مات، وهو يدرك هذا جيداً، لذا فإنه يبالغ في إثبات حضوره، بمبرر وبدون مبرر!

وأزمة هذه المبالغة، أنها تجعل من هذا الوجود العلني عادة، إذا ما انقطعت تساءل الناس أين السيسي؟! وهو حضور مرهق للبدن، ومجهد للحرس، ومكلف لميزانية الدولة، لاسيما ومن شخص يبالغ في الاحتياطات الأمنية، وقد تعرض حتى سنة 2014 لمحاولتي اغتيال، اعترف هو بهما، في مقابلة تلفزيونية في حملة الدعاية له، وكما هو معلوم اقتصرت على هذه اللقاءات، فهو أول مرشح لم يقم بجولات انتخابية، ولم يخطب في مؤتمرات الدعاية، وللمرة الأولى تقام مؤتمرات لمرشح لا يحضرها، هو يدرك أن وضعه على رأسه السلطة في مصر ليس طبيعياً، ومساحة العداء له، تتجاوز الإخوان، بل وتتجاوز قوى الثورة بكل تنويعاتها، فالدولة القديمة ليست معه، ولا تنسى إن سجونه اتسعت لأدمن صفحة «احنا اسفين ياريس» المؤيد لمبارك!

أزمة قناة «الحرة»

ومع اتساع دائرة أعداء حكمه، يمكن تخيل إجراءات الحراسة وتكلفتها المادية عند كل حضور، وفي برنامج تلفزيوني هاجم إبراهيم عيسى حرص الرئيس محمد مرسي على صلاة العيد في مساجد خارج القصر، بما يكلفه هذا من ميزانية ضخمة للحراسة، وقال إن تكلفة التأمين لصلاة واحدة تبلغ ثلاثة ملايين جنيه، ولا نعرف من أبلغه بهذه المعلومة، لو كانت صحيحة، والتي استخدمت ضمن حملة الإبادة الإعلامية ضد الرئيس مرسي، الآن أوقفوا كل برامج إبراهيم عيسى في مصر، وقد تلقفته قناة «الحرة» الأمريكية، وخصصت له برنامجا يهاجم الشعراوي والبخاري، ولا يستطيع أن ينتقد عبد الفتاح السيسي ولو بشطر كلمة!

وعندما تشاهد قناة «الحرة» واحتفاءها بعيسى، وغيره ممن أوكلت لهم تقديم برامج دينية، سيستقر في عقيدتك أن ملكيتها آلت لنجيب ساويرس، الراعي الرسمي لإبراهيم عيسى، ولهذه الأفكار بشكل عام، لا تنسى أنه من تبنى محمد أبو حامد، الذي كان مُحفظ قرآن، تبناه الإخوان، ففتحوا له مقرأة في منطقة العجوزة، ثم تبناه إخوان العجوزة، ورشحوه لمقرئة في مسجد الحصري في مدينة «السادس من أكتوبر»، قبل أن يستولي عليه ساويرس، قرة عين له، ويفتح له مقرأة لتحفيظ القرآن في منطقة المعادي، لا نعرف مآلها الآن، فقد أخذ محمد أبو حامد بعيداً، والذي قام بدعمه ليفوز بعضوية البرلمان بعد الثورة، في مواجهة الإخوان وجميلة إسماعيل، وبعد الانقلاب في مواجهة نفسه، وهو لا عمل له إلا الهجوم على الإخوان، لأسباب تحتاج إلى دراسة منهجية يقوم عليها أكاديميون، في علم الاجتماع، وعلم النفس، وعلم الأنثروبولوجيا، ويستبعد الباحثون في مجال السياسة، فقد بحثت الجماعة كثيرا سياسياً، ولم تجب على السؤال المهم: ماذا يفعل الإخوان لأشبالهم، حتى إذا تركوا الجماعة، اعتمدوا منهج الفجر في الخصومة؟!

القنوات التلفزيونية، كما الزواج، والزواج كما البيوت: أعتاب، والعتبة التلفزيونية الفاشلة من أول يوم لن يجد معها تطوير، أو تغيير في الإدارة، أو تبديل في البرامج، فبعد غياب وتبشير بعودة قوية، عادت «الحرة»، وقد تخلصت من أهم برنامج فيها «ساعة حرة» الذي يقدمه «حسين جراد»، واستدعاء إبراهيم عيسى، وإسلام بحيري، لتقديم برامج على شاشتها في العهد الجديد، وقد استبشرنا ببدايتها، فإذا هي «ككل على مولاه أينما يوجهه لا يأتي بخير»! وإذا بها عودة باهتة، تثبت أنه لا أمل، وكأنه المال الحرام، الذي ورد في الأثر، إنه يذهب من حيث أتى، فهل ميزانية الحرة مقررة فقط من الضرائب، التي تفرضها الحكومة الأمريكية على الملاهي الليلية؟!

لا بأس، فلا يمكن لإبراهيم عيسى أن يسأل عن ما تتكبده الدولة من الحراسة، لشخص قلق، حد أنه الرئيس الوحيد في تاريخ مصر الذي لا نعرف له إقامة!

