بقلم: وائل قنديل
لا أدري ما هو المعيار الذي يقيس به موقع فيسبوك ما يصلح، وما لا يصلح للنشر، إذ عن تجربة شخصية صرت أقرب إلى تصديق أن الموقع الشهير يتحرّك بالمنع والحظر وفق إحداثيات إسرائيلية، إلى الحد الذي لن تكون مبالغًا معه لو قلت إنه يدار من الكنيست الإسرائيلي.
على مدار الأيام الماضية، يفاجئني "فيسبوك" كل يوم برسالة تفيد بمصادرة منشور قديم لي، نص مقالة أو تعليق سريع، بزعم مخالفتها سياسات النشر في الموقع، وليست مصادفة أن كل المنشورات التي لا تعجب الموقع تتحدّث عن فلسطين، باعتبارها وطنًا محتلًا، وعن مقاومة الشعب الفلسطيني الاحتلال، بموجب قرارات الشرعية الدولية التي تنص على حقوق الشعوب في مقاومة محتليها.
يعبث "فيسبوك" في الأرشيف، باحثًا عن كل مفردة تخص فلسطين ومقاومتها، فيحذفها، ثم تطوّر الأمر باتخاذ خطوة المنع من النشر أو التعليق على منشورات الغير، والسبب مقال منشور في العام 2017 تعليقًا على الوثيقة الجديدة لحركة حماس، والتي أثارت جدلًا كبيرًا في العالم كله، قلت فيه ما يلي: "ما يهمني في الوثيقة وأراه جوهرها الثابت البنود 18-19-20، والتي نصت على:
- يعد منعدماً كلٌّ من تصريح بلفور، وصكّ الانتداب البريطاني على فلسطين، وقرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين، وكلّ ما ترتّب عليها أو ماثلها من قرارات وإجراءات؛ وإنَّ قيام "إسرائيل" باطلٌ من أساسه، وهو مناقضٌ لحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، ولإرادته وإرادة الأمة، ولحقوق الإنسان التي تكفلها المواثيق الدولية، وفي مقدّمتها حقّ تقرير المصير.
- لا اعترافَ بشرعية الكيان الصهيوني؛ وإنَّ كلّ ما طرأ على أرض فلسطين من احتلال أو استيطان أو تهويد أو تغيير للمعالم أو تزوير للحقائق باطلٌ؛ فالحقوق لا تسقط بالتقادم.
- لا تنازلَ عن أيّ جزء من أرض فلسطين، مهما كانت الأسباب والظروف والضغوط، ومهما طال الاحتلال. وترفض حماس أي بديلٍ عن تحرير فلسطين تحريراً كاملاً، من نهرها إلى بحرها. ومع ذلك، وبما لا يعني إطلاقاً الاعتراف بالكيان الصهيوني، ولا التنازل عن أيٍّ من الحقوق الفلسطينية، فإن حماس تعتبر أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة، وعاصمتها القدس، على خطوط الرابع من حزيران/ يونيو 1967، مع عودة اللاجئين والنازحين إلى منازلهم التي أخرجوا منها، هي صيغة توافقية وطنية مشتركة.
تلك هي استراتيجية "حماس" التي أتمنى استمراريتها، أما التكتيكات فليس من المنطق أو العدل أن نصادر حق الحركة في تحديثها وتطويرها".
هذا هو النص الذي قرر "فيسبوك"، على ضوئه، اعتباري مارقًا ومخالفًا لأصول النشر، وهو مجرد قراءة في حدث تاريخي كبير، تفاعلت معه كل وسائل الإعلام على مستوى العالم وتناولته بالتحليل والنقاش، غير أن إدارة الموقع رأت فيه، بعد عامين من نشره، تجاوزًا وخرقًا لأصول وأخلاقيات النشر.
يريد منا "فيسبوك" أن نزيف التاريخ، ونعبث بالرواية الحقيقية، أو نكتب بالحبر الصهيوني، كي نفوز برضاه ونصبح في عينيه بشرًا صالحين للكتابة والقول والتعبير عن الآراء، على الرغم من مزاعم الموقع إنه يحمي حرية التفكير والتعبير، ويحارب من أجلها. غير أن الواقع يثبت سقوط كل هذه المزاعم، ويكشف عن حقيقة مؤلمة تقول إن "فيسبوك" لا يجيد القراءة، وإن قرأ لا يفهم، وإن فهم فهو محكوم بمفاهيم صهيونية، يفرضها على مستخدميه ويحبسهم في إطارها، ومن يخرج عنها يطرد من جنته البائسة.
أضف تعليقك