بقلم عبد الحافظ الصاوي
منذ اللحظات الأولى لمشروع توسعة قناة السويس، الذي انطلق في أغسطس 2014، وهو محل سخط من قبل المعنيين بشؤون التنمية والأوضاع المالية المتردية في مصر، وبخاصة أن الإعلان وبدء التنفيذ للمشروع أتى في ظل ظروف تمويلية صعبة، حيث بدأت الحكومة آنذاك في استقبال الدعم الخليجي وكذلك فتح باب القروض على مصراعيه، وكذلك طباعة النقود من قبل البنك المركزي.
وتركزت الانتقادات حول المشروع، على عدم جدواه الاقتصادية، وأن ما دُفع فيه من نفقات لم يكن أكثر من إهدار للمال العام، يستوجب المساءلة القانونية، والمحاكمة السياسية، لكل من ساهم في الترويج وتنفيذ هذا المشروع، الذي أُهدر فيه 64 مليار جنيه مصري، وبما يعادل في ذلك الوقت 8 مليارات دولار أمريكي.
ولكن والبنوك المصرية تستعد اليوم الخميس 5 سبتمبر 2019 لسداد أصل القرض لمن قاموا منذ خمس سنوات بشراء شهادات قناة السويس، يلح على الذاكرة، تصريحات وزير المالية في ذلك الوقت، هاني قدري دميان، والذي كان يشغل منصب مساعد وزير المالية في عهد مبارك والتلميذ النجيب ليوسف بطرس غالي وزير مالية مبارك، والهارب إلى الآن خارج مصر.
كذبة سداد العوائد
قدم دميان للرأي العام تصريحات متضاربة، تنم عن الروح السائدة للطريقة التي تدار بها مصر، منذ انقلاب 3 يوليو 2013، ففي المرة الأولى صرح لوسائل الإعلام "ان عائد شهادات استثمار القناة سيتم سداده من ايرادات هيئة قناة السويس المتوقع ارتفاعها تدريجيا من 5.5 مليارات دولار حاليا لأكثر من 13 مليار دولار خلال الأربع سنوات المقبلة بفضل عمليات توسعة وتعميق المجري المائي للقناة وهو ما سيجذب سفن الحاويات العملاقة الي جانب تقديم بعض الخدمات اللوجستية للسفن العابرة ".
وهذا التصريح منشور على موقع وزارة المالية، ضمن تصريحات وزير المالية في 18 أغسطس 2018، وهو بلا شك يتضمن مغالطتين، الأولى أن العائد على شهادات قناة السويس سوف يتم سداده من إيرادات قناة السويس، وهو ما لم يحدث، حيث شهدت القناة تراجعًا في إيراداتها على مدار نحو 4 سنوات من تنفيذ المشروع، ولم تتحسن إيرادات قناة السويس إلا في عام 2018/2019، وبالتالي من تحمل سداد العوائد على شهادات القناة هي الموازنة العامة للدولة، التي تحصل على 75% من إيراداتها من الضرائب.
كذبة ارتفاع الإيرادات
والمغالطة الثانية، أن إيرادات قناة السويس، سوف تشهد ارتفاعًا تدريجيًا خلال أربع سنوات لتصل إلى 13 مليار دولار، بينما تصريحات رئيس هيئة القناة المقال -مميش- تظهر أن إيرادات القناة في 2018/2019 كانت بحدود 5.9 مليارات دولار، وهو أعلى إيراد تحقق منذ الانقلاب العسكري في يوليو 2013.
فلمن روج دميان الوهم حول الايرادات المتوقعة المبالغ فيها؟ لقد تم استخدام هذه التصريحات لتهيئة الرأي العام بقبول مشروع فاشل، يدفع الشعب تكلفته من قوته، في ظل أزمة اجتماعية واقتصادية صعبة.
ومن عجب أنه مع تبشير دميان بارتفاع إيرادات قناة السويس، خلال السنوات الأربع بعد البدء في تنفيذ مشروع توسعة القناة، أن هيئة القناة اضطرت غير مرة للجوء للاقتراض من البنوك، التي كانت وكيلًا لها سواء من خلال السوق المحلي أو الدولي.
كذبة المخصصات
وبعد مضي نحو 3 أسابيع على تصريحات دميان حول عوائد الشهادات، نقلت بوابة الأهرام عن وكالة أنباء الشرق الأوسط في 12 سبتمبر 2014، تصريحه "عن تخطيط الحكومة لتجنيب جزء من الإيرادات العامة في حساب خاص بالبنك المركزي على مدى السنوات الخمس المقبلة لتدبير الموارد المالية اللازمة لسداد قيمة شهادات استثمار قناة السويس عند انقضاء آجالها حتى لا تحدث أية ضغوط على القناة أو على الموازنة العامة".
وهذا التصريح على وجه التحديد يستوجب أن تتعامل معه الهيئات الرقابية، وبخاصة مجلس النواب والجهاز المركزي للمحاسبات، ولكن للأسف، هذه الهيئات الرقابية تحت سلطة الانقلاب العسكري، ولا يمكنها فتح مثل هذه الملفات، كما أن الشارع تُسلط عليه موجات إعلامية مغرضة للتغطية على الأداء السياسي للحكومة ومحاسبتها، فضلًا عن حرمان المجتمع من تجربة ديمقراطية حقيقية، تسمح بخروج مجلس نواب يعبر عن الشعب بشكل صحيح، ويمكنه مراقبة ومحاسبة الحكومة.
فبيانات الموزانة العامة للدولة متاحة على موقع الوزارة، وقدمت في كل عام لمجلس النواب لاعتمادها، ولم يظهر بين مخصصاتها ما أعلنه دميان، لهذا الحساب المزعوم بالبنك المركزي.. بل الطامة الكبرى أن بيانات الموازنة تظهر تفاقم الدين العام (المحلي و الخارجي) حتى وصل إلى 4.12 تريليونات جنيه كدين محلي و106 مليارات دولار كدين خارجي.
ويلاحظ أن دميان ليس وحده في تاريخ السياسة المصرية، وبخاصة بعد الانقلاب العسكري في يوليو 2013، ولكنه يمثل ظاهرة، تعتمد على عدم مساءلة أحد من مسئولي الحكومة، ولو كان أحد يستحق الحساب في ملف توسعة قناة السويس على وجه الخصوص، لكان الأولى هو السيسي، لتصريحاته بأن المشروع نفذ بدون دراسة جدوى، وكذلك مميش الذي صرح بأن عوائد القناة سوف ترتفع إلى 100 مليار دولار.
أضف تعليقك