بقلم..أحمد سعد
ولابد أن يحين الدور على الرياضة المصرية لتتم عسكرتها مثلما تعسكرت كل المجالات في مصر منذ وقوع الانقلاب في 2013، فالنظام الحالي لم يترك مجالا ولا نشاطا صغيرا ولا كبيرا إلا وعسكره. فما الذي يمنع من عسكرة الرياضة؟
نعم الخطوة تأخرت كثيرا، لكنها حتما كانت ستأتي يوما ما وفقا للدور الذي تقف فيه، والخطة الموضوعة لها.
ودخول العسكر المجال الرياضي كان ولابد أن يكون دخولا يليق بهم وبقيمتهم كحاكم للعباد ومالك للبلاد، إذ جاء عبر أكبر بوابة رياضية في مصر، ألا وهي بوابة النادي الأهلي. فمنذ أيام قليلة وقعت شركة استادات المملوكة لجهاز المخابرات عقدا مع الأهلي يتم بمقتضاه تدشين مرحلة جديدة لعسكرة الرياضة عبر البوابة الحمراء، حيث يقضي العقد بحصول الشركة التابعة للمخابرات على كافة الحقوق التسويقية للأهلي بما في ذلك حق إدارة القناة الفضائية وكافة الوسائل الإعلامية التابعة للنادي مثل الموقع الإلكتروني والمجلة والنشرات الإعلامية.
وشركة "استادات" لمن لا يعرفها هي واحدة من مجموعة شركات تملكها شركة إعلام المصريين المملوكة لجهاز المخابرات وهي الشركة المحتكرة للإعلام في مصر والمالكة لمجموعة ضخمة من الوسائل الإعلامية منها على سبيل المثال لا الحصر، قنوات الحياة والناس وسي بي سي وتايم سبورت وشبكات راديو النيل واليوم السابع وصوت الأمة وعين وغيرها، أي أن المهمة الرئيسية للشركة الأم رسم وتحديد الخطاب الموجه للشعب عبر الإعلام طبقا للرؤية التي يضعها العسكر، وهي نفس الرؤية التي سيبدأ تنفيذها بالوسط الرياضي في المرحلة الجديدة.
رؤية 2045
والعقد الذي وقعته استادات مع الأهلي غير محدد المدة ولا معلوم القيمة، فمع العسكر لا يحق لك أن تسأل عن مدة ولا أن تعرف قيمة، لكن ومن يدخل في التفاصيل يعرف أن العسكر حدد شكل الدخول لكنه لم يكشف عن وقت الخروج، فهو عندما وضع تواريخ للتعاقد فقد وضعها في صيغة الرؤية المستقبلية وليس في إطار التحديد، فكما أعلن الطرفان في المؤتمر الصحفي الذي عقد عقب التوقيع أن هذا الاتفاق يأتي في إطار رؤية سنة 2045، وطبقا لهذه الرؤية فإنه يحق لشركة استادات الحصول على كافة الحقوق التسويقية للنادي الأهلي والتي منها حق الإشراف على قناة النادي وإدارته الإعلامية، والهدف هنا واضح وجلي وهو توجيه الرأي العام الأهلاوي الذي يمثل 75 في المئة من قطاع الجماهير الرياضية المصرية.
أما بالنسبة لحقوق الأهلي فهي تتمثل في الحصول على عائد سنوي لا يقل عن 55 مليون جنيه، وتوفير ملعب دائم لفريق الكرة هو ملعب استاد السلام، بالإضافة لمنح الأهلي حق إدارة نادي طيبة بالأقصر. ولا تسأل ما علاقة الأهلي بالأقصر!
