• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم.. رشاد لاشين

أسرتنا المسلمة الحريصة على حسن تربية أبنائها ينعم الله تعالى عليها بمناسبات عديدة طيبة تستطيع من خلالها غرس القيم وتوصيل المبادئ والمفاهيم الطيبة وتربية الأبناء بطريقة عملية على أهدافنا العظيمة الرائعة، وعاشوراء (العاشر من المحرم) يوم عظيم من أيام الله تعالى احتفل به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فصامه وأمر بصيامه، وهو فرصة طيبة يجب أن تغتنمها الأسرة المسلمة للارتقاء بأبنائها خطوات على طريق التربية.

فضل اليوم وسر تعظيمه

روى البخاري ومسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما: أَنَّ النبي- صلى الله عليه وسلم- لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَهُمْ يَصُومُونَ يَوْمًا، يَعْنِي عَاشُورَاءَ، فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، وَهْوَ يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى، وَأَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ، فَصَامَ مُوسَى شُكْرًا لِلَّهِ، فَقَالَ: "أَنَا أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ"، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، و روى البخاري عَنْ أَبِى مُوسَى - رضي الله عنه- قَالَ: كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَعُدُّهُ الْيَهُودُ عِيدًا، قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم:"فَصُومُوهُ أَنْتُمْ".

وعن فضل صيام هذا اليوم ورد في جزءٍ من حديث طويل في صحيح مسلم عَنْ أَبِى قَتَادَةَ أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "... وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التي قَبْلَهُ" وفي صحيح البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- قَالَ: "مَا رَأَيْتُ النبي- صلى الله عليه وسلم- يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ، إِلاَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَهَذَا الشَّهْرَ. يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ".

عيد النصر على الطغيان

وسر تعظيم هذا اليوم هو نصر الله تعالى لسيدنا موسى وأتباعه وإغراق الله تعالى لفرعون وجنوده هو عيد بمناسبة تأييد الله تعالى لفئة مؤمنة أطاعت نبيها وخرجت معه لتكوين دولة مسلمة في أرض جديدة وفرحة بقهر الله تعالى للظلم والطغيان المتمثل في فرعون وجنوده الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد.

ومع الدروس والعبر والقيم والمبادئ التي يجب أن نعلمها لأبنائنا من خلال عاشوراء:

(1) نعلم أبناءنا الاحتفال بعاشوراء بالصيام لمن يستطيع والتدريب قدر المستطاع للصغار:
 ونعلمهم أنَّ أول فرض الصيام للمسلمين قبل شهر رمضان كان صوم يوم عاشوراء، وكان المسلمون يدربون أبنائهم على الصيام ويعطونهم اللعب ويأخذونهم إلى المسجد حتى يبتعدون عن الطعام ويصبرون أنفسهم حتى نهاية اليوم.

(2) نعلم أبناءنا الوعي بما يدور حولهم في المجتمع ودراسة الظواهر الاجتماعية أيها يصلح أن نأخذ به وأيها لا يصلح: وذلك بمشاورة الكبار بالطبع، فرسول الله- صلى الله عليه وسلم- حينما قدم المدينة لاحظ ظاهرة موجودة وهي أنَّ اليهود يصومون يوم عاشوراء فلم يعش بمعزلٍ عن الواقع بل راح يسأل عن سبب هذه الظاهرة، ولما علم أنها تصلح لنا كمسلمين أخذ بها ولكن بتميزنا وبسمتنا.

ونعلمهم أنَّ المسلم ليس متعصبًا بل يقبل الحق والخير أينما وجده، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: "الحكمة ضالة المؤمن أنَّى وجدها فهو أحق الناس بها".. نحن نأخذ الصالح النافع المفيد، ولكن في إطار تميزنا وسماتنا وبأخلاقياتنا الرائعة؛ لذلك لسنا مجرد مقلدين ولكننا مبدعين إيجابيين، والمسلم دائمًا متميز في سلوكه.

(3) ونعلم أبناءنا سر عدم استحقاق اليهود للاحتفال بعيد النصر على الطغيان: هو أنَّ اليهود انضموا إلى قافلة الطغيان والظلم والتجبر: بل وأصبحوا الآن هم قادته في الأرض لذلك فهم ليسوا جديرين بالاحتفال بهذه الذكرى العظيمة بل نحن (أولى بموسى منهم)، نحن الذين نحتفل بل ونتميز في الاحتفال فنصوم مع العاشر: التاسع أو الحادي عشر حتى نتميز عن اليهود المجرمين، كما أمرنا رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم.

(4) نحتفل بعاشوراء باجتماع الأسرة لدراسة قصة سيدنا موسى عليه السلام دراسة مستفيضة نأخذ منها العبر والعظات: ونعرض لهم هذه القصة بأسلوب جميل ويا حبذا لو توفر عرض مرئي لقصة سيدنا موسى عن طريق شريط فيديو أو (C.D) حتى يكون أكثر قبولاً وإمتاعًا للصغار ثمَّ بعد الحكاية أو المشاهدة نقوم بربط دروس القصة بواقع المسلمين اليوم، ونخرج من خلالها بواجبات عملية تلتزم بها الأسرة في واقعها؛ ويا حبذا كذلك أن نشجع الأبناء على رسم لوحات تصويرية توضح مشاهد القصة لتعميق الجانب الوجداني في نفوسهم.