وقد كان منزل عبد الناصر معروف العنوان، وكان منزل السادات يعرفه القاصي والداني، وعندما أغلق الشارع الذي يوجد فيه ومنع حركة المرور، تم رفع دعوى أمام القضاء الإداري، الذي ألغى قرار الغلق. ومبارك كان معروفا أنه يقيم في مصر الجديدة، وفي شرم الشيخ في منتجع مملوك لصديقه حسين سالم، ومرسي كان يقيم في شقة في التجمع الخامس، فأين يسكن السيسي؟!

وليس هذا هو الموضوع، فرغم ما تتكبده ميزانية الدولة من هذا الحضور الدائم، من تأمين وخلافه، إلا أنه حريص عليه، باعتبار الحضور جزءا من الشرعية، وإذا كان قادراً عليه الآن، فماذا عن الغد، إذا احتاج أن يخلد للراحة لبضعة أيام؟ ثم كيف يتسنى لنا قبول أداء النافلة بهذا الحضور، والتقاعس عن أداء الواجب (بالمفهوم السياسي لا الديني)، بالغياب عن صلاة العيد؟!

جرت العادة

لقد جرت العادة، أن ينقل التلفزيون صلاة العيد، على الهواء مباشرة، حيث يصلي الرئيس، لكنه لم يفعل في هذا العيد!

وجرت العادة أيضاً، على أن خبر الصلاة يتكرر في كل نشرات الأخبار طوال اليوم، حيث لقطة من ترديد الرئيس للتكبيرات، ثم لقطة والخطيب فوق المنبر مع تكرار إذاعة بعض الجمل من الخطبة، ثم لقطة من الصلاة، وأخرى والرئيس يصافح كبار رجال الدولة، وفي وقت متأخر من هذا اليوم أذيع في نشرة الأخبار خبر قيام (السيسي) بصلاة العيد، مع صورة فوتوغرافية (وليس مقطع فيديو) وعبد الفتاح السيسي واقفاً، ونشرت صور لمشاهد أخرى، حيث هو جالس ينظر إلى أعلى، فلم تكن نظرة للمنبر ولخطيب العيد، فقد قالوا إن المفتي هو من ألقى خطبة العيد، وكان المفتي جالساً في ذات الوقت وهو ينظر إلى السقف!

ولم يكن خبر الصلاة هو الأول، فقد سبقه خبر عن تفقد السيسي ومجموعة من الوزراء لمشروعات في مدنية العلمين عقب الصلاة، دون إعلان ماهية هذه المشروعات، ربما خوفاً من أهل الشر، وقد قال هو من قبل إن لديه مشروعات كثيرة يقوم بها لا يعلن عنها خوفاً منهم، ولم ينصحه أحد بأن يفعل ما يفعله البسطاء أصحاب سيارات النصف نقل، حيث يكتبون على سياراتهم «يا ناس يا شر كفاية أر»، مع وضع صورة كف بالأصابع الخمسة المانعة للحسد، والتي يقال إنها لو رفعت في وجه الحاسد، لأبطلت حسده، مع ترديد مقولة «خمسة وخميسة»!

وقد قال هو في لقائه الأخير بالشباب إن لديه مشروعات كثيرة لا يجد الوقت لافتتاحها، وأنه سيفعل هذا في أيام الإجازات، وطلب من الحراسات ألا تتعلل بالدواعي الأمنية. ومن المعروف أنه إذا قال صدق، وإذا وعد أوفى، وقد تحدث عن مشروعات كثيرة، لا يتم الإعلان عنها، وقد رفعت الستارة عن مشروعات عملاقة حقاً، لكنها ليست مشروعات إنتاجية، فليست مصانع أو مدارس، أو مستشفيات، لكنها قصور للحكم، وفي مدينة العلمين، تم الإعلان عن قصر للرئاسة وقصر للحكومة ومسجد عملاق هو الذي قيل إن السيسي صلى فيه العيد، فهل صلى فعلا؟ إذن لماذا لم يتم بث الصلاة على الهواء مباشرة عبر التلفزيون الرسمي؟! وهذا يطرح هذه الملاحظات:

أولاً: في حال صحة هذه الصور المنشورة، فإنه من الجائز أن خللاً في سيارة البث حال دون نقل الصلاة على الهواء كما هي العادة!

ثانيا: إذا تعذر البث المباشر، فأين التسجيل الخاص بالصلاة؟

ثالثا: أن تكون الصور المنشورة لحضور السيسي مشهد الصلاة مزورة، وأن الصلاة فاتته، وواضح أنه لم يأخذ من الحياة المدنية إلا السهر على غير طبيعة العسكريين حتى بعد أن تركوا حياة الجندية، والسهر هو ما يلقي بظلاله على وجهه مع كل صلاة عيد فيبدو عبوساً قمطريرا.

إن بعض القنوات الخاصة مثل «صدى البلد» لا تترك التلفزيون الرسمي ينفرد بنقل صلاة الجمعة، فتنافسه في ذلك، بالنقل غالباً من مسجد السيدة نفسية، لكنها لا تنافسه في الأعياد، لأن النقل عمل من أعمال السيادة لحضور الرئيس!

لماذا لا يتحلون بالشفافية في موقف بسيط كهذا، ولا يقولون الحقيقة؟!

أضف تعليقك