دعنا نذهب إلى أبعد مدى ونصدق كل الأرقام والتصريحات الصادرة عن الحكومة المصرية، لنصدق مثلاً أن البلاد تحقق أعلى معدل نمو اقتصادي في أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط.
ولن نشكك في الأرقام الرسمية التي تؤكد أن هناك تراجعاً في أسعار السلع والخدمات بسبب تهاوي معدل التضخم الذي بلغ أدنى مستوى له منذ 10 سنوات حيث تراجع إلى 2.4% فقط في شهر أكتوبر الماضي.
لن نصدق المواطن الذي يصرخ صباح مساء من لهيب وجنون الأسعار المتواصل منذ سنوات، ومن تبخر راتبه في الأيام الأولى من الشهر والاكتفاء بتناول وجبتين بدلاً من ثلاث.
لنتعامل مع قصة الارتفاع المتواصل لسعر الجنيه المصري مقابل الدولار منذ بداية العام 2019 على أنه حقيقة مجردة، ولن نناقش الأسباب الحقيقية وراء تحسن قيمة العملة المحلية.
لن نربط التحسن في قيمة العملة بركود وكساد الأسواق، وانخفاض الطلب على الواردات، والنقد الأجنبي، وجدولة ديون خارجية مستحقة على الدولة منها مليارات الدولارات كانت واجبة السداد لدول الخليج تم تأجيل سدادها لمدة 5 سنوات أخرى وبسعر فائدة يفوق الأسعار التي تقترض بها دول مجاورة من الأسواق الخارجية.
لنصدق أن خفض سعر الفائدة على القروض أنعش الاستثمار المحلي والخارجي على حد سواء وأعاد الحياة للبورصة وقطاع العقارات كما بشرت وسائل الإعلام، وأن مبادرة البنك المركزي والحكومة الأخيرة بشأن حل أزمة المصانع المتعثرة والمغلقة ستنعش قطاع الصناعة وتزيد الإنتاج المحلي والتصدير.
لن نناقش فرضية نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي من عدمه، فهذا حديث يطول، وسنصدق الشعارات البراقة التي ترددها كل وسائل الإعلام الحكومية وكبار المسؤولين في الدولة ليل نهار والتي تقول إن البرنامج نجح نجاحاً باهراً، وأن دول العالم باتت تستفيد من التجربة المصرية وتتنافس على تطبيقها.
لن نناقش الأسباب التي دفعت الحكومة لزيادة أسعار غاز الطهو والمنازل بشكل مستمر وقياسي بالرغم من حديثها صباح مساء عن حدوث اكتفاء ذاتي من الغاز الطبيعي، بل وتصدير الفائض إلى الخارج، وأنه بات لدينا أكبر حقل لإنتاج الغاز في منطقة البحر المتوسط.
لنصدق أن انتعاشاً حدث في قطاع السياحة، وأن إيرادات القطاع الخدمي باتت الأعلى منذ العام 2010، وأن مصر بات لديها عاصمة إدارية تستوعب 6.5 ملايين نسمة، وأنه حدثت طفرة في البنية التحتية والطرق والكباري وشبكات الكهرباء، وبات لدينا أيضاً مدن عمرانية جديدة كثيرة.
لنصدق كل ذلك رغم عدم وجود أدلة قوية عليه، بل وسنصدق مقولة أن هناك فائضاً في الموازنة العامة للدولة، وأن دول العالم تتنافس على إقراضنا، ولمدة 40 سنة، كما حدث مع السندات الدولية الأخيرة التي تم طرحها قبل أيام واستدانت الحكومة من خلالها 2 مليار دولار، وأن المواطن خرج من عنق الزجاجة و......
لكن لنطرح سؤالاً بسيطاً: لماذا لم تنعكس كل هذه النجاحات، إن صحت، على المواطن وأحواله المعيشية وتُحسن من دخله، لماذا لا يشعر المواطن بثمار الإصلاح الاقتصادي؟
ولماذا لا يزال المواطن يعاني من قفزات في الأسعار وضعف في القدرة الشرائية، هل تحققت كل تلك النجاحات رغم أن معدل الفقر يتزايد ليلتهم نحو ثلث المصريين حسب البيانات الرسمية وأكثر من ضعف عدد السكان حسب الأرقام غير الرسمية؟
هل تحققت هذه الروايات التي تسردها الحكومة على مسامعنا، والدين الخارجي والمحلي وعجز الموازنة العامة تشهد قفزات مستمرة؟
أليس من حق المواطن أن يشعر بكل تلك النجاحات البراقة، أم أن ثمار الإصلاح تذهب إلى طبقة محدودة، وهي طبقة المنتمين للمؤسسة العسكرية وأجهزة الشرطة والقضاء والإعلام؟
أليس من حق المصريين أن يقولوا للحكومة: كفى لزيادة الأسعار والضرائب والرسوم الحكومية والمياه والكهرباء والبنزين والسولار والغاز، كفى للأرقام والمؤشرات الخادعة، كفى للكذب والتدليس، فنحن نصدق جيوبنا الخاوية وأوضاعنا المعيشية الصعبة أكثر من أرقامكم؟
أضف تعليقك