(5) نعلم أبناءنا حقيقة الصراع بين الحق والباطل: ويتمثل هذا في فرعون الظالم الذي كان يذبح الأطفال الصغار حديثي الولادة لأنه لا يحب أن يكبر هؤلاء الصغار، ويكونوا صالحين محاربين للظلمة أمثاله، فالباطل مجرم وجبان ولا يحب الخير لأحد.

(6) نعلم أبناءنا عدم الخوف والحزن بل الثقة والطمأنينة في طاعة الله: وذلك من خلال خطاب الله تعالى لأم سيدنا موسى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ (القصص: 7)، فالأم التي تخاف على ابنها تأخذه في حضنها، ولكن الأم التي معها عناية الله وتستجيب لكلامه يحفظ الله ابنها حتى لو ألقت به في البحر استجابةً لأوامر الله.

(7) ونعلم أبناءنا الإيجابية والوعي في سلوك أخت سيدنا موسى التي أمرتها أمها أن تذهب لتتابع ماذا حدث لأخيها: ﴿وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُون َوَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ﴾ (القصص: 12,11)، ونعلمهم أيضًا من هذا الموقف الوعي السلوكي والذكاء في التصرف والحكمة وحسن التدبير، وكذلك الحذر الذكي فلم يشعر بها أحد ولم تقف لتتابع فقط بل قدمت النصيحة الواعية ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ﴾ وكأنها لا تعرفه.

(8) نعلم أبناءنا رعاية الله تعالى لعباده الصالحين من خلال: توضيح رعاية الله لسيدنا موسى في كل مراحل حياته: فقد نجاه الله من القتل حينما كان فرعون يذبح كل الأطفال، وسخَّر الله له فرعون ليقوم على خدمته وتربيته، وحينما قتل سيدنا موسى رجلاً من آل فرعون سخَّر الله تعالى لسيدنا موسى رجلاً ينصحه بالخروج؛ وحينما خرج وفقه الله للذهاب إلى مدين ليقابل نبي الله شعيب عليه السلام وليتزوج من ابنته، وهكذا رعاية الله مع عباده الصالحين دائمًا.

(9) نعلم أبناءنا السعي لصد هجمة الباطل برفض الظلم ومقاومة الطغيان وعدم الاستكانة للباطل: فأتباع سيدنا موسى لم يرضوا بسيطرة فرعون ولا بحكم الضلال بل خرجوا خلف رسولهم لإقامة دولة للإسلام يستطيعون عبادة الله فيها.

(10) نعلم أبناءنا (استشعار معية الله) في كل وقت، وخاصةً عند الخطر، وأنَّ من كان الله معه كان معه كل شيء: وذلك من خلال توضيح المشهد الأخير في الصراع، وأن سيدنا موسى حينما خرج طائعًا لله ومعه أتباعه وخرج فرعون بقوة كبيرة ضخمة لا يستطيع أحد الوقوف في وجهها، لم ييأس بل استعان بالقوي القادر، وحينما قال له بعض أتباعه ﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾ (الشعراء: من الآية 61)، ردَّ واثقًا من عون الله له: ﴿.. كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ (الشعراء: من الآية 62) فكن يا حبيبي الصغير مع ربك دائمًا يهديك ويحفظك ويرعاك ويصونك من كل شر.

 (11) نعلم أبناءنا أنَّ الباطل مهما طغى وتجبر وظهر أنه قوي فإنه مهزوم ولابد أن يعاقبه الله تعالى: وأن الله تعالى قد يؤخر النصر حتى يأخذ المسلمون بأسباب القوة ويعودون إلى الله ﴿إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ﴾ (محمد: من الآية 7).

(12) نعلم أبناءنا المشاركة والشورى بأخذ العظة والعبرة وبالتطبيق العملي في الأسرة:
ففرعون هذا الذي أهلكه الله تعالى كان طاغيًا لا يسمح لأحد بمشاركته في الرأي، وكان يقول: ﴿مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى﴾ (غافر: من الآية29)، وهذه فرصة أن نعلم أبناءنا الشورى، وأن نمارسها معهم عمليًّا في المنزل، وفي إدارتنا لشئون الحياة، فلا يكون رب الأسرة طاغيًا، فالمسلم يرفض الطغيان على كل المستويات بدءًا بأصغر وحدة إدارية وهي الأسرة وانتهاء بأكبر وحدة إدارية وهي أستاذية العالم.

(13) نحتفل بعاشوراء بالتوسعة على أنفسنا وأهلنا: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: أنَّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ وسَّع على نفسه, وأهله يوم عاشوراء, وسَّع الله عليه سائر سنته" (رواه البيهقي في الشعب, وابن عبد البر)، ويقول الشيخ سيد سابق في كتاب فقه السنة ج1: وللحديث طرق أخرى كلها ضعيفة، ولكن إذا ضُمَّ بعضها إلى بعض ازدادت قوة، كما قال السخاوي".

فما أجمل أن تجتمع الأسرة في جو طيب وعلى طعام طيب فتتذاكر هذه المعاني الطيبة وتروي هذه القصة الرائعة، وتحتفل بعيد النصر على الطغيان وتربي أبناءها ليكونوا مسلمين عظماء يقاومون الطغيان في الأرض، وليرفعوا راية الإسلام عزيزة في كل ربوع الدنيا ينعم تحت ظلالها كل إنسان بالعدل والطمأنينة والرحمة والسلام.

أضف تعليقك