• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم مستشار الرئيس التركي ياسين أقطاي

يمكن أن نعتبر المسلسل الذي يحمل اسم "ممالك النار"، الذي بدأ عرضه على قناة "إم بي سي" التي تمتلكها السعودية ويقع مقرها في الإمارات، حملة مضادة تهدف لخفض تأثير المسلسلات التركية التي اكتسبت أهمية أسطورية في العالم العربي، بل وفي العالم كله بمرور الوقت.

وأما التصريحات التي جعلتنا نضع هذا التقييم للمسلسل فتستند لما قاله منتج المسلسل بنفسه بهذه المناسبة عندما قال إنه "سيفشي أسرار تاريخ إدارة الدولة العثمانية المليء بالوحشية". وفي الواقع فإن المسلسل يستهدف بشكل مباشر الدولة العثمانية، وكذلك الجمهورية التركية الحالية ممثلة في الدولة العثمانية.

وأعتقد أن هذه هي المرة الأولى التي يشهد فيها الإعلام الرسمي العربي هجوما علنيا بهذا المستوى يستهدف تركيا.

ولطالما حاولنا أن نشرح أنه في عهد الدول القومية التي حاول أعداؤنا إقامتها على مر العصور، لا سيما عقب الحرب العالمية الأولى، سعوا لنشر صورة لدى الأتراك تقول "لقد خاننا العرب"، وصورة أخرى لدى العرب تقول "لقد استغلنا العثمانيون لقرون"، وهي الصورة التي تشكل – في الواقع – وسوسة شيطانية إمبريالية ترمي للإيقاع بين الشعوب ونشر الضغينة والكراهية بينها.

وفي الواقع يمكننا، الحمد لله، أن نقول التالي: بكل أريحية في هذه المرحلة التي وصلنا إليها؛ بالرغم من كل الخطابات الرسمية فلم يعد أحد لدى العرب يعتبر الدولة العثمانية دولة استعمارية، كما لم يعد بين الأتراك، باستثناء من لا يعرف نفسه وتاريخه وثقافته، من يعتبر العرب خونة ضربونا من الخلف.

بل والأهم من ذلك كله أن الطرفين صارا يمتلكان وعيًا كبيرًا بشأن أنّ هذه الدعاية المغرضة لا تخدم سوى غرض محتل استعماري.

ولا شك أنّ من بين العرب خونة ضربوا الدولة العثمانية من الخلف، لكن كان هناك كذلك من خانوا الدولة العثمانية، وفعلوا ما هو أكثر من الخيانة، من بين الأتراك وسائر الشعوب الأخرى التي كانت خاضعة للحكم العثماني.

بل على العكس تمامًا، فهناك من العرب وسائر الشعوب العثمانية الأخرى من كان مخلصًا للخلافة الإسلامية لدرجة جعلته يحارب ويستشهد جنبًا إلى جنب مع الأتراك في جنق قلعة وطرابلس الغرب وبلاد الحجاز وسائر الجبهات الأخرى.

وفي نهاية هذه الحرب حاول أعداؤنا نشر بذور هذا العداء والكراهية بين كلا الطرفين من خلال حملات متعددة من أجل الإيقاع بين العرب والأتراك. ولهذا السبب تحديدًا فإنّ كراهية العرب وكراهية الأتراك شقيقتان، وإذا ما تخلصنا من الكراهيتين فإننا نجد أنه لا يبقى بين الشعبين سوى الأخوة.

إنّ الاهتمام الذي حظت به المسلسلات التركية في العالم العربي في السنوات الأخيرة وانتشار تأثيرها إلى هذا القدر يبرهن – في الحقيقة – إلى أيّ مدى اشتاق العرب لمعانقة إخوتهم من الأتراك. وأبرز ما يعبر عن هذا الاشتياق نذكر على سبيل المثال لا الحصر الإقبال الشديد على مسلسلات مثل قيامة أرطغرل والسلطان عبد الحميد وكوت العمارة بل وحتى سائر المسلسلات الدرامية الأخرى الشهيرة.

