بقلم.. سليم عزوز
إلى الآن يتصرف عبد الفتاح السيسي في ملف سد النهضة باعتباره متواطئا، وليس كونه مسؤولاً دوره الحفاظ على حقوق مصر التاريخية من مياه النيل!
ومنذ أن أعلن وزير الري المصري فشل المفاوضات، لم يقم السيسي بخطوة سوى في اتجاه تمييع القضية. فبعد أن أثار الموضوع في خطاب أممي، بما فهم منه أنه يعمل على تدويل القضية، بدا فؤاده فارغاً ولم يجد ما يقدمه إلا قوله إنه سيلتقي برئيس وزراء إثيوبيا في روسيا. ومعلوم أن التدويل له أصوله، وهو لم يلتزم بها وليس في نيته التدويل، أو التعامل بجدية مع الأزمة.
وكعادة العسكر في الحكم، فإنهم يبحثون عن شماعة لتعليق فشلهم عليها. فكل المشاكل قبله، كان يتم إحالة السبب فيها إلى هزيمة حزيران/ يونيو 1967، ولم ينتبه الحكم العسكري إلى أن نصراً تحقق بعد ذلك بست سنوات كان من المفروض أن يزيل آثار العدوان، فلا تصبح الهزيمة مستمرة، وإن كانوا عندما يتذكرون هذا فإنهم يرجعون الفشل الاقتصادي إلى سنوات الحرب، وكأنها لم تكن في الأولى سوى ست ساعات وفي الثانية ستة أيام!
دور المشيرة:
لقد وجد عبد الفتاح السيسي في ثورة يناير شماعة، وهو دائم التحرش بها وتعليق كل فشله عليها. فهي السبب وراء بناء سد النهضة، ولولاها لكان بإمكان مصر أن تكون في وضع تفاوضي أفضل، وكأن الثورة هي التي كانت تدير البلاد، وكأن مبارك لم يترك الحكم للمجلس العسكري، الذي كان عبد الفتاح عضواً فاعلاً فيه. واللافت أنه في نفس الجلسة التي تحرش فيها بثورة يناير، فقد أشاد بدور المشير محمد حسين طنطاوي في إدارة البلاد في ظل التحديات التي كانت تواجهها! فكيف ينسب له أي نجاح، وقد حدث في عهده بناء السد ولم يستطع وقفه، فلم يكن يمثل قيمة لدى الإثيوبيين ليعملوا له حساباً، وهم يقدمون على هذه الخطوة؟!
بيد أنها كلمة هو قائلها، وهي تشبه تماماً الادعاء بأن حركة حماس وحزب الله والحرس الثوري الإيراني؛ استغلوا سقوط الشرطة في ليلة 28 كانون الثاني/ يناير 2011، وقاموا بواسطة سيارات الدفع الرباعي باجتياح الحدود المصرية ليفتحوا السجون ويثيروا الفوضى!
وإذا كانت الشرطة قد سقطت في هذه الليلة في القاهرة، فكيف سقطت في سيناء وهي التي لم تواجه بثورة، ولم يعترض طريقها الثوار؟ وإذا كانت الشرطة قد سقطت فهل سقطت القوات المسلحة؟ وسيناء ملف الجيش والمخابرات العامة بالأساس، وحماية الحدود من اختصاص الجيش، وليس دور الشرطة التي سقطت في ليلة جمعة الغضب!
لقد استمرت سيناء ملفا بيد الجيش بعد الثورة وفي عهد الرئيس محمد مرسي، وقد كانت اللقاءات مع أهالي سيناء يجريها عبد الفتاح السيسي بصفته وزير الدفاع. ولم يعد سراً أن المخابرات الحربية طلبت من الرئيس محمد مرسي أن يكون ملف سد النهضة قبضتها، كطلب من وزير الدفاع، وبدون تدخل من أجهزة أخرى، أو حتى من رئاسة الجمهورية أو وزارة الداخلية، على النحو الذي نشرته جريدة "الوطن"، وثيقة الصلة بالشؤون المعنوية بالوزارة، في عددها الصادر بتاريخ 30 أيار/ مايو 2013، بحجة أنها تملك معلومات دقيقة عن الوضع هناك، وعن والعناصر المخابراتية المنتشرة والشركات المدعومة من أجهزة ودول تتحرك في إثيوبيا، وهو ما نسبته الصحيفة في الخبر المنشور تحت اسم "محررو الوطن"، إلى من أطلقت عليه "المصدر السيادي المسؤول". ومن يعمل في الصحافة يعلم أنه لا يمكن لوسيلة إعلام أن تنشر كلاماً عن الجيش أو أحد أجهزته شيئاً، ما لم يكن هذا بموافقة أعلى سلطة فيه!
