بقلم عبد الرحمن يوسف:
من المفيد في ظل الحراك الرائع الذي بدأه الشعب المصري في أيلول (سبتمبر) الحالي 2019م، أن نؤكد على ضرورة فهم ما يحدث، وفهم ما يمكن استنساخه من التجارب، وما هو غير قابل للتكرار. فهمنا لمثل هذه الأمور هو العاصم من اليأس وقت الأمل، وعدم فهمنا هو ما يحجب شمس النصر عن أعيينا !
كثير منا أصبحوا في حالة يأس نتيجة قراءة خاطئة للأحداث، فهم ينتظرون تكرر أحداث معينة حدثت من قبل في 2011، وحين لا تحدث يصابون بالإحباط. والحقيقة أننا لا بد أن نتفاءل بما حدث في أيلول (سبتمبر) الجاري، فقد ثبت لنا أن الديكتاتور يقف عاريا إلا من بندقيته. لقد سقطت جميع الحجج التي تذرع بها، وسقطت جميع المزاعم التي تتحدث عن وجود ظهير شعبي يحميه، بل سقطت أيضا فكرة أن الدولة ومؤسساتها الأمنية على قلب رجل واحد !
لقد قلنا ذلك عشرات المرات في عشرات المقالات عبر سنوات مضت، ولكن أحدا لم يكن يصدق، وها هي الأيام تثبت ذلك بما لا يدع مجالا للشك.
ومن أوضح ما أثبت ذلك مشهد الحشد المزعوم عند المنصة، فقد كان قمة من قمم الإفلاس الكثيرة التي مرّ بها "سيسي"، فرأينا غالبية الحشد من طلاب الكليات العسكرية، ومن عساكر الأمن المركزي، أو من الفقراء الذين لا يكادون يجدون قوت يومهم، فقبلوا بإراقة ماء الوجه مقابل فتات يلقى إليهم.
في اللحظة نفسها يمر الوضع الإقليمي والدولي بمتغيرات ليست في صالح "سيسي" أبدا، فحلفاؤه في حيص بيص، وعاشقه الأمريكي على كف عفريت، وحليفه الأقرب الصهيوني الوفي يسير في أروقة السياسة في إسرائيل كبطة عرجاء.
هذه الأسباب (وغيرها) تدعونا للتفاؤل، وتحفزنا على العمل، ولكن برغم ذلك نرى بعض أجواء الإحباط، وسبب ذلك هو أن الكثير منا يحاول استنساخ تجارب الماضي، وأحداث الماضي، وهو أمر شبه مستحيل.
لذلك لا بد أن ننبه إلى ما لا يمكن تكراره واستنساخه من الأحداث.
***
الحدث الأول: اعتصام ميدان التحرير
كان اعتصام التحرير الذي بدأ في ليلة التاسع والعشرين من كانون ثاني (يناير) 2011 السبب الأكبر في إسقاط الرئيس المخلوع حسني مبارك، ولكن في ظل الأوضاع الحالية في مصر.. من المستحيل أن يتكرر أمر شبيه بهذا الاعتصام.
لقد كان الاعتصام ممتدا عبر مصر كلها، في غالبية عواصم المحافظات الكبرى، وكانت المليونيات التي تأتي إلى ميادين التحرير كالسيل الهادر الذي لا يمكن أن يقف سد في وجهه.
كل هذه التجربة (الرائعة) انتهت، فهي بنت زمنها وظروفها، ومحاولة استنساخ هذه التجربة أمر لا معنى له، بل لا بد من ابتكار وسيلة جديدة.
***
الحدث الثاني: (مهرجان) الثلاثين من حزيران (يونيو)
ما حدث في الثلاثين من حزيران (يونيو) 2013م من مؤامرة مشهرة ضد رئيس الجمهورية، برعاية أجهزة الدولة، وبتمويل إقليمي، وتواطؤ دولي.. هذا أيضا أمر لا يمكن أن يتكرر !
صحيح أن السيد محمد علي تسانده أجزاء من بعض أجهزة الدولة (كما هي الرواية الراجحة)، ولكن ذلك لا يعني أبدا أن خلع "سيسي" سيكون نزهة تخرج لها الجماهير كما حدث في عام 2013.
هذا الشكل الذي رأيناه بمقدماته وخواتيمه، بداية بحملة تمرد، ومرورا بالطائرات التي تفرق البالونات والقلوب، وانتهاء بمشهد بيان الثالث من تموز (يوليو) الذي جمع أركان الدولة.. لن يتكرر، ومن ينتظر نزولا (آمنا) للشارع، أو تخاذلا من أجهزة الأمن.. من الأفضل له أن يراجع نفسه.
***
الحدث الثالث: مجلس عسكري للفترة الانتقالية
بعد سقوط "سيسي" قريبا إن شاء الله سيكون من الصعب أن يدير أي مجلس عسكري البلاد (وحده) كما حدث مع مجلس (طنطاوي/عنان) في عام 2011.
لقد أصبحت سمعة المؤسسة في الحضيض، فهي مرادف للخيانة (بسبب تيران وصنافير)، والفساد (بسبب استيلاء الجيش بالقوة على الحجم الأكبر من النشاطات الاقتصادية).
ومحاولة استنساخ ما فعله المجلس العسكري في 2011 لن ينتج عنها إلا المزيد من الفشل، وسيقاوم غالبية الناس هذا الأمر.
سيكون الحل المتاح حينها أن تشترك جميع مكونات المجتمع المصري في إدارة المرحلة الانتقالية، وإلا فستعود الاضطرابات مرة أخرى.
سيقول قائل وكيف يختلط الزيت بالماء؟ كيف يمكن لهؤلاء الشركاء المتشاكسين أن يجتمعوا على (فنجان قهوة) !؟
والحقيقة إن ذلك هو الحل الوحيد، ولا حل سواه، وإذا لم يتحول هذا الحلم إلى واقع عملي، فلن تهدأ مصر، وستظل البلاد عرضة للكوارث والهزات السياسية.
إن أساس الاستقرار تحقيق العدل، ولن يتحقق عدل إلا بمشاركة الجميع، ولكي يشترك الجميع لا بد أن يتحلى الجميع بحس المسؤولية.
***
من حقنا أن نتفاءل.. لأن كسر حاجز الخوف في أيلول (سبتمبر) كان عملا فدائيا عظيما ! وواجبنا الآن أن نبحث عن طرق جديدة للحراك، ترهق يد الظالم حتى تسقط عصاه من يده من شدة التعب لا أكثر !
إن الاستنفار الأمني الذي رأيناه يوم الجمعة الماضي لا يمكن أن يستمر أكثر من يومين، وبعدها ترتخي قبضة الأمن، ناهيك عن التكاليف الكبيرة لمثل هذه الميليشيات، لذلك.. سيكون من المفيد أن تستمر الفعاليات الصغيرة، ليستمر إرهاق أجهزة الأمن.. إلى أن تأتي لحظة الحسم.
حفظ الله مصر من عصابة الصهاينة التي تحكمها، ومكّن شعبها من الانتصار على كل المستبدين وعملائهم.
عاشت مصر للمصريين وبالمصريين ...
أضف تعليقك