ملتحفًا العلم المصري، ومحاطًا بالجمهور المصري والعربي، تسلّم اللاعب محمد صلاح الجائزة الصينية، كأفضل لاعب في كأس العالم للأندية، على الأرض القطرية.
تلك هي مفردات الصورة التي يُراد من الجمهور المصري والعربي أن يصفّق لها ويحتفل بها، لتكون الرسالة، في نهاية المطاف، أن الصين، ممثلة في واحدة من أشهر شركاتها التجارية، تكرّم لاعبًا مصريًا عربيًا مسلمًا، اسمه محمد، في توقيتٍ شديد الأهمية، إذ تشتعل الصدور بالغضب من الجرائم المروعة التي ترتكبها السلطات الصينية ضد الملايين من أقلية الإيغور المسلمة، الأمر الذي فجّر موجاتٍ من الألم والاحتجاج لدي الضمير الإنساني كله، عبّر عنه اللاعب الألماني من أصل تركي مسعود أوزيل بتغريدة وضعته، وحيدًا، بمواجهة حرب إعلامية صينية تحاول الفتك به.
الإرهاب الصيني ضد مسلمي الإيغور ثابت وموثق بتقارير الإدانة الدولية، والصور واللقطات الحية تُظهر بشاعة أعمال المحو والإبادة بحق الإيغوريين، إلى الحد الذي ألهب مشاعر المحتفظين بضمائرهم حيّة في العالم كله، فما بالك بجماهير العالم الإسلامي التي راحت تحاول أن تتمرّد على العجز والهوان بإحياء دعوات مقاطعة المنتجات الصينية.
المحبّون لمحمد صلاح لم يكونوا يتمنّون له أن تكون هذه هي الجائزة، في هذا التوقيت، سواء كان هو الأحقّ بها، أم لا، وفي هذا تختلف التقديرات الفنية، وإن كان قطاع واسع من جمهوره يدرك أنه ليس الأجدر بها في هذه البطولة، وهذا لا ينفي تميزه وتفوقه على مستوى العالم كله، غير أن قطعان الوطنية الملوثة بكل عوادم القبح الحضاري والرداءة الإنسانية تأخذ المسألة إلى مجال آخر، تطفو فيه مخلفات سبع سنوات من عمليات سحق الضمائر وتغييب العقول، ومحو كل قيمة محترمة من وعي جمهور بات يرى العدو حليفًا، والشقيق عدوًا.
الجمهور الذي ينهال ببذاءةٍ على من ينادون بمقاطعة الصين تجاريًا، هو ذاته الجمهور السعيد بمنع سلطات النظام المصري نشر بيان صادر من الأزهر الشريف يدين الاضطهاد الديني، ويظهر تعاطفًا مع مسلمي الإيغور الذي يتعرّضون للإبادة، وهو ذاته الجمهور الذي صفق لاستيراد الغاز الصهيوني إلى مصر، وبلغة مباريات الكرة يتراقص طربًا وهو يستمع إلى عبد الفتاح السيسي حين قال "احنا جبنا جول جامد جدًا"، معلنًا توقيع اتفاقية الارتباط بالغاز مع إسرائيل مدة عشرين سنة، ليبدأ الكيان الصهيوني، في هذه الأيام، تصدير الغاز إلى مصر، فيعلن الإعلام الصهيوني أن وزير الذاقة وقع على التصاريح اللازمة لتصدير الغاز الطبيعي من إسرائيل إلى مصر، للاستخدام في السوق المحلي المصري، مطلع فبراير/ شباط المقبل.
كان عبد الفتاح السيسي يردد، طوال الوقت، إن مصر حققت الاكتفاء الذاتي من الغاز، وسوف تصدره للعالم، ثم استدار يستورده من الكيان الصهيوني، لتخرج أبواق الدعاية السوداء تهاجم رافضي هذا العار مدّعية أن الغاز الإسرائيلي من أجل الإسالة وإعادة التصدير، وليس للاستعمال المنزلي، وها هي تل أبيب تعلن الآن أنه للاستعمال في السوق المحلية المصرية.
قلت، في ذلك الوقت، وأكرر الآن، إن الأسوأ من التبعات الاقتصادية والسياسية لفضيحة استيراد الغاز الإسرائيلي وإسالته في مصر، هو إسالة المفاهيم الوطنية والأخلاقية، الأمر الذي يتحوّل معه تعريف الوطن من كيان مقدس، زمانياً ومكانياً، إلى ما يشبه الأكشاك على الطرق السريعة، يبحث عن الربح، بأي وسيلةٍ وتحت أي شرط، بدلاً من البحث عن المجد والعزة والكرامة الوطنية.
رافضو مقاطعة المنتجات الصينية، بذريعة الاحتياج، هم أنفسهم المهلّلون لاستيراد الغاز الصهيوني، على الرغم من الوفرة والكفاية، إذ ينتقل الموضوع من كونه عملية اقتصادية، تحكمها اعتبارات الربح والخسارة، إلى حاجة عاطفية لدي نظام عبد الفتاح السيسي، الساعي إلى تسخين علاقة الارتباط بالمشروع الصهيوني، أو تملق العملاق الصيني المتوثب للهيمنة على العالم.
أضف تعليقك