• الصلاة القادمة

    العشاء 17:29

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم شيرين عرفة

إنه من الصعب حصر حجم تكلفة الفساد داخل المؤسسات المصرية، ولكن من خلال التقارير الرقابية يمكننا القول بأن التكلفة خلال عام 2015 تجاوزت الـ 600 مليار جنيه وسيتم رفع كافة التقارير لرئاسة الجمهورية لاتخاذ الإجراءات اللازمة بهدف التصدي للمخالفات"

كانت هذه تصريحات المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، لصحيفة اليوم السابع في ديسمبر 2015، وعقب رفعه لتلك التقارير، حدث ما لم يتوقعه المستشار، ولا أي عاقل على أرض مصر، حملة إعلامية شرسة هاجمت من كشف الفساد وطالبت بمحاسبته، بل واجتمع تسعون نائبا بالبرلمان في يناير 2016 مطالبين بتحويل "هشام جنينة" للنيابة العامة بتهمة الإساءة للدولة ونظامها ورئيس جمهوريتها.

بالرغم من أن المستشار لم يطالب سوى بالتحقيق في مخالفات مالية وسرقات، وكأن البرلمان يعترف صراحة بأن من قام بها، هو نظام الدولة ورئيس جمهوريتها.

الطريف، أن فداحة الرقم الذي ذكره رئيس الجهاز (الذي مهمته مراقبة كافة أنشطة ومعاملات مؤسسات الدولة) أصاب الشعب المصري جميعه بالذهول، بل ودعا بعض معارضي النظام، للاعتقاد بأن المستشار قد بالغ -ربما- في عدد الأصفار؟!

أي دولة تلك التي يُسرق منها 600 مليار جنيه، وفي عام واحد؟!

وعوضا عن التحقيق في إهدار الأموال، قامت نيابة أمن الدولة العليا، في مايو 2016 بالتحقيق مع "جنينة"، بتهمة الإضرار بمصالح الدولة،

 وفي يوليو من نفس العام، تم حبس من أبلغ عن السرقة، بعد اعفائه من منصبه، وقضت محكمة جنح القاهرة بمعاقبته بالحبس سنة مع الشغل وتغريمه 20 ألف جنيه وكفالة 10 آلاف جنيه، بتهمة نشر أخبار كاذبة.

وبعد الافراج عن "جنينة"، أُحيلَ لاحقا للنيابة العسكرية، في فبراير 2018، لإدلائه بتصريحات صحفية، رآها الجيش تدين قياداته، فحكم عليه بالسجن 5 أعوام.

دخل النظام الحاكم للدولة في معركة مباشرة مع رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات لقيامه بدوره الطبيعي الذي عينته الدولة من أجله، وهو كشف ملفات الفساد، ما يعني أن النظام ذاته، هو من يدير هذه الملفات!!

بالوعة الفساد تلك، والتي لم نصل بعد لقاعها السحيق، وربما لن نصل إليه مطلقا، قد أُغلق غطاؤها بأحكام، عقب التخلص من رئيس الهيئة المحاسبية الأولى في مصر، وتهميش دورها تماما، ثم اصدار قانون يقضي بتعيين رئيس الجمهورية لكافة رؤساء الهيئات القضائية في مصر!

كي تصبح العدالة مفصلة بدقة على مقاس الرئيس!!
إلا أن الأخير لم يدرِ أنه على موعد آخر، ومحاولة جديدة لفتح بالوعته للفساد في عام 2019، حين طالعنا الفنان الشاب والمقاول "محمد علي" صاحب مجموعة أملاك العقارية، بتقديم حلقات متلفزة، لعب فيها دور البطل والمنتج والمخرج، في "فيديوهات" عفوية، تم تصويرها بكاميرا جوال، يظهر فيها وهو جالس داخل مكتبه بإسبانيا، يحكي لنا عن سبب خروجه من مصر، ويقدم لنا تفسيرا لتراكم الديون المستحقة على شركته العقارية لصالح البنوك المصرية،

وبأسلوب بسيط، وانفعالات حقيقية، وشجاعة تُحسب له، انطلق المقاول والفنان، يقص علينا قصص الفساد المرتبطة بمشاريع الجيش، والتي تم اسنادها بالأمر المباشر لشركاته، ويسرد لنا حكايات قصور وبيوت واستراحات الرئيس،

الرئيس الذي تلخصت سياساته في حكم البلاد على قاعدتين رئيسيتين:

-إن مصر دولة فقيرة للغاية (فلا مجال لتوفير احتياجات شعبها)

-بناء الاقتصاد المصري يحتاج منا للتقشف وتحمل الجوع من أجل توفير الأموال لمشاريع السيسي العملاقة.

