• الصلاة القادمة

    العصر 13:46

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم.. قطب العربي

لم يعد الحديث عن المحاولات المتكررة لاغتيال قائد الانقلاب في مصر عبد الفتاح السيسي ممنوعا أو يمثل حرجا لأصحابه، بل ربما أصبح مطلوبا بناء على توجيهات قائد الأوركسترا الإعلامية بهدف استدرار عطف جماهيري يفتقد إليه السيسي مع تواصل الفشل في كل المجالات، وتصاعد الغضب الشعبي جراء ذلك.

قبل أيام قليلة، أعلن أحد إعلاميي النظام (محمد الباز) عبر برنامج تلفزيوني؛ عن تعرض السيسي لأكثر من عشر محاولات اغتيال منذ انقلابه في الثالث من تموز/ يوليو 2013 وحتى الآن، وقد سبقه إعلامي آخر أكثر قربا من السيسي (ياسر رزق) بالإعلان عن تعرض الجنرال لأربع محاولات اغتيال. وفي 24 أيلول/ سبتمبر الماضي كشف ذراع إعلامي ثالث، وهو عمرو أديب، عن تعرض السيسي لثلاث أو أربع محاولات اغتيال، وقد تحدث في برنامجه تفصيلا عن إحدى تلك المحاولات التي أطلق منفذوها النار بالفعل على استراحة السيسي فقتلوا أحد ضباط الحراسة.

وتزخر المحاكم العسكرية المصرية بالعديد من القضايا لمحاولات اغتيال السيسي تضم مدنيين وعسكريين، وضمت إحداها 300 متهم حكمت المحكمة العسكرية على 296 منهم بأحكام متباينة، بين المؤبد والحبس ثلاث سنوات، متراجعة عن قرار أولي بإحالة أوراق ثمانية منهم للمفتي، وذلك بتهمة محاولة اغتيال السيسي في 2014 اثناء أدائه العمرة. وكانت خطة الاغتيال ترتكز على تفجير مقر إقامته في مكة. وقد تم اعتقال عشرات ضباط الجيش وإحالتهم للقضاء العسكري بتهم محاولة قتل السيسي وقلب نظام الحكم، وتم التكتم على تفاصيل تلك القضايا بعد أن أثار النشر عن إحداها والمتهم فيها 26 ضابطا حالة من القلق في صفوف القوات المسلحة، وتصاعد الحديث عن غضب في صفوف القيادات الوسيطة في الجيش.

وقد اعترف السيسي شخصيا في 2014، حين كان مرشحا للانتخابات الرئاسية، بتعرضه لمحاولتي اغتيال. وأشارت المعلومات وقتها إلى أن أولى المحاولتين كانت عقب الانقلاب مباشرة، خلال مقابلة السيسي لـ"الرئيس المؤقت" عدلي منصور، والمحاولة الثانية كانت بعدها بأسبوعين، عندما كان في طريقه من مسكنه إلى وزارة الدفاع.

بغض النظر عن دقة المعلومات التي أعلنها هؤلاء الإعلاميون الموالون للنظام، وما إذا كان ظهورها ضمن خطة لاستجلاب دعم شعبي للسيسي، فإن الصورة تبدو واضحة، وهي أن نظام السيسي لم يتمكن من تحقيق الاستقرار حتى الآن، بل إن رأس النظام وباعتراف أذرعه؛ تعرض لهذا العدد الكبير من محاولات الاغتيال التي ربما كانت أكبر من ذلك، رغم مرور أكثر من ست سنوات على انقلابه، وامتلاكه مفاصل القوة في الدولة. ولذلك فإن هذا يفسر لماذا لا يعرف أحد عنوانا ثابتا للسيسي، على عكس الرؤساء الحقيقيين في كل دول العالم. وحتى المسكن الذي تم الكشف عنه في شارع الخليفة المأمون قرب العباسية، من خلال التسريبات التي بثتها وسائل الإعلام المناهضة للنظام أواخر 2013، تم تغييره بطبيعة الحال على الفور، ولم يعد أحد يعرف مكانا جديدا، حتى كشف الفنان والمقاول محمد علي مؤخرا عن قصر حلمية الزيتون الذي كان يمتلكه من قبل المشير عبد الحكيم عامر وتمت إعادة بنائه لأسرة السيسي، وكذا استراحة المعمورة. وعلى الأرجح لم تعد الأسرة تقيم في أي منهما عقب هذا الكشف. (ذكرنا سابقا محاولة اغتيال للسيسي في استراحة المعمورة).

