• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

اتجه النظام العسكري في مصر إلى المزيد من الاقتراض الخارجي خلال الشهور الأولى لاستيلائه على السلطة، في تموز/ يوليو 2013، وخففت المعونات الخليجية السخية له خلال العام والنصف الأول لمجيئه؛ من معدلات اقتراضه الخارجي، لكن تراجع أسعار النفط من النصف الثاني من عام 2014، وتراجع المعونات الخليجية تبعا لذلك، دفعه لزيادة الاقتراض الخارجي لسداد فجوة التمويل.

وهكذا زادت وتيرة الاقتراض الخارجي منذ عام 2016 وحتى الآن، حتى بلغت أرصدته نحو 108.7 مليار دولار بنهاية حزيران/ يونيو من العام الحالي، وهي آخر بيانات رسمية معلنة لقيمة الدين، لحق بها مليارا دولار في شهر آب/ أغسطس، تمثل القسط الأخير من قرض صندوق النقد الدولي لمصر، ومليارا دولار قبل أيام تمثل طرح جديد لسندات دولارية ببورصة لكسمبورج.

وهكذا تصل قيمة الدين الخارجي حسب أقل التقديرات 113 مليار دولار، يتوقع زيادتها مع إعلان البيانات الرسمية نظرا لاستمرار الاقتراض في الشهور الأخيرة، وذلك مقابل 43 مليار دولار للدين الخارجي عند استيلاء النظام العسكري على السلطة منتصف عام 2013، أي بزيادة حوالي 70 مليار دولار كحد أدنى خلال أقل من ست سنوات ونصف، الأمر الذي زاد من قيمة تكلفة الدين الخارجي من أقساط وفوائد؛ إلى 13.4 مليار دولار في العام المالي الأخير (2018/2019) المنتهي بنهاية شهر حزيران/ يونيو الماضي، رغم تأجيل سداد أقساط كانت مستحقة السداد خلال العام المالي لبعض الدول الخليجية. وكانت تكلفة الدين الخارجي قد بلغت 13.3 مليار دولار في العام المالي السابق، مقابل 3.1 مليار دولار في العام المالي 2012/2013، السابق لاستيلاء الحكم العسكري على السلطة، والذي شهد تولي الرئيس محمد مرسى الرئاسة خلاله.

اقتراض متعدد النوعيات والمصادر

وتنوعت صور الاقتراض الخارجي للنظام المصري ما بين الاقتراض من دول نادي باريس وغيرها، ومن منظمات دولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ومن منظمات إقليمية مثل بنك الاستثمار الأوروبي وبنك التنمية الأفريقي، وفي صورة ودائع خارجية وديون قصيرة الأجل، وفي صورة سندات دولية يتم طرحها بالأسواق الدولية غالبيتها بالدولار وبعضها باليورو.

وبدأ النظام في طرح تلك السندات بالأسواق الخارجية الأوروبية أساسا، في حزيران/ يونيو عام 2015 بقيمة 1.5 مليار دولار، لتزيد قيمة السندات الدولية في العام التالي إلى أربعة مليارات دولار، وتواصل الارتفاع بعام 2017 إلى أكثر من سبعة مليارات دولار، وفي العام الماضي انخفضت إلى نحو ستة مليارات دولار. وجاء انخفاض القيمة تزامنا مع تلقي أقساط قرض صندوق النقد الدولي، ثم ارتفعت قيمة السندات الدولية المطروحة لأكثر من ثمانية مليارات دولار في العام الحالي رغم استمرار أقساط قرض الصندوق.

وتنوعت آجال السندات ما بين أربع وخمس وست وثماني وعشر سنوات و12 عاما، إلى ثلاثين عاما لنحو أربعة إصدارات، ومؤخرا إلى أربعين عاما. وبالطبع اختلفت الفائدة الثابتة على تلك الإصدارت للسندات حسب مدة الاستحقاق، حيث تزيد الفائدة كلما زادت الفترة، وهكذا تراوحت نسبة الفائدة من 4.55 في المئة للسندات البالغ مدتها أربع سنوات، إلى 8.7 في المئة لأحد إصدارات السندات البالغ مدتها 30 عاما.

وقبل أيام تم طرح سندات مدتها 40 عاما بفائدة 8.15 في المئة، بقيمة نصف مليار دولار، أي أن التكلفة السنوية لفائدة تلك السندات تبلغ 40.75 مليون دولار، وبما يعني بلوغ قيمة الفائدة عليها خلال عمر تلك السندات 1.630 مليار دولار، بخلاف أصل القيمة البالغ نصف مليار دولار، وبما يشير إلى أن النصف مليار دولار سيتم سدادها كأصل دين وفوائد بنحو 2.130 مليار دولار.

