بقلم.. مستشار الرئيس التركي ياسين أقطاي
إن الوجود التركي في ليبيا لا يحمل في أي جانب من جوانبه معنى الحرب ضد الشعب الليبي، بل على العكس تمامًا، هي جاءت لوقف العدوان الممنهج ضد الشعب الليبي، وضد محاولة احتلاله، ولقد جاءت بدعوة مباشرة من الحكومة الشرعية التي تمثل الشعب الليبي بشكل رسمي، حيث أن هناك قوى أجنبية تسعى بكل جهدها إلى تدمير تلك الحكومة الشرعية بشكل كامل، تحوم تلك القوى مجتمعة فوق النسور مستهدفة الحكومة الليبية الشرعية التي تُركت دون قوة تدفع بها عن نفسها.
إن حفتر لا يمتلك أي دعم اجتماعي أو شرعي في ليبيا، على العكس؛ بل إنه في نظر المجتمع الدولي، مجرد مجرم بسبب ما يرتكبه من جرائم حرب ضد الإنسانية، ولا بد أن يحاسب على تلك الجرائم يومًا ما، كما أن من الواضح أن القوى الأجنبية التي تقوم بدعمه، تأخذ نصيبها من ثروات الشعب الليبي التي يحتلها، تأتي على رأس تلك القوى الأجنبية دولة الإمارات العربية المتحدة، لقد باتت الإمارات تقف وراء كل فتنة تحدث في بلدان العالم الإسلامي؛ وأصبح ذلك حقيقة محفورة في ذهن وعقل الجميع، طبعًا نحن عندما نقول “دولة” فإنني ننزه الشعب وقسمًا كبيرًا من المسؤولين عمّا نصف به تلك الدولة.
إن ذعر محمد بن زايد من الديمقراطية وكراهيته لها، ينبع إلى حد كبير من هاجس شخصي داخلي، حتى ولو لم يكن هناك ثروات طبيعية في ليبيا، فإن وجود حكومة طرابلس الشرعية التي تمثل الشعب الليبي، كافيًا لأن يكون سببًا لإشعال فتنة من قبل محمد بن زايد، إن حربه مع الديمقراطية فحسب، لكنه يحاول زيفا تسويق تلك الحرب على أنها حرب ضد الإرهاب، وهو يعلم أنه لا مصداقية له إطلاقًا، فهو يعتبر رأس حربة الإرهاب في العالم الإسلامي، في الوقت الذي يسوق فيه لنفسه على أنه البطل الذي يحارب الإرهاب.
إن أكبر إرهابي في ليبيا، هو ذلك الذي يقوم محمد بن زايد بدعمه بالسلاح وغيره، من أجل احتلال ليبيا، وإن أكبر داعم لحفتر في ليبيا، هي السلفية الأكثر تشوّهًا والتي يدعمها محمد بن زايد هي الأخرى، لتتحرك جنبا إلى جنب مع حفتر، هذه السلفية المشوّهة التي نتحدث عنها، تمثل التنطع باسم الإسلام، والتعصب الأعمى، وعدم تحمل الآخرين، والراديكالية، وإن من الواضح بشكل تام، أن هذه لا علاقة لها بالسلفية الصالحة لا من قريب ولا من بعيد، بل يتم تغذيتها مباشرة من قبل السعودية والإمارات، فهم من قاموا مؤخرًا بتسليم مدينة سرت دون أدنى مقاومة لقوات الانقلابي والمحتل حفتر، وخانوا شعبهم، كما أن هناك الكثير من المرتزقة جاؤوا من السودان ودول إفريقية أخرى، ليقاتلوا ضمن صفوف قوات حفتر، كل هؤلاء تحاول إدارة الانقلاب أن تقف على قدميها معتمدة عليهم.
باختصار؛ إن التدخل الإماراتي في ليبيا لا يجلب أي شيء للشعب الليبي سوى عدم الاستقرار والقتل واللجوء والفقر، واليوم يتسبب انعدام الاستقرار الناتج عن هذا التدخل في ترك الليبيين بيوتهم، مهاجرين نحو دول أخرى، بالطبع ليست الإمارات وحدها من تقوم بدعم حفتر، هناك فرنسا، ومصر، وروسيا، وحتى الولايات المتحدة كلهم قاموا وما زالوا يقومون بدعمه، وإن هذا الدعم لا يزال مستمرًّا على الرغم من إعلان الأمم المتحدة حفتر مجرم حرب، واعترافها بحكومة طرابلس وحدها حكومة شرعية في ليبيا، وبينما الحال على ما نراه ونعاينه، نرى ونسمع أن الخارجية السعودية تدين قرار البرلمان التركي إرسال جنود إلى ليبيا، لكن أكثر شيء لفت النظر ويعتبر الأكثر فضيحة في تلك التصريحات؛ ما ورد في بيان الخارجية: “إن هذه الحملة التركية تشكل تهديدًا للأمن والاستقرار الليبيين، فضلًا عن تهديدها للدول العربية والمنطقة، إضافة إلى أنها تخرق المعاهدات والمبادئ الدولية بشكل واضح، وهي بمثابة تدخل في شؤون دولة عربية”.
لقد قلنا سابقًا أكثر من مرة في مناسبات مختلفة، إن الجامعة العربية بشكل عام، والسعودية بشكل خاص؛ لا يتذكرون أنهم عرب سوى أمام تركيا، لماذا يا ترى؟!، هناك مثلًا إيران، روسيا، الولايات المتحدة فرنسا وإسرائيل، كل هذه الدول غير العربية قد قلبوا سوريا رأسًا على عقب، وتسببوا بمقتل أكثر من مليون عربي مدني، وتهجير قرابة 12 مليون آخرين من بيوتهم، وسوّوا الإرث الحضاري التاريخي الثقافي الإسلامي العربي بالأرض؛ ورغم كل ذلك؛ لم تتذكر السعودية أن سوريا دولة عربية، إلا عندما تدخلت تركيا لإيقاف حمام الدم، بحق المزيد من السوريين العرب، ووقف تهجير المزيد منهم، الشيء ذاته يحصل في ليبيا. الكل في ليبيا يضرب بالشعب العربي الليبي، لكن حينما يدعو الشعب الليبي بنفسه، دولة مثل تركيا لنصرته وحمايته؛ ترفض السعودية ذلك باسم العروبة، ولعمري إن في ذلك من التناقض ما يزيد الأمر عارًا وعارًا.
لكن دعونا نذكرهم بواجب عروبتهم الذي يهملونه ويغفلون عنه كمثال حي واقعي، يمكنهم أن يقوموا به باسم العروبة ذاتها؛ الآن هناك إخوة لنا من العرب البؤساء يفرون من جحيم قصف الأسد، وروسيا، وإيران، على مدينة إدلب، في ظل ظروف الشتاء القاسية، هيّا هبّوا لتُدينوا قصف الأسد، وروسيا، فهم يقتلون ويشردون المدنيين العرب، دعونا من الإدانة، ولتجيبوا على سؤالنا هذا، لماذا يفر المدنيون العرب من جحيم القصف على إدلب نحو تركيا، وليس نحو السعودية؟ أليس السبب هو السبب ذاته، الذي يقف وراء طلب المدنيين الليبيين الذين يتعرضون لقصف حفتر والإمارات؛ المساعدةَ من تركيا لا السعودية؟ إذا كان هذا لا يكفي لأخذ الدرس والعبرة، فماذا يمكننا أن نقول أكثر من ذلك؟.
أضف تعليقك