بقلم: قطب العربي
نفخر أن عهد الرئيس مرسي لم تغلق فيه صحيفة أو قناة ولم يحبس فيه صحفي واحد، بل إن الرئيس تدخل بحكم ما كان يمتلكه من صلاحيات تشريعية عقب حل البرلمان لإصدار تعديل قانوني لإنقاذ صحفي.
شخصيا كنت واحدا من المسئولين عن الشأن الإعلامي في عهد الرئيس مرسي بحكم موقعي كأمين عام مساعد للمجلس الأعلى للصحافة، وقد شهدت في شهادتي المنشورة في هذا المكان بحدوث إنجازات نفخر بها في هذا الملف، مثل وضعنا قواعد وضوابط موضوعية لاختيار رؤساء المؤسسات الصحفية ومواجهة الفساد الذي زكم الأنوف فيها، وتطوير سياساتها التحريرية بما يتوافق مع مبادئ ثورة يناير، وكذا دعم حرية الصحافة، وحرية إصدار الصحف وفاء لعهد الثورة، كما اعترفت بوجود قصور وفشل في نواح أخرى، ولم أشعر بوخذ ضمير بهذا الاعتراف، بل حللت أسباب ذلك القصور أو الفشل، سواء كنا نحن المسئولين عنه، أو كان لأسباب خارجة عن إرادتنا.
بطبيعة الحال فإن الشأن الإعلامي لا يقتصر على المؤسسات الصحفية سواء قومية أو حزبية أو خاصة (وهو ما كان يقع تحت مسئولية المجلس) ولكن الأهم هو القنوات التلفزيونية سواء العامة أو الخاصة أيضا، وكانت المسئولية عنها تتوزع بين وزارة الإعلام المسؤولة عن قنوات وإذاعات ماسبيرو فقط، ووزارة الاستثمار المسؤولة عن القنوات الخاصة، وأشهد مجددا أن جهدا كبيرا بذل في الحالتين، وأن تغييرات تمت في ماسبيرو وخاصة في تعديل سياساته التحريرية التي لم تكن تعرف سوى الرأي الواحد، وكذا التخلص من عشرات القيادات الإعلامية الموالية لنظام مبارك.
وعلى كل حال فإننا نفخر أن عهد الرئيس مرسي لم تغلق فيه صحيفة أو قناة ولم يحبس فيه صحفي واحد، بل إن الرئيس تدخل بحكم ما كان يمتلكه من صلاحيات تشريعية عقب حل البرلمان لإصدار تعديل قانوني لإنقاذ صحفي واحد من الحبس الإحتياطي رغم أن هذا الصحفي خصص صحيفته التي رأس تحريرها لسب وقذف الرئيس في كل صفحاتها، لكن الرئيس الشهيد رحمه الله كان ينصحنا بأن نصبر ونحتمل مثل هذه التجاوزات مرددا “إننا في ديمقراطية وليدة بعد ثورة شعبية كبيرة، وإن التجربة الديمقراطية تصحح نفسها بنفسها مع الوقت”.
في شئون أخرى
دعنا من الشأن الإعلامي فقد كانت النجاحات أوضح في شؤون أخرى، ودعنا من نجاحات وزير التموين باسم عودة التي لا ينكرها حتى الخصوم، ولكن إذا نظرنا إلى العديد من الوزرات والهيئات الأخرى سنرى فيها نجاحات، إلى جانب إخفاقات وهذا أمر طبيعي في ظل حداثة التجربة، وفي ظل التربص المتعدد الأطراف الذي أحاطها من كل جانب بهدف تفشيلها، ولا يفوتني هنا أن أوجه الدعوة لكل وزير أو كل مسؤول تولى موقعا رسميا أن يسجل شهادته، ويحدد نجاحاته وإخفاقاته والتحديات التي واجهته حتى تستفيد منها الأجيال.
أعرف أن الجدل يتركز أساسا حول سياسات الرئيس ومؤسسة الرئاسة، وماذا حققت من نجاحات، في مقابل ما يكيله البعض لها من اتهامات بالفشل والإخفاق.
حسنا دعني أذكرك بأن الرئيس مرسي هو أول رئيس مدني منتخب يصل إلى حكم مصر ليكسر بذلك احتكارا عسكريا لهذا المنصب على مدار أكثر من ستين عاما، والله أعلم متى سيصل رئيس مدني آخر إلى حكم مصر.
ودعني أذكرك بأن هذا الرئيس كان هو ابن الثورة الذي نجح في مواجهة مرشح الثورة المضادة الذي كان قاب قوسين أو أدنى من الفوز بسبب ( ميوعة بعض القوى الثورية)
ودعني أذكرك أن هذا الرئيس فرض تقاليد جديدة مثل حلف اليمين الدستوري في ميدان التحرير أمام الشعب، وكرره مرة أخرى في جامعة القاهرة أمام النخب السياسية والثقافية.
