بقلم سيف الدين عبد الفتاح
لم يكن ذلك الحراك الذي حدث يوم الجمعة قد حدث؛ ولكن هذه بعض الآثار الكبيرة والخطيرة التي ترتبت على دعوات صغيرة وفيديوهات امتلأت بحقائق مثيرة تكشف فساد قادة العسكر وقادة البزنس لتشير إلى شبكات فسادهم، فضلا عن سياسات استبدادهم وطغيانهم.
والآثار الكبيرة لا زالت تنتظر حدثا أكبر؛ حدثا تعبر فيه جموع الشعب المصري التي امتلأت نفوسها بغضب متراكم، وبمصانع غضب تراكمت في جوانبهم فترة لا بأس بها. فقد كان تحريك ذلك الغضب مع وجود حقائق حول فساد هؤلاء، إنما يشكل في حقيقة الأمر جملة واحدة أكدتها تلك الأحداث الأخيرة والخطيرة..
"إن هؤلاء الذين يتحكمون في مصر واختطفوا مؤسساتها؛ عصابة تقوم شبكات فسادها بسرقة أقوات شعب، وتبديد مقدرات وطن والتفريط في أرضه ومياهه"، هذه هي العبارة الحاكمة لحراك قادم في مواجهة مع ذلك النظام، ومع تلك العصابة التي احترفت الجباية لتمول ترفها والفساد لترسيخ فجورها وطغيانها.. حقائق تشكل عنوانا لحراك جديد يؤكد أن تلك الاحتجاجات وباستئنافها إنما تؤكد على معاش الناس، وباعتبار أن مطالب هذا الشعب تتمحور حول لقمة عيش كريمة مغموسة بالعزة والشرف. هذه القضية وغيرها كثير تعلق بتعريف السياسة الأفضل لدي والأثير عندي: "أن السياسة معاش الناس".
هذا الإطار الذي تبين من حراك الجمعة الماضي إنما يفتح الباب واسعا لخيارات واحتمالات تجعل من نزول شعب مصر في مواصلة لذلك الحراك من أهم الضرورات؛ لإحداث تغيير لذلك الذي قاد نظام الثالث من تموز/ يوليو والذي يتسم بفجوره وفاشيته وفساده وفشله.
أقول لكم وبأعلى صوت إنها الفرصة التاريخية للإطاحة بالسيسي.. السيسي الذي أهان كل شيء، ومسّ كل بيت، وامتدت مظالمه وتعددت ضحاياه في كل جنبات الوطن، بحيث لا نرى بيتا إلا وقد أصابه ما أصاب، إلا من هؤلاء العبيد الذين يعيشون على هامش الحياة ويرضون بالفتات، ويسبحون بحمد وثنهم الذي يتمثل في "صنم السيسي"، هؤلاء ساقطون من حساباتنا لأنهم لا ينتمون إلى دائرة الإنسانية، بل هم من ثلة المنافقين أو الموافقين أو من حملة المباخر أو من زبانية الإفك وجوقة الكذب. إن هؤلاء جميعا شكلوا مع هذه العصابة مجتمعا لكل المفاهيم التي تشير إلى عصابة كبرى استعبدت عموم الناس، واختطفت المؤسسات، وفرطت في الأوطان، واستخفت بكرامة الإنسان وحرمة نفسه وكيانه.
إن شبكة ظلم هذا النظام ومؤسسات فساده وزبانيته التي تخدمه وتزين له إنما تشكل حلقات في منظومة يجب أن تسقط، حتى لو كان ذلك السقوط جزئيا لهؤلاء ولرؤوس تلك العصابة، فإن ذلك كاف لفتح ثغرة في طريق مسدود؛ سده هؤلاء وقطعوا الطريق على بلاد يمكن أن تنهض وتستأنف عملية عمرانها. فهؤلاء شيدوا السجون وصارت حرفتهم الجباية واقترضوا المليارات، بحيث يصادرون مستقبل أجيال قادمة، ووضعوا في السجون خيرة شباب مصر أهلها، وقتلوا بعضهم وطاردوا البقية. فالأمر جد خطير، فإن كان لديك فرصة بأن تجبر هؤلاء على الرحيل فلا تتوانَ ولا تتأخر. إن شأن النزول إلى الميادين وممارسة الاحتجاجات وكسر حاجز الخوف صار أمرا مهما مع تلك الفرصة التي لاحت وبرزت آثارها على نحو إيجابي، بحيث نقف على عتبة التغيير ونمتلك أدوات التأثير.