الاغتيالات ليست من نهج المعارضة السياسية، لكن حالة الانسداد السياسي والقمع الأمني الشديد، وغياب أي أفق للتغيير السلمي؛ هو الذي يقود البعض للتفكير في طريق الاغتيالات، رغم أنها ليست حلا جذريا لإنهاء الاستبداد والحكم العسكري المتجذر في مناحي عديدة في المجتمع.

تعدد محاولات اغتيال السيسي ولّد لديه قناعة بأن نهايته ستكون القتل، كما حدث مع الرئيس الراحل أنور السادات (الذي التقاه السيسي في المنام حسب تصريحاته المسربة للصحفي ياسر رزق أواخر عام 2013، والذي لم ينس منظره مضرجا في دمائه أثناء قتله في حادث المنصة في 6 تشرين الأول/ أكتوبر عام 1981)، كما لم ينس السيسي ما حدث لمعمر القذافي وعلي عبد الله صالح، وقبلهما تشاوشيسكو (حاكم رومانيا الأسبق)، وغيرهم من الطغاة، ولذلك فإنه جعل المعادلة صفرية مع مناوئيه السياسيين، ولم يفرق بين معارضة سلمية وأخرى تنتهج العنف. فقد صبغ حكمه بالدموية المفرطة المتمثلة في القتل العمدي للمعتصمين السلميين، والتصفية الجسدية للمعارضين السياسيين، وإصدار أحكام الإعدام بالجملة ضد هؤلاء المعارضين، والقتل البطيء للسجناء.. إلخ، لكنه يتجاهل أن هذا القمع والقتل هو الذي يغذي روح الثأر أيضا لدى فئات كثيرة؛ ممن قُتل آباؤهم أو أبناؤهم أو إخوتهم أو حتى أصدقاؤهم، وهكذا تتسع دائرة الانتقام لتطال فئات واسعة من الغاضبين الذين يشعرون بأنهم لم يعد لديهم ما يخسرونه.

في العام 54 للميلاد وصل نيرون إلى حكم الإمبراطورية الرومانية عن غير استحقاق (لم يكن الوريث الشرعي للحكم)، وما إن أمسك بمفاصل السلطة حتى مارس ساديته، وبذخه، ووصل به الأمر إلى إحراق روما نفسها عام 64 للميلاد حتى يبني عاصمته الجديدة على مقاسه الخاص، وألصق التهمة بالمسيحيين، فقتل الآلاف منهم، وأعدم قائد الجيش ونفى الكتاب والمعارضين لحكمه. وبعد حرق روما، كان نيرون يحتاج إلى المال بشدة لبناء عاصمته الجديدة والإنفاق على ملذاته، فباع المناصب العامة لمن يدفع أكثر، وعمل على زيادة الضرائب وأخذ المال من المعابد، وقرر تخفيض قيمة العملة، وأعاد سياسات مصادرة الممتلكات الخاصة. وهو ما تسبب في تصاعد الغضب الشعبي ضده، وحاول تجنب هذا الغضب بالفرار، لكنه لم يتمكن، وحكم عليه مجلس الشيوخ عام 68 بالإعدام ضربا حتى الموت، فقرر الطاغية الانتحار.. ترى هل يتكرر المشهد ذاته مع نيرون العصر؟

أضف تعليقك