ببساطة، المقاول "الذي عمل مع الجيش المصري 15 عاما، فكان واحدا من رجالاته، واشتُهِر من خلال فيلم أنتجه لنفسه، ومسلسل وحيد، جسد فيه دور ضابط شرطة، قام بهدم القواعد التي بنى عليها السيسي سياسته على مدار 6 أعوام!

وشيَّدَ مكانها، أساسات جديدة، تدعمها شواهد مرئية (مبان موجودة على أرض مصر) تفيد بحقيقة واحدة: أن السيسي كاذب في افتراءاته، وأن أموال الدولة يتم اهدارها بشكل مبالغ فيه على حياة أسطورية، يملؤها الترف والبذخ، يحياها السيسي وأفراد عائلته، كما يتم انفاقها كذلك على مشاريع غير ذات جدوى، لرسم صورة وهمية عن إنجازاتٍ، لا مكان لها على أرض الواقع.

 حيث صرح المقاول بأنه تم تكليفه ببناء فندق "تريومف" ذي الخمس نجوم في التجمع الخامس بتكلفة مقدارها مليارا جنيه، رغم عدم جدواه الاقتصادية، فالمنطقة ليست سياحية، وتزخر بعدد آخر من الفنادق التي تعاني من الركود وضعف الإشغال، بينما كان السبب الوحيد لتشييد الفندق، هو مجاملة صديق السيسي الشخصي اللواء "شريف صلاح الدين"، المدير العام الحالي لفندق تريومف بمصر الجديدة، وقد تم إنشاؤه بمواجهة بيت اللواء بالشويفات.

وأشار "محمد علي" إلى ملكية المخابرات الحربية لفنادق تريومف، والتي حدث نزاع بينها وبين الهيئة الهندسية حول تفاصيل العمل ومستحقاته.

كما تحدث أيضا عن كون المشاريع التي يقوم بها الجيش تتم جميعها بالإسناد المباشر، دون مناقصات أو دراسات جدوى، مما يفتح الباب على مصراعيه للرشوة والمحسوبية والفساد.

استراحة رئاسية
وتطرق في حديثه لقصة أخرى في غاية الخطورة، كشف فيها عن رفض السيدة "انتصار" زوجة السيسي قضاءها عطلة عيد الأضحى في ذات القصر الرئاسي الذي كانت تقضي فيه "سوزان مبارك" عطلاتها، فأمر "السيسي" ببناء استراحة رئاسية جديدة بلغت تكلفة بنائها 250 مليون جنيه، ثمَّ طلبت زوجته لاحقا تعديلات، تكلفت 25 مليون جنيه أخرى.

كما تحدث المقاول، عن طلب الجيش تسوية العقود معه، ليتم خفض قيمة البناء على الأوراق إلى 120 مليونا، تحسبا لما سيتم تقديمه للجهات الرقابية.

كذلك كشف عن مساهمته في أعمال بناء وتجهيز قصور وفيلات غير معلنة، ومخصصة لإقامة عبد الفتاح السيسي وأفراد أسرته، تشمل فيلات في "مراسي"، وأخرى في "مرسى مطروح"، بالإضافة إلى قصر وخمس فيلات في منطقة الهايكستب، تم ربطها جميعا بأنفاق، تؤدي إلى مبان إدارية، يعمل بها رجالات السيسي في الجيش وأفرعه العسكرية.