إن صراع القوى الذي اتضح بعد هذه البدايات الصغيرة إنما يشكل بيئة مهمة لدخول الشعب المصري على الخط ضمن هذه المعادلة، ليعلن عن إرادته وعن مطالبه الجوهرية والحقيقية، ذلك أن هذا الصراع الذي يمكن أن يكون أحد أهم نتائجه إزاحة السيسي إنما يشكل هدفا في ذاته، بعد أن استطاع هذا المنقلب بسياساته وبممارساته الاستخفاف بوطنه وعموم الناس، فهو يشكل هدفا مرحليا مهما في عملية التغيير والفعل التأثير، والفاعلية في المعادلة الكبرى التي تتعلق بالوطن وإصلاح أحواله وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
ومن هنا، فإن هذه المعادلة التي تجمع بن الأطراف الفاعلة في المشهد الآن إنما ينقصها وبشكل رئيسي أهم فاعل في هذه المعادلة، ألا وهو إرادة شعب تعبر عن مطالبه في معاش الناس التي تتأكد ضمن رباعية شعار ثورة يناير "عيش حرية أساسية.. كرامة إنسانية.. عدالة اجتماعية"؛ معادلة بسيطة توضح قائمة المطالب التي تمثل هذا الشعب وتؤشر على غضبه، وتدفع وتدعم كل أشكال احتجاجه وتؤثر في مساره ومستقبله.
قد يقول البعض إن السيسي قد ذهب إلى الولايات المتحدة ليستجدي كما اعتاد، ويطرق أبواب شرعنته التي احتاج أن يدبجها في كلماته الفائضة لتبرير سياسته الباطشة، ويستند إلى داعميه من جماعات الضغط الصهيونية و"ترامب" الذي دعاه بديكتاتوره المفضل، ومن بعض دول الإقليم التي اعتاد أن يفزع إليها لتسنده وتدعمه. لقد اعتاد على ذلك لأنه لا يفهم معنى الشرعية حينما تأتي من الداخل، فيتحايل عليها بكلمات جوفاء وخطاب عاطفي، لكنه في النهاية يستهين بكل هؤلاء ويفعل معا يريد وفق ما يطلب منه من أسياده. وهي في حقيقة الأمر شرعنة كاذبة خاطئة زائفة مزورة. إن الشرعية في أصلها وجوهرها إنما تستند إلى عناصر الرضا الداخلي في سلطة مقبولة ومرضية من سواد الناس والمواطنين، وفي إنجاز يحقق أهدافهم ويلبي ضروراتهم. هذا هو ما يمكن أن يؤسس معنى الشرعية عندما تستند في ذلك إلى عناصر الداخل ورضاه؛ لا دعم الخارج والانبطاح أمام مصالحه والامتثال لمطالبه.
هذا هو أصل الشرعية ومصدرها المكين، إن هذا الحراك والنزول لمواجهة ترامب والسيسي وانبطاحه وزبانية حكمه وجماعة إفكه.
فإن النظام القائم نظام الثالث من تموز/ يوليو قد تآكلت قدراته وتآكل مؤيدوه، وأضيفت في مواجهته مساحات جديدة من الخصوم والمعارضين. وصراع الأجهزة الناتج عن تهميش المستبد لها، والتغول على مهامها ووضعها تحت تصرفه وهيمنته، إنما يشكل بيئة مواتية بأن يعلن هذا الشعب عن قدرته وإرادته الحرة في حراكه على الأرض.
فالخارج أو الاقليم لا يمكنه مهما كان أن يواجه إرادة شعب وفاعليته والتعبير عن مطالبه. ومن ثم فإن هذا الحراك مرهون بإكمال عدته والاستجابة لدعوته مع استثمار كل السياقات المناسبة والمواتية لتعظيم هذا الحراك وتأثيره، وعلى الجميع أن يعرف أن هذا الشعب هو أهم عنصر في هذه المعادلة، مع إسناده باستراتيجية خطاب تمكنه من إزاحة الطاغية، وفتح الطريق نحو انفراجة منتظرة بمصالحة مجتمعية، والإفراج عن المعتقلين يتطلبها الوطن في محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
أقولها ثانية وبلا مواربة؛ إن الفرصة قد لاحت في وقتها وحانت في أوانها لرحيل السيسي، وحتى تلك القوى التي تعمل داخل الدولة التي تضررت أو همشت أو صار السيسي عبئا عليها وهي معنية بإزاحته. إن هذا المطلب الضروري يجب أن يكون هدف كل هؤلاء لإنقاذ الدولة والشعب والوطن.. ارحل يا سيسي.
أضف تعليقك