بقلم: محمد الصغير
التوقيت الذي خرج فيه المقاول محمد علي قريب الشبه بتوقيت ثورة الخامس والعشرين من يناير، حيث ظن مبارك وأذرعته الأمنية أنهم قادرون عليها، فأتاهم أمر الله عن طريق فتية آمنوا بالتغيير فزادهم الله هدى.
كذلك كان الحال قبل خروج مقاطع فيديو محمد علي حيث كان جامدا راكدا، والسيسي يرتكب من الجرائم والفظائع مرددا: ألا وإني وإن كنت الأخير زمانه.... لآت بما لم تستطعه الأوائل!
وأغراه بذلك الدعم العربي والغربي الذي لم يتهيأ لأحد قبله، والذي مكنه من سحق معارضيه من خلال فرض خطته التي نجح فيها حتى الآن، وهي سياسة يا (قاتل يا مقتول)! واستطاع أن يجعل المعادلة صفرية بفرض هذه السياسة، وغاب عنه أن الجولة الأخيرة دائما للشعوب.
الماء الراكد
"محمد علي" حرك الماء الراكد وبدد سحب الغمام الكثيف، وأسقط ورقة التوت التي غطى به الجنرال سوأته، شاب واحد من مائة مليون مصري ظن السيسي أنه دَجَنهم، وأحكم إغلاق الحظيرة عليهم.
اعتمد السيسي في كل خطاباته، التي يعطي فيها ظهره للمتكلمين كعادة من لا يقوى على مواجهة الجماهير، أن يُذكر المصريين بأنهم: "فقرا أوي" وأنهم من أمة العوز واشتهر بكلمة "مفيش ومعنديش" "ولو كنت أقدر اديك كنت أديك" "وعايز الفكة اللي معاكم" "وصبح على مصر بجنيه"، وصندوق تحيا مصر الذي جعله أشبه بصحن النقوط الذي يدور في الأعراس وحفلات الطُهور !
هذه هي منظومة السيسي القِيمَية والاقتصادية والاجتماعية والمستقبلية هدمها جميعا الفنان محمد علي في أقل من ثلاثة أيام بكاميرا هاتفه الشخصي، وأخرس كتائب الذباب والسِباب، وأسطول القنوات والمذيعين والمذيعات،
حيث بين حجم البذخ والسرف الذي تعدى مرحلة السفه الذي يَرفل فيها السيد/ عبد الفتاح وأسرته، وأن كل ما يُمص من دم الغلابة هو لإرضاء نزوات الجنرال، وتحقيق رغبات الشيطان الذي أصبح ثالثهما.
جعله بلحة
ثورة يناير التي لم تكتمل كانت قدرا مقدورا والفنان محمد علي جولة من جولاتها، وصورة من تجلياتها، حيث كشف السيسي وجعله "بلحة" فعلا بكل ما تحمله الكلمة من معاني في وجدان الشعب المصري، وهذا أحد أهم أسباب وصول صوت محمد علي إلى كل المصريين، لأنه يتحدث بلغتهم، ويعبر عما في أنفسهم، بعيدا عن الإغراب والتعقيد، والتنظير والتقعيد.
"محمد علي" أصبح أيقونة من أيقونات الثورة على الظلم، وفَضْح الباطل، ومدفعية ثقيلة في دك حصون الفساد والاستبداد، وينبغي على كل محب لثورة يناير وكل كاره لحكم العسكر أن يعمل على نجاح تتابع لكمات "محمد علي" فربما لا يملك الضربة القاضية، لكن الثورات تنجح بمجموع النقاط وتوالي الضربات، وتعدد الجولات.
أما من ضاق أفقهم عن أهمية ما يقوم به محمد علي أو ضاقوا به حسدا من عند أنفسهم:
فالنفس من خيرها في خير عافية .... والنفس من شرها في مرتع وخم.
أما من توقف عند أعماله السابقة أو تدخينه أو ما شابه، فنحن إزاء تقييم عمل ثوري، ولسنا بصدد تعين إمام أو مقيم للشعائر! فاستقيموا يرحمكم الله
أسقط ورقة التوت
وختاما إلى الذين وقفوا كالعادة ينظرون إلى ما بعد محمد علي، وهل سيكون في صالحهم وهل سيستمر على ذلك؟
أقول: لو لم يفعل محمد علي إلا ما قام به، ولو توقف أو حتى تنصل -ونسأل الله له الحفظ والثبات- فقد أجرى المياه في الوادي، وأسقط ورقة التوت، وكشف المستور، وحقق الفنان مالم يحققه أحد في السنوات الماضية، وأعاد في النفوس الأمل، وكَسَر الرتابة والملل.
ولعله يضع بداية النهاية لقصة الجنرال، كما وَضعت دابة الأرض نهاية قصة نبي الله سليمان، الذي ظلت الجن مُسخرة له وتعمل من أجله، معتقدة حياته ولا تعلم بموته
(فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ ۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ)
فما أشبه ما يفعله محمد على بالسيسي بما فعلته الدابة بعصا سليمان
(وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ۚ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ)
أضف تعليقك