• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: د. محمد الصغير

صَاحبَ اغتيال قاسم سليماني الذي استهدفته طائرات أمريكية مسيرة، ردود أفعال على كافة الأصعدة تتناسب مع مقتل أحد أضلاع مثلث الحكم في إيران، بل والوجه الأكثر ظهورا وتأثيرا في الملفات الشائكة إقليميا، بحيث لم يعد خافيا على أحد أن قيادته لفيلق القدس اليد الباطشة للحرس الثوري الإيراني مكنته من لعب الدور الأبرز في قضايا دول الجوار، فلطخ يده وتاريخه بقتل عشرات الآلاف في سوريا والعراق، وحرص على الوجود الميداني على الأرض، مع التحامه المباشر أيضا مع حزب الشيعة في لبنان وزعيمه حسن نصرالله، والمتابعة عن كثب لتمدد عصابة الحوثي وسيطرتها على اليمن، وتقديم كل وسائل الدعم المطلوب لذلك.

كل هذا تم تحت سمع أمريكا ورضاها، وليس بالضرورة التنسيق معها، وهذه هي النقطة التي لن يُفك الاشتباك حولها في معرفة طبيعة علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بالجمهورية الإيرانية، والأمر لا يخلو من خلط والتباس، سببه نفي أصحاب وجهتي النظر المختلفة للرأي الآخر ورفض مجرد طرحه أو مناقشته! لاسيما من يؤمنون أن جوهر العلاقة سمن على عسل، وتفاهمات مشتركة، وأهداف واحدة، مع السماح بالمشاكسة والمشاغبة، والدعاء بالموت دون الإقدام عليه، للحفاظ على استمرار العلاقة غير الشرعية.

والرأي الثاني: يؤكد أن إيران في الصف الأمامي في أعداء الولايات المتحدة وهي كتفا بكتف مع كوريا الشمالية ومن لف لفهم من الدول التي ترفض الهيمنة والانصياع.

خلاف استراتيجي:
والذي يظهر لي أن مكمن الخطأ ناتج عن قياس عداوة أمريكا للمشروع الإسلامي، بعدواتها للمشروع الإيراني، والذي يُسلم أن لكل مشروع منهما وجهته التي هو موليها، بل ويقوم كل مشروع على الرغبة في ميراث الآخر، يدرك أن منطق العداوة الأمريكية مختلف للفريقين فعدواتها للمشروع الإسلامي صراع وجود، وينطلق من موروث ديني وإيمان عقدي، بدأ بالحملات الصليبية قديما وأحيتها أمريكا حديثا كما بدت البغضاء على لسان بوش الأبن، وما أخفى صدر أبيه أعظم وأكبر...

أما الخلاف مع إيران فهو خلاف سياسي استراتيجي تحكمه المصالح والمكاسب ومعرفة عوامل القوة والضعف لدى الخصم،

وحتى لو سلمنا بالرأي الذي يقول بالعلاقات التمثيلية فكون إيران تصل إلى درجة الندية "ولو صوريا" وأن تعلن أنها لا تبيت على الضيم، وتطلب الثأر وتُقدم عليه وتفعله أيا كانت آثاره ونتائجه، فإنها بذلك تقدم نموذجا لا يعرفه الذين يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون، ولا يكف دونالد ترمب عن التأكيد على هذه المعاني في خطاباته المتكررة.

إن أصعب المعارك التي تخوضها أمتنا الآن معركة الوعي، والخروج في مثل هذه الجولة بمكاسب يتطلب قدرا من الحكمة والتوازن، يبدأ من إدراك أن أمريكا قتلت قاسم سليماني لتحقيق أغراضها هي، وإصابة أهدافها وحدها، لكن اختارت أن تفعل ذلك على أرض العراق العربية، وإيران لم تدفن فقيدها حتى ردت وثأرت - ولو إعلاميا ومرحليا - ولكن على أرض العراق أيضا!

فنحن الساحة المستباحة من الطرفين الذين لا يقصران في حربنا والسعي للسيطرة على مقدراتنا، سواء اتفقوا في الكليات أو اختلفوا في الجزئيات فليس هذا هو محل تحقيق المناط.

موقف حماس:
أما الذي يحتاج إلى تحقيق وتدقيق فهو موقف حركة حماس من مقتل سليماني، والإشادة به وبمواقفه الحقيقية في دعمهم في الوقت الذي تخلى فيه عنهم أصحاب القضية، وتسابقوا لإقامة علاقات مع المحتل والتطبيع المجاني معه، حفاظا على كروش أترعت، وعروش تصدعت!

ويسع أهل السياسة في ذلك ما لا يسع غيرهم، ولهم أن يتعاملوا وفق قاعدة الضرورة التي تقدر بقدرها، أما أن تلبس التصريحات السياسية مسوح الأحكام الشرعية، ويطلق عليه لفظ الشهادة وهو أعلى المراتب الدينية بعد النبوة! فهذا خلط واضح وخطأ فاضح، ولو بقي في إطار الأراء السياسية والتصريحات الإعلامية لكانت اللائمة أخف، والمصيبة أقل، أما الإصرار والتكرار بين بيان وتأبين، وسرادق وعزاء، وحضور الجنازة ثم الطامة التي أنست ما قبلها بإطلاق لفظ شهيد القدس بالثلاثة، على رجل من أكثر من أوغلوا في حقوق المسلمين، وولغوا في دمائهم!

إذا سوغت الضرورة أكل الميتة فلا يحل للمضطر مدحها واستطابتها، ولا التزود منها أو التوسع في استعمالها، وإن تخندق السياسي حول مصالحه النفعية، فعلى علماء الأصول وحماة المبادئ أن يذكروا بها ويدافعوا عنها، ولا أكسد بضاعة، أو أفسد صناعة من عالم بالشرع يَقبل أن يكون منديلا للسياسي يمسح فيه أوزاره وأوضاره كلما زلّ أو تعثر.       

إن النظام الإيراني يدرك أن القدس هي قضية المسلمين الأولى والمركزية، وأن التمسح بها عز، والتقرب منها مجد، ودعمها شرف وسؤدد، وهم تجار مهرة أدركوا ذلك وأحسنوا استغلاله، في مقابل صنف آخر من الفشلة يبيعون الأرض والعرض رجاء رضا أمريكا وربيبتها، وهم في مصاف سليماني في الإجرام بحق الأمة، لكن انتهزوا كبوة حماس، ونفخوا في نارها نيلا من جهادها، وتنفسيا عند حقد في النفوس لا يقل أواره عن نار المجوس.

أضف تعليقك