بقلم: سليم عزوز
بدا محمد علي وقد أفلس بعد فشل دعوته للتظاهر مع قلة المخاطرة.. فبعد نجاح دعوته الأولى، واعتقال أكثر من أربعة آلاف من المصريين، كرر الدعوة فحضرت قوات الأمن بكثافة فغاب المتظاهرون، فكانت دعوته لمظاهرات فوق أسطح المنازل، ومع هذا لم تحدث الاستجابة، فبدا كما لو كان قد انتهى!
ولم يكن إفلاسه على مستوى الفعل فقط، فقد بدا كما لو كان ليس لديه ما يقوله من معلومات جديدة، بعد ما كشفه عن القصور وهيمنة الجيش على قطاع المقاولات، وهى معلومات زلزلت أركان النظام، وأيقظت الوعى وزحزحت الشخص، وإن كنت أعتقد ان ما ذكر هو مجرد عناوين، لمتن لا يجد من يكتبه، والشيطان يكمن في التفاصيل، لكن المقابلات الصحفية لم تتطرق إليها، فهي مشغولة بالإجابة على سؤال: ماذا بعد؟
في هذا الوقت الذي بدا فيه محمد علي مفلساً، لا يوجد لديه ما يقوله أو يفعله، إلا تهديدات بمفاجآت للسيسي؛ هي من باب "تحلية البضاعة"، انطلق إلى آفاق أوسع، فسافر إلى لندن ليزور مقار كبريات الصحف، ويحاضر في صحفييها، على نحو لا بد وأن يدفع النظام الحاكم في مصر للقلق، وهو يسأل: ماذا هناك؟!
الأمر يتجاوز حدود المهنة، وقد أجرت قنوات تلفزيونية دولية مقابلات معه كـ"بي بي سي"، وصحف معروفة مثل "لوموند" الفرنسية، إلى جانب صحف إسبانية وأمريكية، وهذا حدود المهنة مع شخص أثار الجدل ولفت الانتباه، وبدا كما لو كان يؤذن للثورة، وجاء من خلف المشهد السياسي في مصر، وكشف للجميع أن الأوضاع ليست مستقرة وأنها ليست قبضة السيسي، وأن أزمة النظام الحاكم لم تنته بقدرته على استخدام القمع، وهزيمة التيار الأقوى ممثلا في الجماعات الدينية، وطي ملف قضية الشرعية بوفاة الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي!
الجديد:
لكن الجديد، هو الاستقبال في دور الصحف، وليست "الغارديان" و"نيوزويك" بالصحف الصغيرة، حتى يصبح من الجائز أن نمر مرور الكرام على ما فعلت. ثم إن محمد علي لم يكتف بهذا، وإنما عقد مؤتمراً صحفياً في لندن شاهدنا حضورا جيداً لمندوبين لوسائل إعلام بريطانية، بشكل لا تخفي العين دلالته، وبما يمثل تقديراً لمحمد علي يفوق أكثر أحلامه جنونا.
منذ ظهوره أقلق محمد علي النظام الحاكم في مصر، وقد لخص السيسي خطورته في أمرين: الأول إنه "يلعب في الثقة" التي بناها في سنوات، وهو يقصد ثقة بسطاء الناس فيه، وتنزيههم له عن الفساد. فقد يكون فاشلاً، لكن يكفيه شرف الاجتهاد وإن أخطأ، والبلاد في ظروف اقتصادية قاسية، وقد استلمها (كما يوحي دائما) "خرابة". وقديماً قيل: على المرء أن يسعى وليس عليه إدراك النجاح!
والثاني يتمثل في أنه يهز الثقة في الجيش، أو للدقة بعض هيئاته، ويفتح عيون الهيئات الأخرى على ما تفعله هذه الهيئات. والجيش مؤسسة مغلقة، كما يقول السيسي الذي يقدم نفسه على أنه مندوب الجيش واختياره للحكم، وممثله الأوحد، وهز الثقة فيه، أو داخله في قياداته، يمثل خطورة كبرى على مستقبل السيسي في الحكم!
وقد تفاقم هذا القلق من محمد علي بعد جولته الخارجية، على النحو الذي علمته من "مصادري"، وإن أصبح الاصطلاح "مصادري" مبتذلاً لسوء استخدامه، والذي انتقل من صحفيين يوحون للعامة أنهم يعلمون بما لا يعرفه أحد، إلى العامة عبر وسائل التواصل، ويتم بهذه النغمة (مصادري) ترويج الأكاذيب على النحو الذي طالعناه بكثافة في فترة محمد علي، بدأت بأن السيسي هرب، وانتهت بأن انقلابا عسكريا في الدُرج.. ألم تنظر إلى جلسة وزير الدفاع أمام السيسي؟!.. إنها يا إلهي تشبه إلى حد كبير جلسة عبد الفتاح السيسي في خطاب مرسي الأخير قبل الانقلاب!
وقع في يدي:
لنتجاوز المصطلح "مصادري". لقد وقع في يدي ما يفيد بحالة القلق هذه، فالدبلوماسية المصرية في الولايات المتحدة الأمريكية في حالة فزع مقيم، وهي تترقب زيارة محمد علي لها، وحشدت كل عملائها من أجل التوصل لمعلومات عن خط سيره، ومن سيلتقيه، ووزعت ألبوم صور بمصريين يقيمون في الولايات المتحدة، عبر رابط يحمل صورا لمن استقبلوا نشطاء مصريين في السابق في الولايات المتحدة الأمريكية، مثل إسراء عبد الفتاح وغيرها. ومن الواضح أن اللقاءات كانت في مرحلة ما بعد الثورة، أو في مرحلة الاستعداد للانقلاب العسكري، وهو رابط لحزب الدستور نشر عن هذه اللقاءات، والمطلوب التوصل إلى من سيستقبلون محمد علي.
