• الصلاة القادمة

    العصر 13:46

 
news Image
منذ ثانية واحدة

كثيرة هي المبادرات التي طرحتها أطراف مختلفة على مدار السنوات الست الماضية للخروج من الأزمة في مصر، لكن غالبية تلك المبادرات لم تكن تمتلك أدوات للتنفيذ باستثناء تلك التي طرحت أثناء اعتصام رابعة من المجموعة الدولية، وقادتها كاترين أشتون ممثلة السياسة الخارجية للاتحاد الأوربي وبمشاركة مساعد وزير الخارجية الأمريكي في ذلك الوقت وليام بيرنز، وبحضور وزيري الخارجية القطري والإماراتي، ثم مبادرة مجموعة حكماء أفريقيا، واللتين تعثرتا بدورهما بغض النظر عن أسباب ذلك.

وكان رفض نظام السيسي لمبادرة النائب أحمد طنطاوي، وإحالته إلى لجنة القيم لرفع الحصانة عنه، وإسقاط عضويته عقابا له على تلك المبادرة هو تأكيد جديد لرفض النظام عموما لأي مبادرة أو تسوية سياسية للأزمة، خاصة حين تأتي المبادرة من أطراف ضعيفة لا تمتك أوراق ضغط ضد هذا النظام.

تحت سقف النظام:
مبادرة طنطاوي – رغم إختلافي معها كونها "تشرعن" بقاء السيسي في السلطة، وتعمل تحت سقفه- لكنها كانت كاشفة عن بلوغ النظام حدا غير مسبوق من الفجر، دفع رئيس برلمانه للإعلان أن السيسي والجيش والشرطة والوطن والتعديلات الدستورية خط أحمر غير مسموح بانتقاد أي منهم، وذلك تعليقا على مبادرة النائب المنتمي لتكتل ما يسمى 25-30، والذي انطلق في مبادرته من تصريحات للسيسي نفسه يدعو فيها البرلمان للتصدي لأي شكوك حول السيسي أو سياساته، وعرض ما يصل إليه على الرأي العام.

ليس من الحكمة إذن طرح مبادرات على هذا النظام، ولا يبقى أمام مناهضيه الجادين سوى العمل الجدي للخلاص منه، والتحضير لما بعد الخلاص الذي قد يحدث في أي لحظة، نتيجة تصاعد الغضب الشعبي من ناحية، وانشغال الداعمين الأساسيين له بمشاكلهم الخاصة.

المبادرة المطلوبة الآن وعلى وجه السرعة من المعارضة الحقيقية للنظام هي إعداد مشروع مستقبلي يضع حلولا وتصورات لعشر مشكلات أساسية تسبب فيها هذا النظام الإنقلابي، وأصبحت تركة ثقيلة على من سيحكم مصر، لأن وضع تصورات مستقبلية لمواجهة هذه المشكلات سيكون حافزا للشعب للتحرك، وعدم الخوف من مصير مجهول تخيفه منه أذرع السيسي الإعلامية والسياسية.

أول تلك المشكلات هي تقديم تصور واضح لمشروع إنقاذ للاقتصاد المصري يضعه خبراء ومختصون في الشئون الاقتصادية المختلفة، ويقدم حلولا قابلة للتنفيذ، سواء عبر تنشيط السوق والاستثمار المحلي والأجنبي وتوفير فرص عمل، أو عبر وقف الهدر في الطاقات، والمواجهة الحاسمة للفساد

كارثة الديون
يرتبط بهذا المشروع الاقتصادي الواسع ضرورة تقديم تصور عملي لمواجهة كارثة الديون سواء الخارجية التي تجاوزت 106 مليارات دولار أو الداخلية التي تجاوزت 4 تريليونات جنيه.

ومن القضايا العاجلة التي ينبغي على المعارضة تقديم رؤية متكاملة بشأنها التعامل مع مشكلة سد النهضة وآثاره السلبية على حقوق مصر التاريخية من مياه النيل، واحتمالات تعرض الأراضي المصرية للبوار والتصحر بسبب نقص المياه.

يرتبط أيضا بمشكلة سد النهضة وحقوق مصر المائية، ضرورة تقديم تصور حول تنازل نظام السيسي عن جزيرتي تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية، كما يرتبط بذلك التنازل عن حقول غاز مصرية في البحر المتوسط، وكل الاتفاقيات الدولية الأخرى التي أبرمها النظام وتمثل ضررا بالغا بمصر.

من القضايا العاجلة أيضا التي تحتاج إلى رؤية واضحة الوضع في سيناء وإرهاب داعش (وغيرها من المجموعات الإرهابية في سيناء أو بقية المناطق)، ولا يصح هنا الاكتفاء ببيانات إدانة لعمليات القتل والتهجير التي تتم لأهل سيناء سواء على يد داعش أو نظام السيسي، بل يتطلب الأمر تقديم رؤية قصيرة وبعيدة المدى للتعامل مع ملف التنمية في سيناء، مع الأخذ في الاعتبار ضرورات الأمن القومي وليس أمن النظام الحاكم، كما ينبغي أن تشمل الرؤية الموقف من الإرهاب الدولي عموما وليس في مصر فقط..

