• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

بقلم: عامر شماخ

يُعرَّف “الإسلامى” بأنه: من يتبنى منهج الإسلام ويدعو إليه بين الأفراد والجماعات، ويدافع عنه أمام منتقديه من أصحاب المناهج الأرضية والمذاهب الوضعية فى الساحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وهذا المصطلح صار بحاجة ملحّة إلى إعادة تحرير-كما يقول الباحثون- بعد التحولات السياسية والدعوية الكبيرة وغير المتوقعة التى وقعت منذ عام 2013، وبعد انتكاس أفراد وأحزاب وجماعات، كانوا بالأمس فى نظر الناس شيئًا، وصاروا اليوم شيئًا آخر.

كان هناك دعاة ملء السمع والبصر، يتبعهم الآلاف، بل ربما الملايين، يقتدون بهم ويستنون بسننهم، ثم وقعت الأحداث متسارعة فظهرت حقيقتهم، وعلمت الجماهير أنهم “تجار دين”، “صناعة جهات سيادية” فُتحت لهم مغاليق الدعاية وقنوات الإعلام حتى حازوا “التلميع” الكافى لوضعهم فى مقاعد “قادة الرأى!” و”أهل الحل والعقد!”؛ كل هذا لأجل الحفاظ على “مملكة العسكر”، وحماية المستبد، فى مقابل منافعهم الشخصية من المال والشهرة والمنصب، على طريقة “شيلنى وأشيلك”!

هل نسيتم ذلك الداعية (العصرى!)، الذى جذب الشباب بطريقته التمثيلية البارعة، وقد التفوا حوله، رغم قلة بضاعته فى العلم؛ لتعطشهم إلى الدين والأخلاق، ولأنهم وجدوا فيه صورة الإسلام الحركى، البعيد عن الجمود الموروث… ثم جاءت الأحداث ليكتشفوا دجله، وتكسُّبَه بالدعوة، وأن هذه التجارة الحرام هى التى قادته إلى تبرير القتل، والانحياز إلى العسكر، ثم آلت به الأمور مؤخرًا إلى أن يمثل إعلانًا للدعاية لبعض أنواع “الفراخ”!

وعلى الشاكلة نفسها ذلك الداعية طليق اللسان، فصيح العبارة، ذو الغترة البيضاء واللحية الكثة، الباكى فى خطبه ومحاضراته، الحالف بـ”رب الكعبة”، الحائز على أكبر عدد من الأتباع (الطيبين) الذين كانوا يقطعون المسافات ويتحمّلون المشاق لحضور دروسه، معتبرين إياه الشيخ والأستاذ والطريقة.. ثم يكتشفون عقب الانقلاب أنه يقول ما لا يفعل، ويؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض، وأنه أحد جنود القتلة المستبدين، فى مقابل رعاية مصالحه من زوجات أربع، وفلل وعقارات، وصحف وقنوات، وأطيان وسيارات “هامر” إلخ.

وهناك من أطلقوا عليه زورًا “أعلم أهل الأرض!”.. وهناك وهناك غيرهم الكثير من الأمثلة الفاضحة، لعل أقبحهم (عناصر) تلك الدعوة التى فى الإسكندرية، وحزبها الذى يضم أصحاب اللحى الطويلة والجلابيب القصيرة والكروش البارزة، وهؤلاء بايعوا الشيطان، ووالوا الظالمين وسارعوا فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة، فصغروا فى نظرهم؛ فلا يزالون يطالبونهم بالتفريط حتى لم يبق إلا أن ينكروا المعلوم من الدين بالضرورة.

هل يجوز بعد كل هذا إطلاق لقب “إسلامى” على هؤلاء الأفراد وتلك الجماعات والأحزاب؟ وهل يكفى “الهدى الظاهر” أو”اللسان البليغ” أو”القلم الرشيق” ليُحسبوا ضمن جماعة “الإسلاميين”؟ أم أن هناك رأيًا آخر؟

فى الحقيقة لا يجوز أن يُحسب هؤلاء على (التيار الإسلامى) بالمرة؛ لأنهم لم يخطئوا خطأ هينًا يُغفر لهم، بل لأنهم مخادعون، فى قلوبهم مرض، مفسدون فى الأرض، صناعة أنظمة مجرمة، يُخشى منهم على المسلمين؛ ذلك أن أقوالهم أقوال الملائكة وأفعالهم أفعال الشياطين.

ثم ما الفرق بين هؤلاء وبين عبد الله بن أبى؟ ابن أبى كان يبحث عن مصالحه؛ ولأجل هذا تستر بالدين، ورفع راية التوحيد وهو غير مخلص لها، ومع أول صدام مع هذه المصلحة ظهرت حقيقته. انظر إليه قبل واقعة “بنى قينقاع” ثم انظر إليه بعدها؛ كان -لعنه الله- يعقِّب على مواعظ النبى فى المسجد، يقول للمسلمين: اتبعوا هذا الرجل فإنه على الحق. ولم يزل هكذا حتى زحف النبى إلى حى اليهود الغادرين فأدخل يده فى جيب درعه، فغضب -صلى الله عليه وسلم- حتى رأوا لوجهه ظللًا، ليقول له: أحسنْ فى موالىَّ –أى بنى قينقاع وكان بينهم وبين الخزرج قومه حلف- أربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع تحصدهم فى غداة واحدة. فقال له النبى -صلى الله عليه وسلم-: هم لك.

وكانت هذه هى أول سقطة له، تبعتها سقطات أعظم رأينا مشاهدها المؤلمة فى (ماء المريسيع)، و(حادث الإفك)..

وما صدر عن هؤلاء عقب الانقلاب كان أول سقطاتهم، ولو طال بهم الأجل لأتوا غيرها، إلا أن يتوب الله عليهم.. وإن كانت الشواهد لتؤكد أنهم لا يزالون يتبعون أهواءهم، وقد أضلهم الله على علم؛ فمنهم من يصرُّ على الإخلاد إلى الأرض رافضًا رفعة الله وعزته؛ ومنهم من لا يختلفون عن تلك الطائفة من بنى إسرائيل الذين حُمِّلوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارًا..

لا يدرك هؤلاء أن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور، وأنه لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو السميع العليم، يظنون أن الإيمان باللباس والهيئة ومعسول الكلام، والحقيقة أن الله لا ينظر إلى الجسم أو الصورة أو اللسان ولكن ينظر إلى القلوب التى فى الصدور، ويظنون أن الله يُخدع بمقالتهم، وتناسوا أنه قال فى صنفهم (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ) [المنافقون: 4].

هؤلاء الناس يمكن أن تسميهم “دعاة مودرن!” أو”دعاة ليبراليين!” أو”علمانيين باللحى!” -إلا أن يُحسبوا على “الإسلاميين”، وإذا كانوا قد خدعوا الجماهير لفترة، وتآمروا ومكروا مكر السوء، فإنهم لن يستطيعوه فيما هو آت؛ لأن تلك الجماهير حنكتها التجربة، وألهمتها التفريق بين الحقيقى والزائف، والمخلص والمخادع، وعلمت أن “الإسلامى الحق” هو من لا يخالف قوله فعله، ولا يعطى الدنية فى دينه، ولا يوالى أعداء الدين وخصومه، ويثق فى موعود الله، ويصبر ويصابر، ويسدد ويقارب، شعاره الدائم (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 10].

أضف تعليقك