بقلم..وائل قنديل
مع التسليم بأن توحش سلطة عبد الفتاح السيسي على النساء هو أحد جوانب وتجليات القمع المجنون الذي تمارسه هذه السلطة ضد المصريين عمومًا، إلا أن الواقع ينطق بأن الانتهاكات بحق المرأة المصرية تبدو وكأنها مسلك منهجي، المقصود منه مزيد من الترويع الموجه إلى المجتمع، لقتل أي تفكير في الاعتراض والاحتجاج.
يتزايد امتهان كرامة المرأة مع تفاقم حالة الاستبداد السياسي، إذ يتأسس الطغيان عادةً على توجيه أشد الضربات وأعنفها للفئات الأضعف في المجتمع، بهدف بث الرعب في المكونات الاجتماعية الأقل ضعفًا، كما هو حاصل في الحالتين المصرية، مع السيسي، والسورية، مع بشار الأسد، إذ تجد المرأة نفسها مجسّمًا يستعرض عليه المستبد قوته ويختبر توحشه البذيء، ويكتب رسائل الرعب إلى من يفكّر في المقاومة.
روايات التعذيب الجسدي والنفسي الواقع على النساء في سجون الطغيان في مصر وسورية وثقت أشد أنواع الانحطاط الإنساني في التعامل مع المرأة، والذي تؤكّد الوقائع أنه ليس اجتهادات شخصية من أفراد أمنٍ ساديين، بل هو تعبير عن سياسات نظام حاكم، يمعن في قتل الروح، من خلال انتهاك الجسد، قاصدًا استئصال كل غدد الغضب والاحتجاج لدى كل رافضي الظلم والقهر.
في هذه الحالة، لا يمكن النظر إلى سفالات المؤسسة الأمنية ضد المصريات، مثل المحامية عضو المجلس القومي (السابق) لحقوق الإنسان، هدى عبد المنعم، وعلا القرضاوي، وعائشة خيرت الشاطر، وماهينور المصري، وسمية ماهر، والصحافية آية علاء، وأخيرا إسراء عبد الفتاح، وغيرهن عشرات، بل مئات، لا يمكن النظر إلى البطش المنحط بهن باعتباره سلوكًا فرديًا، أو تعبيرًا عن تراثٍ مخجلٍ من الثقافة الأمنية، بل هو ترجمةٌ حرفيةٌ لعقيدة النظام الخاصة بالمرأة، على وجه الخصوص، والمجتمع بشكل عام.
عشرات من الروايات الموثقة منشورة عن تعذيب المعتقلين من الرجال، بانتهاك كرامة وقهر آدمية زوجاتهم أو بناتهم وأخواتهم، سواء بالتلويح أو بالتنفيذ، بغية انتزاع اعترافاتٍ بجرائم لم يرتكبوها، وفي الوقت ذاته، التشديد على مضمون الرسالة الموجهة إلى الجميع إن لا سقف للتوحش، بوصفه عقيدة راسخة لدى النظام من رأسه حتى أصغر جندي ينفذ الأوامر والتعليمات.
كل هذا الانحطاط في التوحش ضد النساء يُمارس بعلم عبد الفتاح السيسي وموافقته شخصيًا، في إطار سياسة الصدمة والترويع التي يحكم بها مصر، حتى وإن أظهر تعاطفًا اصطناعيًا مبتذلًا، وودًا مصبوغًا بأقبح مساحيق التمثيل الركيك، تجاه المرأة في مواقف جرى تصويرها بمهارةٍ تلفزيونيةٍ فائقةٍ للزعيم، وهو يحنو على النساء، كما بدا في العام 2014 وهو يصطحب وزير دفاعه ورئيس أركانه، اللذين تم العصف بهما لاحقًا، لزيارة سيدةٍ وقعت ضحية تحرّش جماعي في أثناء الاحتفال بذكرى اغتصابه السلطة، وهو يردّد بأداء سينمائي ركيك "أنا آسف احنا مش كويسين، احنا وحشين قوي"، ثم يعلن"وأقول لكل ضابط صغير لا يمكن أن يحدث هذا في مصر أو يستمر.. أتحدث إلى كل مصر، وأقول للقضاء عرضنا ينتهك في الشوارع، وهذا لا يجوز، حتى لو كان حالة واحدة. وأقول للإعلام هناك مسؤولية علينا وعلى الجميع، الإعلام والشرطة والقضاء ولكل رجل عنده نخوة وشهامة أقول له عيب عليك أن تترك هذه الحالة تحدث، أو تتكرّر مرة أخرى".
والحاصل أن هذه الحالة تكرّرت، لكنها انتقلت من الشارع إلى منهج ثابت في غرف التحقيق والاحتجاز ومقار الاعتقال، وباتت آلية مستمرة لتأمين عرش الطاغية الحنون، ووسيلة للصعود والترقي إلى المناصب الأعلى.
هذه الركاكة في التمثيل تكرّرت حين استقبل السيسي في قصره الفتاة الأيزيدية التي تعرضت للاغتصاب من الدواعش، والتي جاءت إلى القاهرة، لتجميل وجه نظام أقبح في ممارساته من الدواعش، ليجلس عبد الفتاح السيسي أمامها ملطخاً بكل مساحيق الادّعاء والتمثيل الركيك، بينما خارج القصر الرئاسي، كانت عشرات من العائلات المصرية لا تستطيع الحصول على تصريح زيارة بناتها، المحبوسات والمعتقلات، واللاتي تعرّضن لانتهاكاتٍ لا تقل بشاعةً عما حدث للفتاة الأيزيدية التي دار بها نظام السيسي على جميع الفضائيات والصحف، كي تردّد نشيداً وحيداً في روعة وعظمة الجنرال الذي استقبلها في قصره، بإنسانيته الفياضة. في واحدةٍ من أسوأ صور دعايات التجارة بالألم، العابرة للحدود.
الآن، تأتي مشاهد استيقاف السيدات في شوارع السيسي، وتفتيش هواتفهن المحمولة، وسحل وانتهاك من ترفض، لتؤكّد أن هذا النظام هبط إلى حضيضٍ حضاري، لا مثيل له في تاريخ الطغيان، إذ باتت هذه الممارسات طقسًا اعتياديًا يدور بعلم الجالس في السلطة ورضاه. ولعل هذا من أهم الأسباب التي غيرت مفهوم الثورات العربية من المطالبة بإسقاط النظام، في كل بلد، ومعه، وربما قبله، نظام عبد الفتاح السيسي، الذي بات عنوانًا لما لا يجب أن تكون عليه الأوطان.
أضف تعليقك