زيادة الفائدة وارتفاع المخاطر السياسية

وبما يشير إلى التكلفة العالية لإصدارها، ففي منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي كان معدل الفائدة على سندات الخزانة الأمريكية لمدة لعشر سنوات 1.84 في المئة، ولعشرين عاما 2.16 في المئة، ولثلاثين عاما 2.31 في المئة.

وعادة ما تُضاف لأسعار الفائدة السائدة بالأسواق العالمية، علاوة مخاطر سياسية للدولة المصدرة لتلك السندات. وهكذا يشير تخطي فائدة السندات المصرية لمدة أربعين عاما نسبة الثمانية في المئة كفائدة إلى ارتفاع المخاطر السياسية بها.

ونظرا لوجود أربعة إصدارات لسندات مصرية خارجية مدة كل منها ثلاثين عاما، يتم سداد فائدتها عقب إصدارها مباشرة، ثم سداد أصل القيمة بنهاية مدة السند، فهذا يعني الحاجة لسداد أصل قيمة سندات بنحو 2.5 مليار دولار عام 2047 لإصدارين، وبقيمة 1.5 مليار دولار عام 2048، وبقيمة 1.5 مليار دولار عام 2049، أي سداد 5.5 مليار دولار خلال ثلاث سنوات، بخلاف فوائد وأقساط النوعيات الأخرى من القروض للبلدان والمؤسسات الدولية، ثم سداد قيمة نصف مليار دولار عام 2059؛ قيمة السندات ذات الأربعين عاما.

وهكذا يمكن تصور القيمة الضخمة التي سيتم بها سداد قيمة سندات الثلاثين عاما الصادرة في أعوام 2017 و2018 و2019. فسندات الثلاثين عاما الصادرة عام 2017 على إصدارين بقيمة 2.5 مليار دولار، ستكون تكلفة فائدتها 6.140 مليار دولار، بخلاف أصل قيمة السندات.

وتسببت سندات الأربعين عاما الأخيرة في إطالة مدة سداد فوائد وأقساط الدين الخارجي المصري حتى عام 2059، وبما يُحمل الأجيال القادمة تبعات لا ذنب لهم فيها، ستؤثر بالتأكيد على المدفوعات بالنقد الأجنبي وقتها، إلى جانب حاجة الموازنة العامة لتدبير تلك القيمة حينذاك. ومع توقع تغير سعر الصرف المؤكد خلال تلك السنوات الطويلة، يمكن توقع مدى العبء الذي ستمثله قيمة السداد على الموازنة حينذاك، مع الأخذ في الاعتبار بلوغ تكلفة فوائد الدين الخارجي والداخلي بموازنة العام المالي الحالي (2019/2020)، حسب تقديرات وزارة المالية، 569 مليار جنيه، تمثل نسبة 36 في المئة من مصروفات الموازنة، وذلك بخلاف أقساط الدين الخارجي والداخلي البالغة 376 مليار جنيه في نفس العام المالي، لتصل تكلفة الدين من فوائد وأقساط 945 مليار جنيه، فما بالنا بتكلفة الدين بالموازنة بعد ثلاثين عاما!

واقترح بعض الخبراء حلا لمسألة خروج قيمة الفائدة وأصل الدين للسندات الدولارية المباعة في الخارج من أرصدة النقد الأجنبي المصري، بأن يكون طرح تلك السندات الدولارية على المصريين، سواء العاملين في الخارج أو الموجودين داخل البلاد، وبما يضمن عدم تسرب غالب مدفوعات الفوائد للخارج، خاصة وأن تدني عوائد الودائع بالعملات الأجنبية في البنوك المصرية حاليا؛ سيضمن بيع تلك السندات الدولارية ولو بفائدة أقل مما جرى مع طرحها في الخارج، حيث أشارت بيانات البنك المركزي المصري إلى بلوغ نسبة الفائدة على الودائع بالدولار لمدة ثلاثة أشهر؛ ما بين 1.85 في المئة كحد أدنى و2 في المئة كحد أقصى.

لكن المسؤولين المصريين يخشون من قيام المصريين ممن لديهم ودائع دولارية في البنوك؛ بتحويلها من الأوعية ذات العائد المنخفض إلى شراء السندات، بما يعني ضعفا في جلب موارد دولارية جديدة إلى البنوك من خارج الجهاز المصرفي، وهو ما يتحقق في حالة البيع للسندات خارج البلاد، لتظل الفجوة التمويلية بمصر دافعة للمزيد من الاقتراض بمختلف صوره، والتي منها إصدار سندات دولارية بنحو ثلاثة مليار دولار على الأقل خلال العام القادم، بخلاف سندات خضراء وعد وطرح سندات بالأسواق الآسيوية؛ لا نعرف حتى الآن كم ستكون مدتها، في ضوء توجه وزارة المالية المصرية لإطالة متوسط فترات الدين المصري، وهو ما سيكون على حساب الأجيال القادمة والموازنة المصرية لعقود قادمة.

أضف تعليقك