• الصلاة القادمة

    العصر 13:46

 
news Image
منذ ثانيتين

من رقائق د. خالد أبو شادي

فارقٌ كبير بين الداعية والواعظ.. فارق بين السماء والأرض؛ فالداعية يحوط من يدعوه ويحميه كمن يرمي بِذرة ثم يرعاها لا يهملها أو ينساها, أما الواعظ فمقوالٌ يرمي بضاعته في كل أرض وينثر أقواله على كل سمع، ولا قيام للإسلام اليوم ولا نهضة له بغير دعاة يضخّون الإيمان في عروق الأمة، فتسترد عافيتها من جديد وتنهض وعزمها من حديد.

شروط النجاح

بَرْي السهام أولاً

أخي الداعية.. هل سمعت عن قصة زاذان؟!

قال زاذان: كنت غلامًا حسن الصوت بالقرآن جيد الضرب بالطنبور "آلة موسيقية"، فكنت مع صاحب لي وعندنا نبيذ وأنا أغنيهم، فمر ابن مسعود فدخل فضرب الباطية "كل إناء يوضع فيه الخمر"، وبددها وكسر الطنبور، ثم قال: لو كان ما يُسمع من حسن صوتك يا غلام بالقرآن كنت أنت، ثم مضى, فقلت لأصحابي: من هذا؟! قالوا: هذا ابن مسعود، فألقى في نفسي التوبة، فسعيت أبكي، وأخذت بثوبه، فأقبل علي فاعتنقني وبكى، وقال: مرحبًا بمن أحبه الله، اجلس، ثم دخل وأخرج لي تمرًا، وانصلح حاله بعدها، واجتهد في العبادة حتى قال عنه زبيد: رأيت زاذان يصلي كأنه جذع.

أخي الداعية.. أتقن عبدالله بن مسعود صنعَ سهام التقوى، فكانت نافذة مصيبة نحو القلب مباشرة، واقتداءً به لا بد من بري سهامك جيدًا قبل تسديدها إلى قلوب الغافلين حتى تنفذ في الصميم، وبريها ليس سوى صلاة وقيام وقرآن وخلوة ومناجاة، فوالله لن ينصلح بك فاسد أو يقوم بك معوجّ، حتى تكون صالحًا في نفسك، خائفًا من ربك مخلصًا غير مراءٍ لصحبك، وعندها يفتح الله بك ويهدي على يديك؛ إذ كيف تبثّ الحياة في قلب غيرك إذا لم يكن في قلبك حياة، وكيف تصلح غيرك إذا فسدَت ذاتك؟!

ابذر الشوق بقلب التائهين

أخي الداعية.. تعلم فنَّ التشويق والترغيب فيما تدعو إليه وتقول من شامة رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "احشدوا واجتمعوا فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن"، فحشد من حشد ثم خرج نبي الله- صلى الله عليه وسلم- فقرأ: "قل هو الله أحد"، ثم دخل بعضنا لبعض: إني أرى هذا خبرًا جاءه من السماء، ثم خرج نبي الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: "إني قلت لكم سأنزل عليكم ثلث القرآن ألا إنها تعدل ثلث القرآن".

انظر قولَ الرسول، صلى الله عليه وسلم: "احشدوا" ثم دخوله وخروجه مرة أخرى، ودور ذلك في تشويق الصحابة ولفت انتباههم وإعدادهم نفسيًا لنقش هذه القصة في أذهانهم وسلوكهم فتعلم أخي الحبيب، ثم قلد.

فاقصص القصص

استخدامك للقصة أيها الداعية في مكانها الصحيح دون تكلف أو إقحام ثم الاستفادة منها، بما لها من تأثير عجيب في جذب انتباه السامع، واذكر أن القصة لم توضع للتسلية المجردة فقط، بل للاعتبار والاتعاظ واستخراج الدروس منها، ولتحذر من سرد القصص والحكايات الواهية التي تخالف العقل أو تصطدم مع الشرع فإنها تضر ولا تنفع، ولا يجب أن نوقف شبابنا من القصص موقفَ الانبهار فحسب، بل يجب أن نرتقي بهم إلى درجات الإقتداء، ونحلق في سماء الهمم حتى نكرر هذه النماذج السامية وننافسها في علاها، ولنا البشارة من رسول، الله صلى الله عليه وسلم: "مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره".

اقتل فراغه قبل أن يقتله

عرّفوا العشق فقالوا: هوى حلَّ في قلبٍ فارغ، فلأن القلب خلا امتلأ، ولأن ذكر الله لم يسكنه سكنه الشيطان، فلا تلوموا شيطانًا غزا، بل لوموا قلبًا خلا، وأنتم أيها الدعاة سبب هذا الخلوّ؛ فلو ملأتم وقت الشباب برًا وشغلاً ونفعًا وبذلاً وكنتم قدوة لهم في ذلك لانصلح حالهم بالكلية.

