أطلقت تركيا عملية عسكرية بالاشتراك مع حلفائها من الجيش السوري أسمتها "نبع السلام" لتحقيق هدفين أساسيين الأول: تأمين الحدود التركية بعد أن سيطرت داعش وتنظيمات إرهابية كردية على بعض البلدات على الشريط الحدودي بين تركيا وسوريا، وكانت تحظى بدعم من قوى الصهيونية العالمية عربا وعجما، بغية غرس خنجر جديد في خاصرة المنطقة على غرار ما حدث في فلسطين.
ثانيا: إقامة منطقة آمنة على التراب السوري تضمن حياة كريمة للفارين من جحيم الحرب العالمية المستعرة من بضع سنين.
ومع انطلاق عملية نبع السلام تركزت أنظار العالم أجمع على سوريا ولم يزاحمها خبر ولا حدث، على كثرة الأحداث والكوارث التي لا تتوقف، وفجأة تذكر الرؤساء العرب السيادة السورية وحقوق الأكراد المسلمين!
صرف الناس عن حديث الفضائح
وبدت الفرصة سانحة لتصفية الحسابات مع تركيا، والشغب على الغريم أردوغان.
وكانت المبادرة من السيسي الذي وجد زيادة على ما سبق أن يصرف الناس عن الحديث عن فضائح البذخ والسرف في بناء المنتجعات والقصور التي لم يجد بدا من الاعتراف بها، وأصبح بعدها في أخزى مقاماته، وأضعف حالاته.
ثم جاءت كارثة الإعلان عن فشل مفاوضات سد النهضة مع إثيوبيا، وإعلان رئيس الحكومة المصرية دخول البلاد في مرحلة الشح المائي.
وتابعه محمد بن سلمان الذي لم يكن أسعد حالا من قرينه، حيث لازال شبح قتل الصحفي جمال خاشقجي يؤرقه، وضربات الحوثي تؤلمه وتوجعه، مما جعله يدعو المجتمع الدولي لحماية أرامكو كبرى منشآت النفط في العالم والتي باتت تُضرب من كل مكان!
فوجدوا أن أفضل وسيلة للهرب من ذلك كله دعوة الجامعة العربية للانعقاد لرفض تدخل تركيا في الشأن السوري، وكأن الاحتلال الروسي بات أمرا واقعا لا ينبغي مناقشته، وكذلك الحشد الشيعي الذي دعا الروافض من لبنان إلى أفغانستان للقتال تحت راية إيران لحماية مراقد الأئمة، وقتال بقايا الأمويين لا يستحق التعليق!
كذلك لم ينبض لهم عرق، أو تنبس لهم شفة، وطيران الصهاينة يمرح في سماء سوريا، ويقصف أهدافه على الأرض!!
المكر الخبيث:
كل التشكيلات والعصابات الداعشية والرافضية والتنظيمات العنصرية والانفصالية لا تؤرق جامعة الدول العربية، وإنما انتفضت فقط لتدخل تركيا التي استضافت على أرضها أكثر من أربعة ملايين سوري، وعندما تهيأت لها الظروف لتمكينهم من العودة إلى أرضهم نهشها الضباع، وناورها الثعالب
الذين كانوا يمنعون المقيم السوري في مغتصباتهم العربية من استقدام أهله للزيارة، وأغلقوا الحدود في وجوه النازحين من حمم الموت، والفارين من البراميل المتفجرة، ولا يستحون من ترداد أن تركيا تتاجر بالسوريين! حسنا ليتك تستقبلهم وتؤمنهم وحلال عليك المتاجرة والمفاخرة.....
لكن ذهبت الغشاوة عن عين الأعشى، وأسفر صبح الأعمى عندما دخل بنيامين نتانياهو على الخط، وانضم إلى حلف مصر والسعودية في التنديد بعملية تركيا العسكرية، ودعا لإغاثة الشعب الكردي الباسل!
وهنا يكمن المكر الخبيث، وتظهر دعايات بني قريظة في الحديث عن الشعب الكردي المسلم الذي يشفق عليه نتنياهو وصبيانه من حرب تركيا التي لا تعرف الرحمة ولا الإنسانية!
وتصوير الأمر على أنه حرب عرقية تركية كردية مع أن ثأر الصهيوني مع أحفاد الكردي صلاح الدين الذي حرر القدس والأقصى يُظهر أنه يدافع عن ربائبه من الخونة الموجودين في كل جنس، والشعب الكردي منهم براء، لأن عملية نبع السلام ليست موجهة ضد الأكراد وإلا لقلنا إن الحرب على داعش موجهة ضد العرب السنة! وإنما هدفها حزب العمال الكردستاني صاحب النزعة الانفصالية والعقيدة الماركسية المعروف ب (pkk) وفرعه السوري الذي تكون في الحسكة والقامشلي تحت عنوان: حزب الاتحاد الديمقراطي (pyd)
الصوت الكردي
وقد لفت نظري عند زياراتي للمحافظات ذات الأغلبية التركية مثل ديار بكر، أو بطمان، التي كلها أكراد، أن المسلمين الأكراد هم الذين طهروا محافظاتهم من أتباع أوجلان وخلايا حزب العمال، ويقولون نحن لا يجمعنا معهم فكر ولا معتقد.
وكان الصوت الكردي هو المرجِح لكفة الرئيس أردوغان في التعديلات الدستورية كما أظهرت نتائج التصويت.
ومما يغيظ العدو، ويسعد الصديق أن تركيا أصبحت رقما صعبا في المعادلة الدولية يصعب تجاوزها، وأن رئيسها يملك من المهارة السياسية ما يجعله قادرا على تحقيق أهدافه وسط تلاطم أمواج السياسة العالمية، والاستفادة من تناقضاتها؟ واستثمار تحالفاتها، وهذا ما يقلق قوى الاستكبار العالمية التي نجحت في حرب العثمانيين بعملائها البائسين، وها هي تعيد الكرة مع الجيل الجديد الذي دخل المعركة رغبا ورهبا لأنهم يدركون أنهم مجرد موظفين
أضف تعليقك