بقلم.. عامر عبد المنعم
انقلبت الدنيا على الدكتور ذاكر نايك، وضاقت عليه الأرض بما رحبت، وفوجيء الهندي الشهير بحصاره ومنعه من الكلام، والتضييق عليه، وشيطنته وتشويهه، لا لشيء إلا لأنه أقنع عشرات الآلاف من غير المسلمين بدخول الإسلام. فجأة، هاج الهنود الهندوس والصينيون البوذيون في ماليزيا ولم يحتملوا محاضراته التي أدت لاعتناق الكثير منهم للدين الإسلامي، فاتهموه بإثارة الانقسام العرقي والتحريض على الكراهية وطالبوا بطرده من البلد المسلم! استغل الهندوس والصينيون كلمات قالها في إطار ذمناقشات مع أطراف تطالب بطرده مثل أن الهندوس في ماليزيا "يتمتعون بحقوق أكثر 100 مرة من الأقلية المسلمة في الهند"، وقوله إن "الماليزيين الصينيين كانوا ضيوفًا في البلاد".
هذه التصريحات المجتزئة التي نشرها الإعلام الماليزي كان يمكن أن تمر بهدوء، لأنها كلمات عادية، وقيلت في إطار الرد على حملات عنصرية من خصومه، لكن اتساع الحملة الإعلامية ودخول سياسيين صينيين وهنود شركاء في التحالف الحاكم حولها إلى معركة سياسية، أزعجت حكومة مهاتير التي أعلنت إدانة التصريحات وإحالة ذاكر نايك للتحقيق. يبدو أن مهاتير محمد وأنور إبراهيم شعرا بخطر التصعيد واتخاذه أبعادا دولية، فطلبوا من ذاكر الاعتذار فاستجاب واعتذر، ثم قررت الحكومة الماليزية امتصاص الموجة العنصرية بمنعه من إلقاء المحاضرات العامة مع رفض مطلب تسليمه للهند التي أسقطت عنه الجنسية وتطالب بمحاكمته. تلميذ ديدات لقد أوتي ذاكر نايك من العلم والقدرة الذهنية والذاكرة الحديدية ما جعله التلميذ النجيب للشيخ أحمد ديدات، بل وتفوق عليه في التأثير، واتساع الدوائر التي استطاع أن يصل إليها بأسلوب منطقي وجذاب، وطريقة جديدة في الدعوة الإسلامية. كان للقناة الفضائية التي أنشأها "السلام" تأثيرا كبيرا وتوصيل دعوته للعالمية، فهي تبث بالإنجليزية والأردية والبنغالية وأخيرا بالصينية على أكثر من قمر وعلى يوتيوب وأيضا على تطبيق على الموبايل، وأصبحت المناظرات التي يحضرها الآلاف في الساحات والميادين وملاعب الكرة يناظر فيها غير المسلمين تثير الإعجاب وتبهر مشاهديه.
استطاع ذاكر نايك الذي يحفظ القرآن والإنجيل والتوراة وكتب الهندوس وبوذا حفظا جيدا أن يقنع غير المسلمين بطريقة مبتكرة ليس فيها هجوم على الديانات الأخرى وإنما بإثبات حقيقة التوحيد وتعاليم الإسلام من كتبهم التي يقدسونها، مما حقق له الاحترام الواسع في أنحاء العالم. تخصص ذاكر نايك في مقارنة الأديان والجدال بالتي هي أحسن، وحرص على التركيز على القضايا الروحية ولم يتبن أي مواقف سياسية، وابتعد عن تناول السياسات العالمية، وهذا جعل المواقف الغربية منه محايدة. فاز ذاكر نايك في عام 2015 بجائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام، وتسلم الجائزة في احتفال كبير حضره الملك سلمان، وفي هذا الحفل قرر التنازل عن قيمة الجائزة للوقف المخصص للإنفاق على القناة الفضائية، وحصل على الكثير من الجوائز باعتباره رمزا للاعتدال. التعصب الهندوسي نجح ذاكر نايك في مواجهة التضييق الذي تفرضه الحكومة الهندية على المسلمين بقناته الفضائية التي دخلت كل بيت، وأصبحت محاضراته مثار نقاش وجدل على المستوى الشعبي، وكان يحرص على عدم انتقاد سياسات الحكومة وعدم الحديث عن التمييز العنصري والاضطهاد الذي تعاني منه الأقلية المسلمة في الهند التي يبلغ عددها 200 مليون من إجمالي السكان الذي يزيد عن مليار نسمة.
