بقلم: سليم عزوز
تحول سؤال: أين المستندات؟ في قضية الفنان والمقاول "محمد علي"، إلى ما يشبه السؤال الساخر: أين التردد؟
فذات مرة كتبت عن موعد ظهوري على قناة الجزيرة، فعلق أحد الأصدقاء مازحاً: أين التردد؟ فتبعه في ذلك البعض في كل مرة، لكن سؤالهم هنا يكون بجدية، كما لو كانوا لا يعرفون حقاً تردد قناة الجزيرة، أو لا يعرفون ما المقصود بالتردد، حتى صار السؤال يطرح شبيهاً بـ"اللايك"، الذي يضعه المتابع لك، من باب المجاملة، ودون أن يطالع ما كتبت؟!
أين المستندات؟ سؤال طرحته الإعلامية المتقاعدة "ليليان داود"، ثم تبعها في هذا من هم يحسبون على معسكر رفض الانقلاب؛ لأنهم يستنكرون التأييد الذي حظيت به فيديوهات المقاول الفنان، ومنذ اليوم الأول، ويرونه بذلك "وافدا جديدا"، ينافسهم في مجال الـ"لايكات"، و"الشير".. "تعس عبد اللايك.. تعس عبد الشير"!
وهناك من يعز عليهم أن يكون الكاشف للفساد مَن هو جزء منه، وهم لا يقبلون بأقل من أن تنزل عليهم الملائكة، فيثبتون الذين آمنوا، بدون ضرب للأعناق، فسلميتنا أقوى من الرصاص!
من هنا إلى هناك:
وقد انتقل سؤال: أين المستندات؟ من هنا إلى هناك، ومن معسكرنا إلى معسكرهم؛ وإذ تابعت صفحات مؤيدي السيسي، لكي أعرف ما يقولون، وإذ راعني أن كثيرين منهم في حالة غضب، ويطلبون من الجهات المعنية الرد، وممن وردت أسماؤهم أن يدافعوا عن أنفسهم، وإلا يكون كل ما قاله صحيحاً، فإن هناك من ذهبوا في غضبهم بعيداً، حتى أكاد أجزم أن ما جاء في الفيديوهات هز مركز السيسي بأكثر مما هزه التفريط في التراب الوطني، والتنازل عن "تيران وصنافير".
أما الذين تمترسوا في مواقعهم، وظلوا على العهد، فكان دفاعهم يدور بطرح السؤال/ الإسطوانة: أين المستندات؟ فمحمد يطلق الاتهامات بدون تقديم الدليل المؤكد على صحتها! ليكون من الطبيعي الرد على سؤالهم بسؤال: وأين مستنداتكم التي تؤكد أن ما قاله غير صحيح؟ وكيف لسلطة تملك ترسانة من اللجان الالكترونية ووسائل الإعلام المختلفة، تقف عاجزة عن مواجهة فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي، فلا تملك رداً عليها إلا ببلاغات كاذبة، تدعي ملكية المنشور، كما حدث مع الفيديو الأول، بل وتحتشد فتسيطر على صفحته الأولى وتغلق صفحته الجديدة على "فيسبوك". وإذا أصبحت الصفحة الأولى تحت رهن تصرفها، فلا تجد ما تفعله سوى حذف بعض الفيديوهات، ثم كتابة منشور تافه، عن توجيه "محمد علي" للشكر لأصدقائه في إسبانيا من الأتراك، الذين يساعدونه في محنته. وعلى الفور أيقنت أن الصفحة جرى الاستيلاء عليها، فكتبت هناك: في انتظار أن يوجه الشكر لأردوغان. أهذا هو كل ما عندكم؟!
ابن بلد:
لقد أظهروا والده تلفزيونيا ليدينه؛ فأكيد أنه تعرض لعملية غسيل مخ (كما قال الوالد) دفعته لأن ينسى جميل الجيش عليه، والذي منه حصل على مئات الملايين، ليسأله أحمد موسى: لكم فلوس عند الجيش؟ فيرد الوالد إن الجيش هو من له فلوس عندنا!