الجيش هو الدولة
لقد فرض الحكم العسكري الحالي معادلة مقلوبة للعلاقات المدنية العسكرية، مفادها أن الجيش هو الدولة، وأنه وحده الجدير بحكمها، وبوضع السياسات الاقتصادية والعمرانية وتنفيذها، وبالتالي وضع الجيش يده بالفعل على غالبية مفاصل الاقتصاد، وسيكون تفكيك هذا الأمر مستقبلا أمرا شاقا لكنه ليس مستحيلا، ويقتضي ذلك وضع تصور موضوعي لعلاقات مدنية عسكرية مثالية، كما هو الحال في الدول المتقدمة، وإلى جانب التشوه في العلاقات المدنية العسكرية هناك تشوه في منظومة حكم القانون بشقيها القضاء والشرطة وهما يحتاجان أيضا إلى رؤية جديدة في ظل دولة مدنية ديمقراطية حديثة، كما أن هناك تشوهات تشريعية كثيرة أحدثها هذا النظام عبر برلمانه الذي اختارته المخابرات بعناية، ومن الواجب حصر كل التشريعات المشوهة والتي شرعنت القمع وحمت الفساد والاستبداد، وتقديم رؤى لتغييرها أو على الأقل حذف النصوص المشوهة منها في المستقبل.

ستحتاج مصر حتما إلى مرحلة انتقالية عقب اختفاء السيسي عن المشهد، وهذه المرحلة الانتقالية ستحتاج أيضا لرؤية لمعالجة قضاياها العاجلة وأهمها العدالة الانتقالية، وهناك الكثير من التجارب الدولية التي يمكن الاسترشاد بها في هذا الصدد، ويرتبط بهذه القضية أيضا حالة الانقسام المجتمعي التي فرضها نظام الانقلاب حتى يمكنه الاستمرار لأطول فترة، وهذا الانقسام الذي وصل إلى كل بيت في مصر تقريبا يحتاج أيضا إلى رؤية لمواجهته، ولإعادة اللحمة للمجتمع المصري مجددا حتى يستعيد عافيته.

قد يرى البعض أن طرح هذه الأمور المستقبلية هو قفز على الواقع، حيث إن الأولوية الآن هي التخلص من نظام السيسي، وبحث السبل المساعدة على ذلك، وهذا صحيح، لكن هذا الخلاص يحتاج إلى تحرك شعبي، والشعب لن يتحرك إلى مجهول، أو خلف قيادة لا تمتلك مشروعا واضحا للتعامل مع الأزمات، ولذلك فإن كسب ثقة الشعب يتطلب تقديم تصور مستقبلي مقنع له حول سبل التعامل مع القضايا الشائكة التي ذكرنا عشرا منها، وقد يكون هناك مشاكل أخرى يلزمها رؤى مستقبلية أيضا.

دور المراكز البحثية
من حسن الحظ أن المعارضة المصرية تتوفر على خبراء ومختصين في كل المجالات السابقة، وإذا كانت هذه المعارضة غير قادرة على توحيد عملها تحت مظلة واحدة بسبب إرث الماضي القريب من الاستقطاب والشكوك المتبادلة، فإن الأفضل أن تتصدى لإنجاز هذه المهمة كيانات غير حزبية بشكل مباشر، وهنا يأتي دور المراكز البحثية، حيث تتوفر للمعارضة عدة مراكز مثل المعهد المصري للدراسات السياسية، وأكاديمية العلاقات الدولية، ومركز حريات للدراسات، ومركز المسار للدراسات، ومركز الدراسات الاقتصادية، كما أن هناك عددا لا بأس به من أساتذة العلوم السياسية المعارضين للنظام الحالي والذين يقيمون في الخارج أيضا ويمكنهم قيادة هذا الجهد بالتعاون مع المراكز البحثية السابقة، ولهم جميعا أن يستعينوا بعشرات الخبراء والمختصين في مختلف المجالات المذكورة، لوضع أوراق أولية في كل قضية، وعقد ورش عمل لإنضاجها، ثم عرضها جميعا في عمل واحد في مؤتمر وطني جامع تعلن فيه المعارضة رؤيتها الحالية والمستقبلية، وتكون بذلك صاحبة مبادرة وصاحبة فعل وليس رد فعل، وساعتها سيتغير الكثير من عناصر المشهد السياسي، وستكون فرصة الخلاص من هذا النظام أكثر واقعية، وأكثر قربا.

أضف تعليقك