بالإضافة إلى إعادة بناء منزل كبير في منطقة "الحلمية"، كان المشير "عبد الحكيم عامر"يمتلكه، وذلك في الفترة التي تقلد فيها السيسي منصب وزير الدفاع،

حيث لم تمنعه الأحداث الدامية التي كانت تمر بها البلاد، ومنها مذبحة الاتحادية، من أن يباشر بنفسه أعمال بناء وتجهيز المنزل، بل أمر باستدعاء المقاول، كي تبلغه السيدة "انتصار" بالتعديلات المطلوبة، وأوضح "علي" أنه شاهد السيسي وهو يتجول في القصر، مرتديا ملابس البيت (البورنس)،

لم يعبأ بالدماء التي تراق على بعد أمتار منه، وكان شغله الشاغل هو تجهيز المنزل وحشده بمتطلبات زوجته من الرفاهية والكماليات.

وهو ما يميط اللثام عن جانب شديد الظلمة، في شخصيتي قائد الانقلاب والسيدة حرمه، ويوضح النهم العجيب لديهما، والرغبة المفرطة في الامتلاك والاستحواذ، مع تبلد بالمشاعر، وانفصال تام عن الواقع المحيط بهما.

وأكدت تلك الفكرة ، القصة التي سردها  "محمد علي" عن دور شركته في تنظيم حفل افتتاح قناة السويس الجديدة ، والذي تكلفت (إنشاءاته وحسب) ما يقارب الستين مليون جنيه، وقد رفض السيسي تأجيل الحفل، بالرغم من وفاة والدته قبلها بيومين ، حيث احتفظ بجثمانها في الثلاجة أياما ، قبل أن يعهد لاحقا لشركة المقاول بمهمة تهيئة الطرق وتجهيز التشريفات، لمرور موكب السيسي بجنازة والدته وصولا إلى مقبرة جديدة، دفنت فيها الأمر الذي بلغت تكلفته أكثر من مليوني جنيه ، تم سداد مليون منها من ميزانية الدولة ، ومليون أخر  ، قال المقاول أنه لم يتم سدادها لشركته إلى اليوم.

وبعد أن تراكمت ديون الهيئة الهندسية إلى 220 مليون جنيه، تمثلت في قروض مستحقة للبنوك على شركة المقاول العقارية، اضطر لبيع ممتلكاته، ثم السفر هاربا لمدينة برشلونة بإسبانيا،

ورفض المقاول الاعتذار
وقد كشف في أحدث مقاطعه المصورة عن عرض النظام عليه، رد أمواله كاملة مقابل تقديم الاعتذار للسيسي والجيش، بعد أن أحدثت فيديوهاته ضجة عارمة، وتسببت في فضيحة كبرى وصداع في رأس النظام،

إلا أن المقاول رفض تماما، عازما على استكمال طريقه في اظهار الحقيقة للشعب المصري، وفضح جوانب متاهات الفساد التي تلتهم ثروات مصر وتبتلع ميزانيتها.

لم يكن محمد علي أول من كشف بالوعة الفساد العسكري والنهب المقنن، لكنه كان أول من أزاح الغطاء عنها من الداخل، حيث سلط الضوء، ووجه الكاميرات، تجاه مجارير الفساد، موضحا طرق هدر وسرقة المال العام.

فضح زيف ادعاءات قارون زمانه، وكشف أوجه المعيشة بالغة الترف، فاحشة الثراء، التي يحياها مع أسرته بينما يرفع شعارات الجوع والعطش في وجه المصريين.

"هنجوع، أيه يعني ما نجوع، بس نبني بلدنا"

أشهر عبارات السيسي المسجلة بالصوت والصورة في عام 2015، والتي كانت شرارة البدء لسيل من القرارات شديدة التوحش بحق الشعب المصري، بدءا من تعويم الجنيه، لرفع الدعم، لزيادة الضرائب، ومضاعفة الأسعار، قرارات أحالت حياة المصريين جحيما مقيما،

لم يستوعبوا الغرض منها، سوى عام 2019، حينما تيقنوا أن جوعهم وحرمانهم، لم يكن من أجل بناء بلادهم، كما ادعى السيسي من قبل، بل لبناء قصور وفيلات ترضي غرور السيدة زوجته، وتشبع رغبتها المرضية في الإنفاق وسفك الأموال.

واكتشفنا جميعنا، أن الشعار الحقيقي كان:

"صبَّح على انتصار بجنيه".

أضف تعليقك