ودعني أذكرك أن هذا الرئيس التزم بتعهداته مع القوى السياسية التي شاركت في اتفاق فيرمونت، واختار فريقا رئاسيا متنوعا من كل المشارب الوطنية،( سواء مساعدين لرئيس الجكهورية أو مستشارين له) ضم مسيحيا وامرأة كمساعدين للرئيس لأول مرة في تاريخ مصر.
ودعني أذكرك بأن هذا الرئيس لم يكن قد أمضى شهرين فقط في قصره حتى أطاح بغالبية أعضاء المجلس العسكري وعلى رأسهم حسين طنطاوي.
ودعني أذكرك أن كثيرا من منتقدي الرئيس الآن كانت أرجلهم ترتطم ببعضها حين صدر ذاك القرار خوفا من تداعياته.
ودعني أذكرك أن هذا الرئيس أطاح بالنائب العام الباقي من نظام مبارك إطاحة كانت مطلبا رئيسيا للثوار في ميدان التحرير، ولكن بعضا من هؤلاء الثوار كانوا شوكة في ظهر الرئيس، وعارضوا هذا القرار.
ودعني أذكرك أن هذا الرئيس شكل لجنة لتقصي الحقائق في قتل الثوار وشكل نيابة خاصة هي نيابة الثورة لمحاكمة قتلة ثوار يناير لولا أن الانقلاب عاجله.
ودعني أذكرك أن هذا الرئيس نجح في إعادة جنود مخطتفين في سيناء، واستقبلهم بنفسه، وهو ما لم يستطع مثله الجنرال المغتصب للسلطة حاليا.
ودعني اذكرك بأن هذا الرئيس كان حريصا على الحوار مع كل القوى الوطنية، ودعاهم للحوار في قصر الرئاسة، بل إنه عرض زيارتهم في منازلهم لكنهم رفضوا حين وصلتهم الإشارات من قيادة الثورة المضادة.
ودعني أذكرك بأن هذا الرئيس حقق مطلبين من مطالب الثورة وهما الحرية والكرامة وكان في طريقه لتحقيق ما تبقى من مطالبها لولا أن الانقلاب عاجله.
ودعني أذكرك أن هذا الرئيس حارب الفساد، وتحرك لإلزام كبار الفاسدين والمتهربين بدفع مستحقات الدولة لديهم من ضرائب ورسوم كما حدث مع نجيب ساويرس.
ودعني أذكرك بأن هذا الرئيس كان يمتلك رؤية واضحة للاستقلال الوطني (نملك غذائنا ودواءنا وسلاحنا).
ودعني أذكرك بأن هذا الرئيس هو الذي تصدى للعدوان الإسرائيلي على غزة عام 2012، وقال كلمته الخالدة “لن نترك غزة وحدها” وهو ما دفع قوات الاحتلال لوقف عدوانها فورا، كما أرسل رئيس وزرائه هشام قنديل إلى غزة ليكون أرفع مسؤول عربي يصل إلى القطاع المحاصر محملا بالمؤن والمساعدات الطبية والغذائية اللازمة.
ودعني أذكرك بأنه وعد فأوفى، قال للشعب: لن أخون الله فيكم، ووفى بوعده، وقال “الشرعية ثمنها حياتي” ووفى بوعده.
ودعني أذكرك بصموده الأسطوري في سجن انفرادي على مدار ست سنوات كاملة، تعرض خلالها لكل الضغوط المادية والمعنوية، ومحاولات القتل المتكررة التي نجحت أخيرا دون أن يركع أو يستسلم.
ملاسنات ومناكفات
لقد فهم البعض الشهادات أو المراجعات التي نقلت بعض الجوانب في حكم الرئيس بطريقة خاطئة، أو ربما اعتبرها البعض فرصة للنيل من الرئيس الشهيد وحزبه وجماعته، وتبرير مواقفهم المعادية له خلال حكمه بل قبل وصوله إلى الحكم وحتى بعد استشهاده، كما دخل البعض في ملاسنات ومناكفات لا داعي لها حول تلك المراجعات، والحقيقة أن هذه الشهادات حين تكتمل مع شهادات أخرى سواء لشخصيات حرة أو سجينة فإنها ستقدم صورة موضوعية لعهد الرئيس مرسي بما له وما عليه، فهو بشر يصيب ويخطئ، وقد أكد رحمه الله بنفسه “أنه أصاب وأخطأ”، وكان جاهزا لتصويب أي خطأ، ولكن كان من الواضح أن الثورة المضادة لم تحتمل عاما واحدا لحكم الرئيس فاستجمعت كل قواها المحلية والإقليمية وحتى الدولية للإجهاز عليه قبل أن يكمل نجاحاته، أو يعالج قصوره وأخطاءه، يكفيه شرف الوصول دون غيره إلى حكم مصر كأول رئيس مدني، ويكفيه محاولاته لتحقيق مطالب الثورة التي هي مطالب الشعب، ويكفيه فخرا أن تبكيه كل الشعوب الإسلامية وليس الشعب المصري فقط.. رحم الله الرئيس الشهيد.
أضف تعليقك