ومع أن المذكور ومن خلال خط سيره في لندن؛ لم يبدُ مهتماً بلقاء الجالية المصرية هناك، فقد كان يعرف طريقه، وهو مختلف عن طريق آخرين سبقوه في هذا المجال!
ولا ننكر أن زيارات كثيرة لوفود مصرية تقف مع الشرعية (أو ترفض الانقلاب بشكل عام) إلى العواصم الغربية، اكتفت بلقاء الداعين، وعقد مؤتمرات لا يحضرها إلا أبناء الجالية المصرية المؤيدين لهذه القضية، واللقاء بشخصيات رسمية كانت قليلة للغاية، فلم يحدث هذا الاستقبال الحافل في دور الصحف الأجنبية إلا لمحمد علي، وهذا مكمن قلق النظام الحاكم، وأذرعه الدبلوماسية!
وإذا كانت الأذرع الإعلامية في القاهرة قد قالت بأن هذه الجولة للعواصم الغربية يقف خلفها الاخوان، فإن الأذرع الدبلوماسية كان لها رأي آخر، فهي في رسائلها مع "العملاء"، إن صح التعبير، تقول إن قطر هي الراعية الرسمية لهذه الجولة! فهل الهدف هنا وهناك هو لتأكيد حجم الخطر الداهم على النظام، ولتأكيد جدية الموقف، أم أن من يقولون هذا يصدقون أنفسهم؟!
ودعاية الإخوان معلنة، أم دعاية قطر فقد تمت في رسائل أرسلت من الأذرع الدبلوماسية عبر التطبيقات المختلفة، فالقلق وربما الثقة المفرطة في العملاء أسقط نظرية "الاحتياط واجب"!
أسباب القلق:
والسؤال: هل هو قلق في غير محله؟!
يدرك النظام الحاكم في مصر، أنه قطع الطريق على الولايات المتحدة الأمريكية في عملية اختيار البديل، والذي لا بد من وجوده، حتى وإن لم يُستخدم، أو ظل سنوات عديدة في الثلاجة في انتظار "استعماله". لقد أنقذت واشنطن الضابط خليفة حفتر من براثن القذافي، وحمته من حكم الإعدام، وصنعته على عينها لأكثر من ثلاثين سنة، وها هي تستخدمه الآن، عندما وجدت الفرصة سانحة.
نماذج كثيرة في بلدان عدة، مثلت بدائل لأنظمة قائمة و"لوقت الحاجة"، حتى وإن كانت هذه الأنظمة موالية تماما لها. فرغم وجود عميلها المثالي برويز مشرف، فقد دفعت ببنازير بوتو، لأنها رأت أن مشرف انتهى شعبياً.
ويظل السيسي هو الخيار الأمثل للخارج بدوائره الإقليمية والدولية، لكن وضعه غير مستقر، وقد يتفجر الموقف. والأوضاع البائسة تؤهل لثورة، ولو قامت فسوف تتجاوز كل الخيارات العاقلة، إذن لا بد من بديل، قد لا يُستعمل أبداً مثل الدكتور محمد البرادعي، وقد لا يكون عميلا، فيكفي أن يكون عاقلاً.
والسيسي لم يمكّن واشنطن من هذه السياسة، فدمر كل البدائل، فماذا لو سقط رغم الرغبة الأمريكية في استمراره؟!
محمد علي لا يمكن أن يكون هو البديل، مع أنه أقرب لروح المرحلة، فلم يعد القذافي هو الغريب؛ الذي يدفع لغرابة سلوكه وممارساته إلى وصفه بـ"المجنون"، فعندما يهبط المستوى إلى أن يكون ترامب هو رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، فلا تسأل عن شيء.. وفي أي مرحلة في السابق كان "حميدتي" السودان يمكن أن يمثل بديلا محتملاً بأي درجة؟!
المقاول الفنان محمد علي ليس البديل المناسب لبلد بحجم مصر، لكنه قد يكون "بديلا بالفكرة" أو وكيلا لبدلاء محتملين. وهو ليس محسوباً على التيار الإسلامي، وفي المقابل لا يُضمر له عداوة، ثم إن البسطاء أوّبوا معه.. إن حضوره قد يكون جيداً في المرحلة التمهيدية وليس أبعد من هذا.
وحجم الهجوم عليه بعد رحلته إلى لندن هو تخوف من بعض المعارضين أن يكون بديلاً، فاتت هؤلاء تجربة مصر السابقة، فكل وقت له أذان، والأذان في زمن القمع يختلف كلية عنه في زمن الحرية!
وفي عهد مبارك، تعلقت معظم القوى السياسية في ثياب البرادعي وألقت عليه بكل أمالها العريضة، لكن بعد الثورة لم يكن خياراً لأحد، ولم يتمسك به أنصاره السابقين مرشحاً رئاسياً، فقد كان الخيار المناسب عندما كانت هناك ضرورة له لوظيفته الدولية السابقة ولاسمه المعروف، لكن عندما كانت الإرادة خالصة للشعب اختلف الأمر.
ليس هذا وقت جمع الغنائم.
أضف تعليقك