بقلم.. عبد الرحمن يوسف
المتحدث باسم رئاسة مجلس الوزراء في النظام المصري يقول تعليقا على فضيحة غرق البلاد في مياه الأمطار "العادية" كما يحدث كل عام: "ليس معقولا أن ننفق كل هذه النفقات من أجل عمل البنية الأساسية لصرف الأمطار من أجل أن تستخدم ليوم أو يومين في العام"!
صدق أو لا تصدق.. لقد قالها!
هذا الجاهل جدير بموقعه، لأنه يعبر عن مجلس وزراء الجهل العسكري الذي يحكم مصر اليوم.
هذا الجاهل لسان الجهلاء، يقول لنا إن شبكة صرف الأمطار أمر تكلفته مرتفعة، ولكنه لا يقول لنا عدم إنشاء هذه الشبكة كم يكلف!
كم يكلف من الأموال؟ ومن الأرواح؟ ومن الخسائر المعنوية التي لا تقدر بثمن.. كم موقعا أثريا تلف ويتلف وسيتلف بسبب الأمطار؟ كم مقبرة؟ كم مكتبة؟
هذه البلاد أمانة الله في أيدينا، وهبة التاريخ للإنسانية.. بينما ينظر لها هؤلاء الجهلة على أنها مجرد "محفظة استثمارية".. بل أقل من ذلك.. ينظرون لها على أنها مجموعة غنائم سلبوها من قافلة في الطريق!
إنهم مجموعة من قطاع الطرق الذين لا يتحلون حتى بأخلاق السراق واللصوص.
* * *
لا أحد يحب أن يشوّه سمعة مصر، ولكن الزمن الذي نعيش فيه ينقل كل شيء يحدث مهما كان صغيرا إلى العالم كله.. ومصر بلد مهم.. حتى لو حكمه سفهاء صغار.. سيظل بلدا مهما.. وبالتالي سيتناقل العالم مشاهد غرق الشوارع في مصر مهما تم ابتزاز المصريين باسم الوطنية والحفاظ على سمعة البلد.
نحن في عصر يحمل فيه غالبية البشر كاميرات ذات جودة عالية في أيديهم، وهم يصورون كل شيء تافه قبل المهم، آناء الليل وأطراف النهار، لذلك من الأفضل لأي بلد يريد أن يحافظ على صورته جميلة.. أن تكون صورته جميلة بالفعل!
* * *
من يتأمل حال الوطن العربي اليوم سيجد أن غالبية الشعوب العربية مع الثورة، ومع الربيع العربي، بل إن الغالبية العظمى من الشعوب العربية تعتبر شعوبا ثائرة، منخرطة في الفعل الثوريبشكل عملي!
عدد سكان الوطن العربي حوالي 360 مليون نسمة، وعدد الدول التي دخلت ضمن حراك الربيع العربي أقل من عشرة دول، ولكنك إذا جمعت عدد سكان هذه الدول ستجد أنه يتجاوز الثلاثمئة مليون نسمة، أي أكثر من ثلاثة أرباع سكان الوطن العربي!
كل ذلك دون احتساب فلسطين، والبحرين، والمغرب!
أي أن الغالبية العظمى من سكان هذه المنطقة المنكوبة بحكامها ضد هؤلاء الحكام العملاء، ويتوقون للخروج من ظلام الاستبداد إلى نور الحرية، وهم في سبيل ذلك تحركوا بالفعل وبذلوا مئات الآلاف من القتلى والجرحى والمعتقلين والمشردين والمنفيين.
فبأي منطق يتطاول على الأمة العربية بعض قصيري النظر ليصفوها بصفات عنصرية كالذل والخنوع مع تعميمات غير منطقية، بل غير أخلاقية؟!
إن المستقبل في هذه المنطقة لكل صاحب عين مبصرة سيكون للتغيير، وسيكون هذا التغيير تغييرا إقليميا له انعكاسات كبيرة على العالم كله، وسوف يقاومه جزء كبير من العالم على رأسه إسرائيل، ومن الأفضل لنا أن نعد العدة لهذا التغيير، وأن تبدأ القوى الثورية بالتخطيط، وبتدريب الشباب على المهمات العظيمة التي سوف يتولونها قريبا.
* * *
ما يحدث في لبنان من ثورة على كل مسلمات المجتمع الاجتماعية والسياسية ليس سوى فصل من فصول رحلة التغيير في الوطن العربي، وهو فصل مجيد، يتحرك فيه ملايين الشرفاء من أجل تحقيق العدل والحرية، وهم يثورون "على أنفسهم" أولا!
هذا النظام الطائفي تعبير عن أمور مستقرة داخل اللبنانيين أنفسهم، وهم حين ينزلون إلى الشوارع اليوم في هذا المشهد المهيب يعبرون عن أفضل وأجمل وأكمل ما يمكن أن يفعله أي إنسان، أي أن يراجع نفسه، وأن يثور على ذاته، وأن يستخرج من أعماقه أجمل ما فيه.
والتعليقات التي تغرق في ملاحظة الحسناوات، ومظاهر الرفاهية التي تتميز بها التظاهرات؛ تعليقات لا يمكن وصفها إلا بأنها تعليقات شديدة السطحية، تصل أحيانا إلى حدود العنصرية والازدراء للآخرين.
لبنان يقدم درسا لنفسه، ودرسا للعرب، ودرسا للعالم كله.. خلاصته أن الأمم تتعلم، وحين تتعلم تتقدم.. وحين تقرر التقدم لا يقف أمامها قوة في الأرض.
رحلة اللبنانيين لا شك صعبة، فالطائفية مترسخة في كل شيء، ولكن هذا الشعب العظيم قادر على أن يبدأ رحلته الطويلة التي تصل في النهاية إلى دولة مدنية قائمة على المواطنة لا المحاصصة، وعلى العدل لا على القتل.
أضف تعليقك