بقلم: عامر شماخ
ما زلت أذكر جملة أطلقها الدكتور الجوادي عقب الانقلاب بأيام قال: «لا أحد يرتب انقلابًا لصالح غيره، بل لا بد أنه يرتبه لنفسه»؛ مؤكدًا -وقتها- أن الرئيس المقبل (أُعلن عنه فى مارس 2014) هو من قام بالانقلاب ولا أحد غيره -وكانت تصريحات المنقلب تؤكد زهده في الحكم!
وهذا يزيل العجب والمفاجأة لما ورد فى فيديوهات (محمد على)؛ فإن ما أورده المقاول وما سوف يورده وما سيورده غيره -أمرٌ طبيعى ومعتاد فى تلك الأنظمة العسكرية الفاسدة، وما خفى كان أعظم، وأقسم إن ما أعلنه (على) أمرٌ هين للغاية مقارنة بمنظومة النهب المنظم الذى تتعرض لها المحروسة على يد العسكر الآن.
لقد قالها فرعون الأمة صريحة مجلجلة: (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ) [الزخرف: 51]؛ يتهم كل من لم يدرك هذه الحقيقة بالعمى (أَفَلا تُبْصِرُونَ)، والحقيقة الأخرى أن الفراعنة الصغار يسيرون على درب الفرعون الأكبر، قد اعتبروا بلادهم ممالك متوارثة، يتصرفون فيها كما يشاءون، يبيعون ويشترون، ويعطون ويحرمون، ويزيدون وينقصون، أما الخلق الذين يسكنونها فهم عبيدهم، يحيونهم ويميتونهم، ويمنحونهم ويمنعونهم، ومن لا يرى مصر الآن على هذه الصورة فقد عمى.
إنها «مملكة فرعونية»، أو هى «شبه دولة»؛ وهذا يعطيه الحق فى سن قوانينه الخاصة ووضع لوائحه العائلية (قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ) [غافر: 29]، فلا شأن لكم بمحاسبته على ما أنفق على بوابة تقود إلى قبر والدته، ولا على الفلل والقصور، ولا على اختيارات «الملكة!» للفرش والمتاع -والمعارض سوف يلقى جزاءه؛ بإلقائه فى «العقرب» أو بحبسه «انفرادى»، وهو عذاب قريب مما جرى لسحرة فرعون الذين آمنوا؛ مات السحرة بتقطيع أرجلهم وأيديهم من خلاف، والمعارض يموت أيضًا لكن بالتعذيب والموت البطىء.
سيكتشف المصريون قريبًا أن بلدهم كانت (عزبة مغتصبة) وأن ثرواتها ومواردها التى لا تُحصى قد بُددتْ فيما بين المنقلبين وحاشيتهم، وأن ما يصرحون به يجافى –تمامًا- ما يحدث فى الكواليس، وأن التنادى العاطفى للتبرع من أجل مصر إن هو إلا حيلة لجمع أكبر قدر من المال لتهريبه إلى الخارج بعيدًا عن المحاسبة والرقابة -هذا إن وجدت محاسبة أو رقابة؛ ولو لم يكن هناك منظومة سرقات فلماذا صرنا إلى ما صرنا إليه من فقر وعوز؟ واحسبها بنفسك: ماذا كان دخل مصر قبل الانقلاب وماذا صار دخلها الآن بعد مضاعفة أسعار الوقود والماء والكهرباء والغاز والضريبة إلخ؟ ثم ما هو حالنا قبل الانقلاب وحالنا الآن؟ الآن صار 60% من المصريين تحت خط الفقر، وتآكلت الطبقة المتوسطة الداعمة للفقراء رمانة ميزان المجتمع، وانحدرت الخدمات الصحية والتعليمية وخدمات المحليات انحدارًا يتأذى منه الجميع؛ حتى لم يعد أمام الفقير سوى الانتحار استعجالاً للوفاة، أو انتظار الموت على أثر الجوع والقهر والكبت.
أين ذهبت مليارات الجباية؟ ولماذا انخفضت ميزانية الصحة والتعليم والدعم عن ذى قبل، والطبيعى أنها تزيد بعد زيادة الإيرادات؟ ولماذا يتحرشون بالرواتب والمعاشات والوظائف الحكومية؟ لا شك أن تلك المليارات ذهبت إلى الفرعون والحاشية، وهم –بالطبع- لا يُسألون عما يفعلون كما لم يُسأل مَنْ قبلهم من الفراعنة، فهل سأل أحد «عبد الناصر» وقد قام فى كل مناسبة يدغدغ المشاعر يقول نمتنع عن شرب الشاى، ونقلل الوجبات ونزهد فى كذا وكذا.. وفى حين كانت الغوغاء يهتفون بفدائه بالروح والدم كان هو يخطط لمستقبل أولاده الذين هم الآن مثل عائلة «روتشيلد» غنًى ووجاهة، وقد ادّعوا حين موته أنه كان زاهدًا فى الدنيا زهد «غاندى» فلم يترك لهم فتيلًا ولا قطميرًا -والله يعلم أنهم كاذبون.
ليهنأ الفاسدون بالمحروسة، وتحت أيديهم مائة مليون رهينة، ليفعلوا بها ما ما يشاءون؛ فإنما هو قدرٌ وملحمةٌ كتبهما الله على المصريين.. لكن هل تدوم تلك المحنة؟ أبدًا والله، بل سوف يأتى الله بأمره، وسوف يُحاسب فرعون وجنده، وكلٌ سيلقى وعيده، وسوف ترون المختال الأرعن مجندلاً فى دمه وقيوده؛ ذلك أن الله لا يرضى لعباده أن يتسلط عليهم فسدة (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) [البقرة: 251].
اللهم لا تمتنا حتى ترينا مصارعهم.
أضف تعليقك