بقلم: خالد حمدي
منذ أيام ورسالة السجن الشهيرة تزور آلاف الصفحات على الفيس بوك بعضها على الخاص يستحث الناس نشرها، وبعضها على العام بعدما أعاد بعض الناس كتابتها.
وآهات السجن وتوجعات أصحابه ليست غريبة علي ولا بعيدة عني،إذ أنني في تواصل مع أصحابها وأهليهم لا يكاد ينقطع.
غير أن هذه الرسالة رغم ما فيها من استغاثات ومناشدات لم أسترح لها، لكنني كتمت الأمر في نفسي، حتى جاءتني رسائل مغايرة لها من داخل السجون تحذرني منها، ومن سمها الذي يسري في عسلها.
وذكروا لي كيف أن أصحابها قد اختاروا ذكرى رابعة وملحقاتها لصرف الناس ما استطاعوا عنها، كما ذكروا بعض الشواهد على أن اليد تكتبها ليست يد أصحاب المحنة الأصليين.
فهم يتكلمون عن الانقلاب بمنتهى الأدب، حتى أنهم يسمونه في بعض فقراته بالنظام، ولا يذكرون كلمة الانقلاب البتة، على عكس ذكرهم لمن هم ضده ولو كانوا لا يعجبونهم.
ثم ذكروا ما فيها من تعمد لتشويه صورة الصابرين بالداخل سيما الأشياخ والرموز منهم على أنهم مجموعة من المنافقين الذين يظهرون الصبر ويبطنون التضجر، ويتكلمون بالسكينة، بينما يتمتمون بالتسخط والانتقاص ممن تسببوا فيما هم فيه.
عدت إلى الرسالة المنشورة فوجدت فيها أكثر من ذلك…
وجدتها تشيع جوا من اليأس والبؤس لا حدود له…
وجدتها تتكلم باسم عموم الإخوان مع أن الذين أتواصل معهم ليس عندهم هذا النفس الخانق.
وجدتها تتغافل عن الجاني، وتخمش وجه الضحية.
وجدتها لا تعطي لصاحب الحق فرصة في الرد إلا فيما تريد الرسالة الدفع إليه.
وجدتها تؤسس لحلقة مقبلة من رسائل الهزيمة النفسية حين أعلنت أن وراء هذه الرسالة رسائل.
لا أنكر أن الشباب المعتقل في حالة يرثى لها من القسوة والشدة وبطء الزمن، والشعور بالنسيان.
ولا أنكر أن سجونا في مصر أشبه ما تكون بالجحيم حرا، وبالجحيم معاملة.
لا أنكر أن الأوجاع والأمراض قد غزت جسوم شباب صغار، وشيوخ كبار، بلا رحمة ولا هوادة من قائمين على هذه السجون وكأن قلوبهم قدت من حديد.
لكنني كذلك لا أنكر أن غالبية هؤلاء الشباب يعرفون طريق الخروج الدنيء، ولو شاءوا لسلكوا دربه.
وأعرف كذلك، وأنا شاهد على بعض هذه المحاولات، أن بعضها وصل لمخلصين من غير المصريين، تواصلوا مع الاتحاد الأوروبي وغيره من أجل حل أزمة المعتقلين، غير أن الطاغية أغلق الباب إلا من اعتراف مهين به وبكل ما جاء بعد انقلابه دون قيد أو شرط، ثم ينظر هو في الأمر بعد ذلك إن شاء عفا، وإن شاء أكمل إذلاله.
مما حدا بمن يريد الوساطة أن يعود من حيث أتى، لأن السيسي خان أولياءه فكيف بأعدائه.
وأعرف كذلك أن آلافا من المعتقلين قالوا لإخوانهم بالخارج: لا تقبلوا شرطا مذلا من أجلنا، فإنكم إن قبلتموه أنتم لن نقبله نحن.
يا إخواني…منذ توقف الصراع عند العسكر وبقية الوطنيين الثابتين ومعهم الإسلاميين وفي القلب منهم الإخوان واليد المخابراتية لا تتوقف عن التهييج، والتسخين بغية تفجير الصف من الداخل، والذي لا يفطن لذلك لا حاجة لنا بقناعته.
أعرف أن للجماعة أخطاءها، ويشهد الله أني أنكرها في مكانها أشد ما يكون الإنكار، لكنه ليس من الحكمة قطع الرأس لأكبر فصيل مسلم سني ملك للأمة على مستوى العالم، ثم نظل بعدها نبكي على قوة كانت غير أننا دمرناها بأيدينا.
تريثوا وأعملوا عقولكم جميعا، لأن المجرمين الآن يستخدمون أحدث وسائل الحروب النفسية، وأحدث النظريات العلمية لتغيير القناعات، وإحداث الأزمات، وهذه الحرب أحسب أن المشارك فيها بسفاهته حين ينقل، لا يقل وزره عن المشارك فيها بعقله حين يخطط.
انتبهوا يا آخر الثائرين من المخلصين لأمتهم إخوانا كانوا أو غير إخوان، فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، فكيف إذا كنا نلدغ من جحور الخونة بنفس الطريقة كل يوم.
أما أنتم أيها المعتقلون وأهلوهم فلكم الله سبحانه يسمع الآهات في الحجرات المظلمات، ولن يحملكم سبحانه فوق طاقتكم، فعند آخر أنفاس التحمل تأتيكم من الله العجائب.
ثم وراءكم إخوانكم وأخواتكم على تقصير منهم يقاسمونكم اللقمة، ووجع الكربة، وفكر الليل والنهار، ودعوات السحر وأدبار الصلوات،وبذل ما يعلمه الله من الجهد حتى تزول الغمة، التي ليست ككل غمة.
ويقيننا أن نهاية الشيء بداية عكسه…وقد أوشك بغيهم على النهاية، فترقبوا من الفرج البداية.
أضف تعليقك