بقلم قطب العربي
لم يعد خافيا على أحد حجم الخطر الذي يمثله سد النهضة الأثيوبي على حاضر ومستقبل المصريين، يكفي أن حصة المياة الحالية التي لا تكفي احتياجات مصر سيتم تخفيضها إلى النصف بشكل دائم ناهيك عن أنها ستقل عن النصف خلال فترة ملء الخزان الجديد خلال مدة قصيرة تصر عليها اثيوبيا.
وفقا للبيانات الموثقة يبلغ حجم الموارد المائية المصرية المتاحة حالياً 55,5 مليار متر مكعب/ سنويا من نهر النيل، و1,3 مليار متر مكعب/ سنويا من الأمطار، و ملياري متر مكعب/ سنويا من المياه الجوفية غير المتجددة من الصحراء الغربية وسيناء- أي ما مجموعه 58,8 مليار متر مكعب/ السنة- ( ويضاف إلى ذلك جزء كبير من حصة السودان في مياه النيل التي لم يكن يستغلها من قبل لكنه أصبح يستخدمها حاليا وقدرها 18 مليار متر مكعب سنويا) في حين تبلغ احتياجات المياه للقطاعات المختلفة 79,5 مليار متر مكعب/سنويا . وبالتالي، تبلغ الفجوة بين العرض والطلب حوالي 20 مليار متر مكعب/ سنويا. ويتم سد هذه الفجوة من خلال معالجة المياه (موقع Fanack المتخصص في شئون المياه).
موافقة السيسي
لم يوافق السيسي على بناء السد فقط بل وافق أيضا على تخفيض حصة مصر من المياه بشكل دائم بأكثر من ثلثها، حيث تصر أثيوبيا أن تكون الحصة 35 مليار متر مكعب (نزولا من 55 مليارا) بينما حاول السيسي دون جدوى رفعها إلى 40 مليار متر مكعب فقط، أي أن الفجوة بين العرض والطلب في مصر ستتسع إلى الضعف وهذا يعني بوار نصف كمية الأرض الزراعية التي تعتمد على مياه النيل، وفقدان أكثر من مليون وظيفة و1.8 مليار دولار من الناتج الاقتصادي سنويا، كما ستفقد مصر كهرباء بقيمة 300 مليون دولار، وفقاً لـ "رويترز".
رغم هول المصيبة على المصريين إلا أن نظام السيسي تعامل مع الأمر بمنتهى الرعونة منذ سيطرته على السلطة عقب انقلاب الثالث من يوليو 2013، واحتفظ بهذا الملف دون مشاركة أي قوى سياسية أو خبراء أو متخصصين، ليستخدمه في مقايضة سياسية يحصل من خلالها على شرعية أفريقية، بعودته إلى الاتحاد الأفريقي الذي علق عضوية مصر بسبب الانقلاب، وبعد أن تعهد السيسي لإثيوبيا والدول الداعمة لها بالموافقة على بناء السد تمت إعادة عضوية مصر للاتحاد الأفريقي رغم بقاء سلطة الانقلاب دون تغيير، ودون عودة للحياة المدنية وفقا لاشتراطات الاتحاد الأفريقي نفسه.
كان توقيع السيسي على اتفاق المبادئ في مارس 2015 بمثابة موافقة مصرية على بناء السد، وهو ما فتح الباب للممولين -الذين كانوا محجمين عن التمويل من قبل تجنبا لإغضاب مصر-إلى تقديم المليارات لاثيوبيا لبدء عمليات البناء التي تسارعت بوتيرة عالية سابقت الزمن لسرعة الإنتهاء من البناء حيث تم انجاز حوالي 70% منه في مدة وجيزة.
الآن وبعد "خراب مالطة" كما يقولون فتح نظام السيسي وأذرعه المختلفة "مندبة" حول الكارثة التي ستحل بمصر بعد الانتهاء من بناء السد وملء خزانه، طالبا من الشعب المصري أن يلتف حوله، ولا ندري ماذا سيفيد هذا الإلتفاف حوله؟ هل لتحصينه من المساءلة القانونية والسياسية عن هذه الجريمة؟! أم لحمايته من إعتدءات شخصية يخشى أن يتعرض لها؟1 أم ماذا؟! لقد فعل السيسي فعلته، وارتكب جريمته بحق مصر والمصريين جهارا نهارا، وكانت الكثير من الأصوات تحذر مما يفعل، وتحذر من هذا المصير الذي وصلنا إليه وكان بإمكاننا تداركه بوقفة حازمة كتلك التي وقفها الرئيس الشهيد محمد مرسي رحمه الله حين أعلن على الهواء مباشرة أن نقص قطرة ماء من نهر النيل تقابلها دماؤه ودماء المصريين وهو أعلى تهديد من رئيس الدولة الذي سبق أن جمع رموز الوطن من قادة سياسيين وحزبيين ودينيين في مؤتمر بمقر القصر الجمهوري ليدلوا برأيهم في هذه القضية الوطنية التي لا تخص مؤسسة واحدة في الدولة، وأدلى الجميع برأيهم وظهرت لغة وطنية قوية أرعبت الإثيوبيين باعتراف السيسي نفسه الذي هرول إليهم عقب استيلائه على الحكم ليطمئنهم على خطتهم في بناء السد.
لقاء مرسي
سخرت أذرع الثورة المضادة التي كان يوجهها عبد الفتاح السيسي نفسه من لقاء الرئيس مرسي بالقادة السياسيين من مختلف الاتجاهات، والحقيقة أن ذاك الاجتماع كان تعبيرا عن وحدة الموقف الوطني المصري في هذه القضية وقد وصلت الرسالة إلى الإثيوبيين، كما وصلت إلى دول العالم التي امتنعت عن تمويل السد تجنبا لغضب مصر، وما كان لإثيوبيا أن تستمر في البناء حال عدم قدرتها على الحصول على تمويلات دولية.
يسأل أنصار السيسي الأن ما العمل؟! ويحاولون القفز على جريمة زعيمهم التي أوصلت مصر إلى هذا الكابوس المرعب، وجردتها من أي أوراق ضد إثيوبيا، والرد ببساطة"اللي شبكنا يخلصنا" و"اللي حضر عفريت يصرفه"، وإذا كان السيسي نفسه أعجز من أي حل فإن المؤسسة العسكرية هي التي ابتلت المصريين بهذا السيسي، وهي بذلك مسؤولة عن هذه الجريمة، وعليها أن تنقذ مصر من هذه الكارثة التي أوقعتها فيها، وطريق الإنقاذ ليس بتوجيه ضربة عسكرية لها حساباتها المعقدة، ولكن بإزاحة الشخص الذي تسبب في الكارثة وإخلاء الساحة لمن يستطيع توحيد الشعب وكل قواه الوطنية دون إقصاء او تهميش، خلف هذه القضية وغيرها من القضايا الكبرى التي تؤلم الوطن والمواطنين مثل مصيبة الديون الخارجية، ومصيبة الإرهاب الذي ينهش في جسد مصر دون رادع.
إن وجود القيادة الوطنية الجامعة أصبح أمرا ملحا لإنقاذ الموقف، لأن وجودها سيبعث برسالة قوية للحكومة الإثيوبية وداعميها تحملهم على تجنب الإضرار بمصر والمصريين عبر الاستجابة للمطلب المصري بمد فترة ملء السد لعشر سنوات وليس عامين أو ثلاثة فقط، وبدون وجود هذه القيادة فلا أمل في أي حل، فمن صنع المشكلة لا يمكن أن يكون جزءا من الحل.
أضف تعليقك