• الصلاة القادمة

    العصر 13:46

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: سليم عزوز

كان سؤال الوقت هو مصر إلى أين؟ ليصبح السؤال البديل هو أين مصر؟!

ففي الأيام الأخيرة، شهدت المنطقة صراعات كبيرة في أكثر من ميدان، وشهدت تحركات لدول عدة، من بينها دول صغيرة لعبت أدوارا كبيرة، بينما مصر غائبة تماماً، وعندما حضرت في أحد الملفات لعبت أدواراً صغيرة، من منطلق المكايدة، وكيد النساء، فلما صار الحدث بحجم الكبار، اختفت من جديد، فليس هذا هو أوان لعب الصغار!

عندما نقول مصر، فنحن نقصد سلطتها الحاكمة، المعترف بها دولياً، بغض النظر عن وجهة نظرنا فيها، من حيث أنها تفتقد الشرعية، ولا تعبر عن بلد عظيم كمصر، لكننا أمام ما يُعرف بالقانون بـ"الموظف الفعلي"، وهي سلطة قزمت مصر بدفعها للغياب، حيث يستوجب الحضور، وبالحضور حيث لا يليق بها أن تكون!

خلف الجيش:

في الأزمة الليبية، وعندما وافق البرلمان التركي على تفويض الحكومة في إرسال قوات إلى ليبيا، قامت قيامة الأبواق الإعلامية للسيسي، ودقت طبول الحرب، باعتبار أن الوجود التركي على الأراضي الليبية يمثل غزواً يعطي للجيش المصري الحق في التدخل لدحر العدوان، واستمعنا لخطاب استقطابي، يدعو المصريين للوقوف خلف الجيش، وعلى أساس أن من لم يصطف خلف جيش بلاده فهو خائن، دون إعلان التعبئة العامة، أو قرار "الموظف الفعلي" بإعلان الحرب في ليبيا. وقد جاء بعد فترة من الشحن العاطفي، ليقول إنه لن يسمح لأحد بجره للحرب. فقد تحقق له المراد بالدعوة، وعلى أساس أن وقوف الشعب خلف جيشه يؤدي بالضرورة لتأييده للسيسي، باعتباره خيار الجيش وممثله، كما عبر عن هذا أكثر من مرة بصياغات مختلفة، فقال إن الجيش اختار أفضل من فيه للحكم، كما أكد أنه بعد ولايته سيعود الحكم للجيش مرة أخرى، كما لو كان حكم البلاد اختصاصا معقوداً له!

لم ينتبه السيسي لخطورة عملية الشحن، التي كانت سبباً في مظاهرات ضاغطة على صاحب القرار بخوض الحرب مع إسرائيل، في عهدي عبد الناصر والسادات، ووصلت إلى حد أن يدفع الشعور الوطني إلى أن يشارك نجل الرئيس جمال عبد الناصر الأكبر (خالد)، الطالب في كلية الهندسة بالاعتصام بجامعة القاهرة، لحمل والده على البدء في حرب رد العدوان!

ما علينا، فبعد الشحن والتعبئة جرى التفريغ، بالإعلان أن أحدا لن يجره للحرب، وإن كان الاعتقاد بأن ليبيا شأناً داخليا لم يتزعزع، وعليه كان اجتماع الصغار (اليونان وقبرص) في القاهرة، من بند واحد هو منع الغزو التركي لليبيا!

دور الكبير:

فات القوم أن مصر عندما صغرت بسبب "الموظف الفعلي" الذي قرر أن يكون وكيلا لأعمال محمد بن زايد في المنطقة، فقد تسبب هذا الفراغ في حضور تركيا إليها. ومصر الكبيرة ينبغي أن تدرك أن الأمن القومي المصري ينبغي أن يبدأ بمناصرة الشعب الليبي في اختيار حاكمه، وأن الخطر يأتي دائما من خليفة حفتر ومليشياته وتحالفاته، وإيمانه بأن مصر طامعة في بلاده (عبر عن ذلك في بداية ظهوره)، وهو ما يؤكد أنه ليس الشخص المناسب لحكم ليبيا!

وكان ينبغي أن تقوم مصر بدور الكبير، فتستقبل كافة الأطراف الليبية للوصول لكلمة سواء، لأنه إذا تنازع الليبيون فإن الخطر سيكون محققاً على الأمن القومي المصري، ومع هذا يقف السيسي في طريق تعقيد الأزمة وليس حلها، فهو ليس مؤهلاً (وقد مزق الشعب المصري) لأن يكون أخا أكبر للفرقاء الليبيين!