لكن تجنب الاصطدام لم يشفع له حيث صدر قرار من الحكومة التي يسيطر عليها حزب بهارتيا جاناتا الهندوسي المتعصب بالقبض عليه بتهمة التحريض على الكراهية واعتبار الفضائية التي يصدرها وسيلة لغسيل الأموال! لم تقنع الاتهامات الهندية الإنتربول الدولي الذي تلقى أكثر من مطالبة رسمية بتسليمه، وأعلنت رئاسة الإنتربول في كل مرة عدم جدية الاتهامات الهندية، وطالبت الحكومة الهندية بتقديم لائحة تفصيلية بالاتهامات وإثباتات قاطعة. ودارت عجلة المطاردة، فقررت بنغلاديش منعه من دخول البلاد واتهمته بدعم الإرهاب عقب تفجيرات وقعت بها وزعمت أن أحد المتهمين كان من مشاهدي قناته الفضائية! وحظرت حكومة سريلانكا الفضائية بعد التفجيرات التي وقعت بها مؤخرا والتي اعترف الرئيس السريلانكي فيما بعد ان تجار المخدرات هم الذين نفذوها، وأيضا قررت بريطانيا منعه من دخول أراضيها بعد ضغوط من طوائف كشف ذاكر نايك بطلان عقائدها في محاضراته. الهنود المسلمون المنسيون ما يجري مع الدكتور ذاكر نايك يكشف محنة المسلمين في الهند، الذين يتعرضون للاعتداءات والمطاردة منذ نجاح الاحتلال البريطاني في تقسيم القارة الهندية، فالمسلمون الذين يعيشون في أنحاء الهند ولم يكونوا ضمن خط التقسيم في باكستان يتعرضون للظلم على أيدي المتطرفين الهندوس. ورغم أن المسلمين يشكلون نسبة تتراوح بين 15% و20% من السكان فإنهم ممنوعون من التوظيف في مؤسسات الدولة والجيش والشرطة والقضاء، وتعاني مناطقهم الفقر والأمية، ولا تتوقف المذابح التي يتعرضون لها بتشجيع من الحكومة وصمتها، والتي وصلت إلى حرق المنازل وهدم المساجد. ومنذ استقلال الهند عام 1947 لا تتوقف عمليات تهجير المسلمين وطردهم، سواء من قراهم ومنازلهم، أو عدم الاعتراف بهم مثل ما يجري في ولاية آسام شرقي الهند، حيث نزعت السلطات مؤخرا الجنسية عن عدد يصل إلى 4 ملايين مسلم. آخر ممارسات الحزب الهندوسي الحاكم القرار الأخير بإلغاء الحكم الذاتي لولاية كشمير ذات الأغلبية المسلمة وضمها للهند بالقوة، وتجاهل القرارات الدولية بأحقيته أهلها في إجراء الاستفتاء للانضمام إلى باكستان، وهذا يعني تفاقم الاضطهاد واستمرار معاناة الكشميريين. لعل ما يحدث مع ذاكر نايك يفتح الملف الأصلي للمسلمين في الهند، الذين يتجاهلهم قادة الدول العربية والإسلامية، ويتركونهم يواجهون وحدهم التمييز العنصري والاضطهاد الديني، خاصة مع تصاعد الموجة العالمية المعادية للإسلام.
أضف تعليقك