والمعنى، أنه حتى في عهد الرئيس محمد مرسي، فإن ملف سد النهضة كان يدار من قبل الجيش، وبالتحديد من قبل المخابرات الحربية. فعندما تنسب الأزمة لمرحلة الثورة، فإن هذا يكون من باب الهروب من المسؤولية!
القانون لا يحمي المغفلين:
هذا فضلاً عن أن بناء السد كفكرة بدأ في سنة 2009، وليس في عهد الثورة، وكان مجرد كلام، حيث تم تخصيص الأرض، لكن لم توضع فيه طوبة واحدة إلا في عهد عبد الفتاح السيسي، فماذا فعل؟!
لقد طلب من أهل الاختصاص السكوت، وألا يتحدثوا في ما لا يفهمون فيه، وأن يتركوا له المهمة وقد وقع على اتفاق المبادئ. ونُقلت صورته وهو سعيد، بل وأكثر سعادة من الرئيس السوداني الذي لن تضار بلاده من بناء السد؛ لأن السودان لا تنقصه المياه، ولا يعتمد على النيل الأزرق وحده في تدبير احتياجاته، كما كان أكثر سعادة من رئيس وزراء إثيوبيا الذي بدا في دهشة من هذه السعادة التي سيطرت على عبد الفتاح السيسي!
التوقيع على اتفاق المبادئ، يعني موافقة مصر كتابة على بناء سد النهضة، فما هو الثمن مقابل هذا؟
المفروض أن يتضمن الاتفاق شرط الحفاظ على حصة مصر من مياه النيل، والاتفاق على سعة السد ومواصفاته وسنوات الملء، لكن السيسي منح الموافقة واحتفل. ولأن القانون لا يحمي المغفلين ومن في حكمهم، فقد كان من حق إثيوبيا ألا تقبل الدنية في أمرها. فقد شرعت بالفعل في بناء السد، بموجب هذه الموافقة، والتي استخدمتها في طلب التمويل من دول وجهات دولية، وعند كل فشل للمفاوضات يعلن الإعلام الحرب على قطر لأنها تمول السد، فلما نُشرت أسماء الجهات التي مولته، ومن بينها الإمارات، وليست قطر، سكتوا!
وسواء قامت قطر أو الإمارات بتمويل بناء السد، فإنه لا تثريب على من يقوم بالتمويل، فأساس المصائب هو من أعطى موافقة مصر كتابة على بناء السد وبدون قيد أو شرط، وباتفاق وصفه الدكتور أحمد المفتي، خبير السدود، بأنه لا يضمن لمصر أو للسودان قطرة مياه واحدة!
لا بأس، فقد اندفع السيسي "قليل الخبرة" في السياسة والحكم والتفاوض، وأعطى موافقة مصر على بناء السد، وهو يظن أنه فيلسوف المرحلة، وفلتة الجيل، و"أبو العريف. فما هو المبرر لتمسكه بالاتفاق، وقد تبين الرشد من الغي، وعلم الجنين في بطن أمه أنه عمل غير صالح؟!
بإمكان مصر أن تلغي هذا الاتفاق، أمس واليوم، عن طريق البرلمان الذي من سلطته أن يوافق على المعاهدات الدولية، وفي حال رفضه تلجأ مصر للتحكيم الدولي فيتم وقف البناء إلى حين الفصل في الدعوى، إذا كان نسف السد خيارا مستبعداً، مع أننا نعيش في حماية خير أجناد الأرض!
لقد قال وزير الري السوداني في حكومة عمر البشير؛ إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قدم خلال توقيع اتفاقية إعلان المبادئ تنازلات غير متوقعة، مما أثار استغراب ودهشة اللجنة السودانية. وقال إن رجال أعمال إسرائيليين ورؤساء شركة زراعية عاملين في إثيوبيا ضغطوا على عبد الفتاح السيسي، بمساعدة مسؤولين إسرائيليين، لقبوله بتقديم تنازلات في مفاوضات سد النهضة.
وبحسب وزير الري السوداني السابق، فإن هذه الشركة الإسرائيلية تعمل في مجال الزراعة بمحافظة أمهرة، وهي نفس المحافظة التي يتم بناء السد فيها، وهي شركة لها جانب آخر، وهو العمل في مجال المساعدات الإنسانية، فضلاً عن أن إسرائيل دشنت مشروعا زراعيا كبيرا في إثيوبيا في عام 2009 كمرحلة أولى يتم فيها زرع آلاف الأفدنة من الأفوكادو. والمشروع سيعتمد في مرحلته الثانية بشكل كبير على ماء وكهرباء السد نفسه.
فإسرائيل هناك.. ومن هنا كان التفريط، فليست هي ثورة يناير التي كشفت ظهرها وعرت كتفها، ولكنه حكم العسكر.
أضف تعليقك