لم يلتفت أحد لاجتماع القاهرة، لأنه كان على مستوى الصغار الذين إذا سئلوا الفتنة أتوها، لتكون المفاجأة باستجابة خليفة حفتر للقرار الروسي بوقف إطلاق النار، بعد اجتماع للكبار في إسطنبول (أردوغان وبوتين) ليكلل بدعوة السراج وحفتر إلى موسكو، مع غياب كامل لمصر، لتعقد الاجتماعات بحضور وزراء الخارجية والدفاع (من روسيا وتركيا)، وكأن مصر ليست شيئا مذكورا، فلم تعرب حتى عن ارتياحها لذلك (وهي بالطبع ليست مرتاحة له) ذرا للرماد في العيون، والتأكيد على أن كل ما يجري يتم بالتنسيق معها، حتى وإن كان الجنين في بطن أمه يعلم أن احداً لم ينسق معها سواء الحليف الروسي، أو الغريم التركي الذي صار لاعباً رئيسيا في الأزمة الليبية، بل هو اللاعب الإقليمي الوحيد، فيلتقي به رئيس الوزراء الإيطالي لبحث الأزمة، وتتحدث معه ميركل لمحاولة التوصل لحل فيها، مع أن مصر كانت قد رفضت أي دور له، على أساس أنها صاحبة القرار الأوحد في ليبيا، باعتبارها الحديقة الخلفية للقاهرة!

بيد أن العالم لم يأبه بأسلوب المكايدة، وإعلام "فرش الملاية" والردح، وذهب إلى من صار "كبيراً" بتصرفاته. وما كان لتركيا أن يكون لها أي دور، لولا عملية التقزيم لمصر، لتصبح "على مقاس" الموظف الفعلي، الذي جعل منها مجرد أداة لتحويل أحلام حاكم أبو ظبي إلى أوامر، وما يريد إلا الخراب في كل المنطقة!

الأزمة الإيرانية- الأمريكية:

ولم يكن المشهد الليبي وحده الذي شهد غياباً لمصر، فمصر/ السيسي غابت تماماً في الأزمة الإيرانية- الأمريكية، وما كان لها أن تغيب، وكان ينبغي أن يكون لها دور يليق بمكانتها التاريخية، فقد غابت في وقت شاهدنا فيه وزير خارجية قطر في اليوم الأول للأزمة في طهران، سيقولون إنه كان حامل لرسالة للجانب الإيراني، وليس عندي معلومات تنفي هذا أو تؤكده، كما لا توجد عندي رغبة في النفي!

فحسنا، قطر كانت تقوم بدور إذن؟ فألا يعد هذا في حده الأدنى كاشفا عن الغياب لمصر؟!

الحقيقة، أن قطر قامت بهذا الدور لأنها لم تفتعل خلافا مع إيران، ومساحة العلاقة سمحت لها بأن تقوم بهذا الدور الكبير، في أزمة دولية لكن الحاكم العسكري، يستقيم أكثر مما ينبغي، وهو يرى أن علاقته بإيران يمكن أن تغضب ساكن البيت الأبيض، فيبالغ في الابتعاد، تماماً كما ناصب حركة حماس العداء وأحكم اغلاق الحدود مع غزة، حتى أوشك أن يقتل أهلها جوعا ومرضا، ظنا منه أنه بذلك يرضي إسرائيل، التي لم تكن مع هذا الجنون، لأنه ليس أصعب عليها من شعب يواجه الحصار الخانق، ثم إنها كانت تريده في بعض الملفات "وسيط خير"، ففتح الباب لحوارات مع قادة الحركة، فأربك صفوف مؤيديه، الذين قام خطابهم على أن اسم الشهرة للشيطان هو "حماس"!

وحالة القطيعة مع طهران منعته من أن يقوم بدور، ثم إن شعور عبد الفتاح السيسي بأنه ليس على مستوى التدخل في ملفات ساخنة وخلافات بين الكبار، جعله يتعامل كما لو أن مصر مجرد نقطة على الخريطة لا تُرى بالعين المجردة.

لقد غابت مصر، حتى صار سؤال الوقت هو أين هي؟.. فمن يقول للموظف الفعلي: إن مصر "كبيرة عليك"؟!

أضف تعليقك