بقلم: ياسر أبو هلالة
محاولة إحباط استضافة الدوحة حوار الإدارة الأميركية مع حركة طالبان لم تقلّ عن تلك التي بُذلت في إحباط استضافتها كأس العالم، فمشكلة دول الحصار هي في المكانة التي نالتها الدوحة عالميا، والتي أهلتها لتكون مركزا عالميا، على الرغم من قلة عدد سكانها وضيق جغرافيتها. بالنسبة للسعودية، رأت نفسها الأوْلى، وهي التي تربطها علاقات تاريخية مع أفغانستان وباكستان، صرفت فيها مليارات الدولارات في غضون الحرب الأفغانية السوفياتية. والإمارات سخّرت قواتها المسلحة للقتال تحت إمرة الجيش الأميركي في أفغانستان، وأنفقت أيضا مليارات على حربٍ ليست لها، وساهمت في دعم الحكومة الأفغانية وانتخاب أشرف غني رئيسا. في النهاية، كانت الاستضافة في الدوحة!
طبعا، منافسة الدوحة ليست حرصا على دماء المسلمين المراقة، فالإمارات والسعودية الدولتان الوحيدتان في العالم اللتان كافأتا حكومتي الهند والصين على جرائمهما بحق الأقليتين المسلمتين فيهما. المنافسة هي تلبية رغبة الرئيس الأميركي، ترامب، الذي يريد أن يدخل التاريخ صانع سلام، ومنهيا أطول الحروب في تاريخ أميركا، وفوق ذلك وقف النزف المالي الذي بلغ أكثر من 900 مليار دولار. حسنا، الخسارة خبرة ناجحة، فماذا بإمكان أبوظبي والرياض الاستفادة من معلمهما ترامب؟
لنفترض أن جماعة الإخوان المسلمين تنظيم إرهابي قاتل الإمارات والسعودية، وكلفت الحرب معه 900 مليار دولار، فهذا يعني أن نجلس معه لوقف الحرب وبناء السلام. هل يوجد درس أبسط من ذلك؟ كان من إرهاصات أزمة الخليج الهجوم غير المسبوق على حديث أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد، في القمة العربية في البحر الميت: "هل من الإنصاف أن نبذل جهدا لاعتبار تيارات سياسية نختلف معها إرهابية، على الرغم من أنها ليست كذلك. وهل هدفنا أن نزيد عدد الإرهابيين في العالم؟"، يومها خرجت صحيفة الحياة عن رصانتها، ونشرت مقالا غير مسبوق يهاجم أمير قطر ويصفه بـ"قذافي الخليج".
أميركا تفاوض حركة طالبان، على قاعدة الاعتراف بها، وبحقّها في الحكم. ومن المفيد المقارنة بينها وبين "الإخوان" بسرعة: "طالبان" حركة مسلحة ابتداء، قاتلت أمراء الحرب والحكومة الأفغانية والقوات الأميركية، ولها مرجعية دينية متشدّدة، تجلت في التطبيق الصارم لمفهومها للشريعة الإسلامية، كحظر الموسيقى وتدمير تماثيل بوذا. وليس للحركة سالف عهد بالسياسة، ولا خاضت انتخابات، ولا غيرها من الممارسات السياسية. في المقابل، يشكل الإخوان المسلمون تيارا معتدلا في الفكر والممارسة، ولهم تجربة عريضة ممتدة زمانا ومكانا في الحكم والمعارضة.
لا توجد منافسة على قلب أميركا، هذا ما يجب أن تعيه الإمارات والسعودية، توجد دولة إمبراطورية تشكل مستودعا للخبرات البشرية في السياسة والاقتصاد والعلوم... يمكن التعلم منها. بما أنكم أميركيون أكثر من أميركا، لنطلق حوار "طالبان" في كل بلد عربي. هذا اتجاه عالمي عقلاني، تحويل المقاتلين إلى سياسيين، تم هذا في أفريقيا وفي أميركا الجنوبية وأوروبا وآسيا. فقط في العالم العربي نسير عكس اتجاه العالم، ونحوّل التنظيمات السياسية إلى عسكرية وإرهابية.
فوق ذلك، في اليمن تتحالف الإمارات، وتدعم تنظيمات مصنفة إرهابية، وتستجدي هي والسعودية الحوثي الذي دكّ مدنهم للحوار والقبول بالعملية السياسية. والواقع أن لا حل في اليمن من دون تحويل من يحملون السلاح، إرهابيين أو غير إرهابيين إلى سياسيين، يحتكمون إلى صندوق الاقتراع، لا صندوق الذخيرة.
إن فشلت الرياض وأبو ظبي في استضافة حوار واشنطن مع "طالبان"، فالفرصة التاريخية لا تزال أمامهما لاستضافة حوار مع جماعة الإخوان المسلمين. وأن تفعلاها اليوم خير من أن تتأخرا مثل الأميركان مع "طالبان" 15 عاما، مع ملاحظة الفارق بين أكبر إمبراطورية عرفها التاريخ البشري وأصغر إمبراطورية!
أضف تعليقك