تدرجٌ يقي التساقط

يعمل الشيطان على استغلال حماسة وقوة انطلاق كل شبابٍ آثر الله على ما سواه فيحمّل قلبه ما لا يطيق، فيكون الانقطاع وعدم الدوام، وطوق النجاة: أن ترشدوهم إلى المحافظة على القليل الدائم فإن "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل"، ثم تدرج في الزيادة المعقولة يومًا بعد يوم، خاصةً وأن أسلوب الطفرة الإيمانية أثبتت التجارب فشله، وليس أحلى من هدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الذي "كان إذا عمل عملاً أثبته" أخرجه مسلم, والذي أحبَّ ما أحب ربه، لذا "كان أحب العمل إليه ما داوم عليه وإن قل" أخرجه الترمذي والنسائي عن عائشة، فاستكمال الفرائض، ثم الترقي في النوافل هو خطة الإصلاح وطريقكم لانتشال الغافلين.

كل معروف يطرد منكرًا

إخواني الدعاة.. حذارِ أن تحولوا الدينَ في نظر الشباب إلى مجموعةٍ من المحرّمات، كلما حاول شاب أن يتقي واحدة منها سقط في التي تليها فيسعى للهروب إلى الحرية والتحرر من الأغلال، فما هكذا تورد الإبل، ولكنهم إن ذاقوا لذة القرآن عافوا لذة الألحان، وإذا انشغلوا في ذكر الله زهدوا في ذكر الناس، وإذا حملوا همّ الدين والعمل له لم يعد للدنيا والشهوة في عقولهم مكان.

تعلموا من مالك بن دينار وقد دخل عليه لص يومًا، فما وجد ما يأخذه، فناداه مالك: لم تجد شيئًا من الدنيا، أفترغب في شيء من الآخرة؟ قال نعم، قال: توضأ وصل ركعتين، ففعل ثم جلس، وخرج إلى المسجد فسُئل مالك من هذا؟ فقال جاء ليسرقنا فسرقناه.

فنون العبادة لا تنتهي

لأن النفس ملولةٌ لا تقيم على عبادة واحدة كان من رحمة الله بنا أن يسَّر لنا ألونًا من العبادات تتقلب بينها النفس المؤمنة فلا يفتر عزمها ولا يكل سعيها، وواجب الداعية أن يفتح الآفاق الرحيبة للشباب، فيرى ما يحبون من وجوه الخير فيعمد إليه وينمِّيه، ويعلم أن النفوس ليست نسخًا متشابهة، وكما أن البصمات تختلف فالميول أيضًا تختلف وليتعلم من الإمام مالك الذي كتب إليه عبد الله القمري العابد يحضه على الانفراد والعمل، فكتب إليه مالك- رحمه الله- يقول: إن الله قسَّم الأعمال كما قسم الأرزاق، فرُبَّ رجلٍ فتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الجهاد، فنشر العلم أفضل من أعمال البر، وقد رضيتُ بما فُتح لي فيه، وما أظن ما أنا فيه دون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر" (سير أعلام النبلاء).

واسمع إلى فقه محمد بن المنكدر وتنويعة عباداته حتى تعمل بذلك وتعلمه غيرك، قال رحمه الله: "بات أخي عمر يصلي وبتُ أغمز قدمَ أمي، وما أحب أن ليلتي بليلته" (سير أعلام النبلاء).

وليس ذلك التنويع قاصرًا على ميدان الأعمال فحسب؛ بل يمتد كذلك إلى النبي، صلى الله عليه وسلم؛ وصف الجزاءَ المترتب على الجهاد قبل الحديث عنه؛ لتشتاق النفوس للخلود وتطرب القلوب للبذل وتستعد الأعناق للنحر، فقال صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ لأصحابه: "ألا مشمرٍ للجنة فإن الجنة لا خطرَ لها هي ورب الكعبة نورٌ يتلألأ، وريحانةٌ تهتز، وقصرٌ مشيد، ونهرٌ مطرد، وفاكهةٌ كثيرة نضيجة، وزوجةٌ حسناء جميلة، وحللٌ كثيرة في مقامٍ أبد في حبرة ونضرة في دورٍ عالية سليمة بهية"، قالوا: نحن المشمرون لها يا رسول الله، قال: "قولوا إن شاء الله"، ثم ذكر الجهاد وحضَّ عليه" (سير أعلام النبلاء).

أنذرتكم النار

هذه صيحة النبي- صلى الله عليه وسلم- لصحابته وأمته، صيحة مشفق وجل ومحب صادق رأى النار بعينه، فرجع يحذر منها ويخوف، وقد غرست هذه الصيحة في قلوب أصحابه؛ خوفًا حملهم على اجتناب ما يقرب من النار، وأنتم أيها الدعاة المخلصون قد رأيتم النار بعيني رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فورثتم دوره في النذاره والتحذير.

أضف تعليقك