وبعيداً عن الدائن والمدين، فهذا ليس ما يهم الذين يتابعون فيديوهات "محمد علي" بشغف، فهم لا يحسبون المذكور على الصالحين، وقيمته الحقيقية أنه واحد منهم، وجزء من فسادهم. ثم إنه من ناحية الأداء واحد من الشعب، لا يتكلم كلاما كبيراً، بالشوكة والسكين، أو بحسب "أولاد البلد": "بالنحوي.. وحيث أنه"، فهو ليس من طبقة "حيث أنه".. إنه يمثل شخصية ابن البلد، ويعرف أين يوجع، حتى في تقليله من شأن نفسه، من حيث كلامه أنه "جاء من على الرصيف"، مع أن هذا ليس صحيحاً، فهو وإن كان من منطقة العجوزة الشعبية، فلا ننسى أنه ابن لنجم وبطل قديم في كمال الأجسام، ووالده كان يملك محلاً للذهب، وإن حاول هو القول إنه محل متواضع في العجوزة، فليس تجار الذهب، الكبار منهم والصغار، من أبناء الطبقة الفقيرة!
وقد عاد وزاد في التقليل من قيمة نفسه باعتباره لم يكمل تعليمه، وبدون مبرر أحياناً، فلأنه يعلم كيف يخاطب الناس، وكيف يخفض لهم جناح الذل ليتقبلوه، وهو يملك الموهبة لذلك، وقد نجح في مهمته!
إن "محمد علي" لم يدّع أنه "خضرة الشريفة"، فهو صاحب شركة مقاولات هي من الشركات العشر اللاتي تتعامل في هذا المجال مع الجيش، وترسى عليها الأعمال، بالأمر المباشر. وقد قال الوالد إنهم حصلوا على مئات الملايين من الجيش، بما يمثل إدانة، وإن شملت "محمد علي"، فهذا لا يعني الناس كثيرا، لكنها كاشفة عن فساد لم يكونوا على علم به، ومن تحدثوا عنه لم يقدموا الدليل عليه، وها هو الدليل!
والذين يطلبون من "محمد علي" المستندات، فما هو المستند المطلوب لتأكيد هذا الاتهام؟ وهل المطلوب هو ما يفيد هيمنة الجيش على قطاع المقاولات؟ أم ما يفيد أنه يمنح الأعمال بالإسناد المباشر؟ في الأولى، فإن الأمر ليس سراً، وفي الثانية فلا يدعي أحد بغير هذا.. إذن، انشروا اعلاناً في الصحف عن مناقصة أو مزايدة لواحدة من هذه الأعمال!
قصور السيسي
وقد قال "محمد علي" إن شركته بنت مجموعة من القصور لصالح عبد الفتاح السيسي وأركان حكمه، ومن حلمية الزيتون، إلى الإسكندرية، إلى قطاع الهايكتسب، فهل ما يراد المستند الدال عليه هو قيامه بذلك؟ أم أن التشكيك في النفقات؟.. إذن، فليتم الرد عليه، والمستندات بحوزة جهاز المشروعات في القوات المسلحة، فليرد الجهاز بأن شركة أخرى هي من قامت بذلك!.. أو أن التكلفة ليست كما قال "محمد علي"، وأن قصر المنتزه مثلا لم يتكلف ربع مليار جنيه، و35 مليون لقضاء ليلة واحدة!
لقد بنى السيسي قصوراً في منطقة العلمين للحكومة وله، ونُشرت صورها بشكل استفزازي للناس، من أجل اجتماعات تحدث مرة أو مرتين في السنة! فما هي الغرابة في ما قاله "محمد علي" وتستدعي أن يقدم المستند الذي يؤكده؟!
ونأتي لثالثة الأثافي، والتي تتمثل في بناء فندق في منطقة "الشويفات" حيث لا زرع ولا ضرع، وبدون دراسة جدوى، وتكلف بناؤه ملياري جنيه عداً ونقداً، فبمجرد طلب ضابط كبير ذلك من صديقه السيسي، جاءت الموافقة عبر مكالمة تلفون.
فهل هذا جديد عليه حتى نطلب بمستند لتأكيده؟!
إن السيسي نفسه يعترف بأنه أقام مشروعاته دون دراسات جدوى، باعتبار الدراسات ونحو ذلك كلام فارغ.. وفكاكة لا معنى لها. وفي مشروع قناة السويس الجديدة، فقد قال مهاب مميش إنه عرض الفكرة على السيسي في التلفون فقال له: نفذ!
لقد وضع "محمد علي" السيسي في "خانة اليك"، فبدا لأنصاره أنهم آمنوا بشخص آخر، وهم معذرون إن أخذتهم الرجفة فتصايحوا: أين المستندات؟!
فليبرز صاحبكم بالمستندات، وأنهوا ظاهرته مبكراً قبل أن تستفحل، إن كنتم صادقين.
أضف تعليقك