دعنا من تجاوز القانون في إجراءات التعاقد التي تمت بالأمر المباشر من دون إعلان ولا مزايدة طبقا لما ينص عليه قانون الرياضة الصادر في 2017، فمن السذاجة أن نسأل عن القانون في حضرة العسكر، إنما ما يجب أن نصارح به جمهور الأهلي وأعضاء ناديه هو عملية النصب الكبرى التي تعرض لها النادي من وراء تلك الصفقة، لأنه وطبقا لبنود العقد فإن الأهلي سيخسر قرابة سبعين مليون جنيه سنويا، فمبلغ الـ55 مليون جنيه الذي ستدفعه استادات للأهلي كل سنة يقل أكثر من النصف عن القيمة التي كان يحصل عليها الأهلي من العقد السابق الموقع مع شركة بريزينتيشن وهو العقد الذي كانت قيمته 520 مليون جنيه في أربع سنوات، أي أن عائد السنة الواحدة كان 130 مليونا!
وإذا كانت الشركة الجديدة وفرت للأهلي ملعب التدريب والمباريات بدعوى أن هذا سيوفر على الأهلي مبالغ طائلة كان يدفعها في إيجار ملاعب التدريب والمباريات، فلابد من الإشارة أولا إلى أن الأهلي ليس في حاجة إلى ملاعب تدريب، فهو يملك الملاعب الكافية بمقاره المختلفة بالجزيرة ومدينة نصر وأكتوبر، وإن كان على ملاعب المباريات فتكلفة الإيجارات التي يدفعها النادي في السنة الواحدة لا تزيد على خمسة ملايين جنيه بحال من الأحوال، هذا بفرض أنه سيخوض كل مبارياته باستاد القاهرة وهو الأغلى إيجارا بين كل الملاعب، حيث إن إيجاره للمباراة الواحدة مئة وخمسون ألف جنيه وجملة المباريات التي يستضيفها الأهلي في الموسم الواحد لا تزيد عن الخمس وعشرين مباراة منها سبع عشرة مباراة بالدوري والباقي في بطولتي الكأس وأفريقيا، وبإضافة تلك الملايين الخمسة التي سيوفرها الأهلي باستخدام ملعب السلام إلى المبلغ الذي سيحصل عليه سنويا وهو خمسة وخمسون مليونا، يكون جملة ما سيحصل عليه الأهلي من العقد الجديد ستين مليونا فقط، وهنا تصبح جملة الخسارة الواقعة على الأهلي سبعين مليون جنيه عدا ونقدا!
مع ذلك فإن المصيبة ليست في خسارة الأهلي لكل هذه الأموال التي من المؤكد أنها ستؤثر على مسيرته الرياضية، إنما المصيبة الحقيقية في أن العسكر وضع قدمه في الأهلي ولن يخرج منه أبدا، وهي خطوة ستتبعها خطوات مماثلة في الأندية الأخرى، ليفرض العسكر سطوته على الرياضة المصرية بالكامل ويديرها بشكل مباشر.
إيقاف خطر قادم
ويرى العسكر أن سيطرتهم على الرياضة وإداراتها بمعرفتهم أصبحت ضرورة ملحة تفرضها طبيعة المرحلة، ليس فقط للسيطرة على بزنس الرياضة الذي يقارب عشرة مليارات سنويا، وإنما لوقف الخطر الداهم المتوقع قدومه من جمهور الرياضة عامة وجمهور الكرة خاصة، والذي فشلت معه كل محاولات الردع والترهيب لتفادي أفعاله وهتافاته، التي تصل أحيانا إلى المنطقة المحرمة وهي منطقة السياسة، وليس ببعيد واقعة الشاب عز الدين خضر منير الذي تم اعتقاله على خلفية رفع علم فلسطين أثناء مباراة منتخب مصر وجنوب أفريقيا في بطولة كأس الأمم الأفريقية للشباب تحت 23 سنة، ولا ببعيد هتافات الجماهير لمحمد أبو تريكة نجم الأهلي السابق الذي يصنفه النظام المصري على أنه إرهابي. فمثل هذه الأفعال وتلك الهتافات يخشى النظام من أن تتحول إلى ظاهرة تتفشى عدواها في كل الملاعب ومن ثم تشجع الشارع على التظاهر، لذا وجب إيقاف الخطر من المنبع. ووجب عسكرة الرياضة.
أضف تعليقك