ولا يتطرق أي من هذه المسلسلات لأي مسألة عليها خلاف بين العرب والأتراك، بل إنها لا تسعى حتى للرد على مثل هذه الدعاية المغرضة. فهذه المسلسلات لا تستهدف الأنظمة العربية الحالية، كما لا تحمل أي هدف أو بُعد يرمي لمعاداتها أو تحريض الشعوب ضدها.

لكن بالرغم من ذلك فإن قناة إم بي سي اختارت كأول مشروع ضخم يهدف لخفض تأثير هذه المسلسلات مسلسلا يستهدف الدولة العثمانية بشكل مباشر، وهو الأمر الذي يحمل الكثير من المعاني.

كانت قناة إم بي سي قد اشترت حق عرض بعض المسلسلات التركية، التي كانت تعتبرها وسيلة ترفيه ثقافية معروفة وحسب، وبدأت تعرضها، لكنها أوقفت عرض هذه المسلسلات، بالرغم من الاتفاقات التجارية التي تجمعها بمنتجيها، بعد تشكيلها تعاطفًا مع التاريخ العثماني، وهو ما يظهر لنا كيف بدأوا ينظرون إلى هذا الأمر.

وإن وجهة النظر هذه ما هي إلا وجهة نظر مريضة ومتهمة إلى أبعد الحدود. فها هو يتضح للجميع أن وجهة النظر المريضة هذه لم تنس التاريخ الذي نحاول نسيانه لنفتح صفحة جديدة ونتعانق مع إخوتنا العرب، بل إن أصحاب وجهة النظر هذه يحاولون التعمق في هذا التاريخ بشكل هستيري ويبررون جرائمهم التاريخية، لكنهم يبدو أنهم ينسون أن شرعيتهم لدى شعوبهم ستتآكل بمرور الوقت كلما ذكروا هذا التاريخ وذكّروا الآخرين به.

فما الذي يحكيه مسلسل "قيامة أرطغرل" أو "المؤسس عثمان" للعرب؟ وفي مقابل ذلك، ما الذي يقوله مسلسل "ممالك النار" للشعوب العربية؟

اسمحوا لي أن أقول إن الأول يحكي لنا كيف أن أمتنا العظيمة استطاعت أن تحيا بفضل تعاضد العرب والأتراك والأكراد والبشناق والإيرانيين ونجحت في تأسيس حضارة كبرى عندما عزمت على ذلك. فلا تجد في المسلسل أي عداوة موجهة لأي شعب من الشعوب الإسلامية، بل على العكس تماما، ترى المسلسل يتحدث عن الوحدة والصمود ونشر تعاليم الإسلام الحنيف بين جميع البشر.

 فهذه الحكاية تنشر الأمل والحماس بين جميع الشعوب العربية وسائر الشعوب المظلومة الأخرى.

وعلى النقيض ترى شخصية طومان باي بطل مسلسل ممالك النار لا تحمل وصفا سوى إظهار مقاومة وحشية ومسكينة أمام الدولة العثمانية، أي – في الواقع – أمام وحدة المسلمين ونهضتهم. فكيف لهم أن يصنعوا من شخصية كهذا بطلا يقدمون من خلاله رسالة إلى الناس اليوم؟ ولنفترض أنهم قدموا رسالة من ثلاثة أو خمسة أسطر، فكيف ستتلقى الشعوب العربية أو سائر الشعوب الأخرى هذه الرسالة؟

هل سينظر الناس إلى هذا النوع من الرسالة ويحذفون من عقولهم الرسائل التي قدمها مسلسل قيامة أرطغرل أو المؤسس عثمان؟ وهل سيحجم هذا المسلسل حقا تأثير هذه المسلسلات؟ يا لها من محاولة مسكينة!

أليس منتج هذا المسلسل ومخرجه سيناريست بريطاني وبطله ممثل مصري يعتبر أحد رجال السيسي الذي قتل آلافا من شعبه دون أن تطرف له عين؟

ما الذي سيحاولون خداع الناس به يا ترى؟

أضف تعليقك