• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم.. سيف الدين عبدالفتاح 

اعتقلت أجهزة السيسي الأمنية في نظام الثالث من تموز/ يوليو؛ 32 سيدة من قبيلة الفواخرية، كبرى قبائل مدينة العريش في شمال سيناء، الأمر الذي يثير غضب الأهالي بشدة ضد الجيش والشرطة لما للنساء من حرمة لا يرعاها نظام السيسي. فهل يُعد ذلك مؤشرا يأتي في إطار ما يتبناه نظام الثالث من تموز/ يوليو الانقلابي لتمرير صفقة القرن؟ وهل يُعد هذا تأكيدا على عمل هذا النظام وبشكل ممنهج ومستمر من أجل التنفيذ المستقبلي لصفقة القرن وتفريغ سيناء تماما من أهلها، بعد أن تواترت الروايات على أن تكون سيناء أحد الخيارات في توطين الفلسطينيين بعد تلك الخطة التي اعتمدت حلا للقضية الفلسطينية بالتصفية الكاملة لكل عناصرها؟

يبدو أن هذا الفصل الخسيس باعتقال النساء بدعاوى مختلفة وربما مختلقة ليس إلا عملا دنيئا لتفريغ سيناء؛ توطئة لعمل يشكل ترجمة لتصفية القضية الفلسطينية والحقوق الثابتة المرتبطة بها. لقد كشفت صفقة القرن وفضحت الأنظمة العربية التي تسهم مع الكيان، والمشتركة معه ومع الإدارة الأمريكية في صياغة الصفقة، وهي التي أبدت من قبل وبلا مواربة تعهدها بتطبيق ما يطلب منها أو تكلف به، ومن ثم لا يُستغرب ما أكدت عليه مصادر مصرية مطلعة على ملف الوساطة التي يقوم بها جهاز المخابرات العامة المصري بشأن التهدئة في قطاع غزة؛ من استمرار العمل بمسار الهدنة وعدم تأثّره بالإعلان الأمريكي الرسمي عن خطة الإملاءات لتصفية القضية الفلسطينية المعروفة بـ"صفقة القرن" أخيرا، رغم الموقف المصري الرسمي المتجاوب مع طرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والداعي للتفاوض المباشر بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

وفي هذه الأجواء شهد هاشتاج "#السيسي_باع_سيناء" تفاعلا من جانب رواد مواقع التواصل الاجتماعي، رفضا لمساعي نظام الثالث من تموز/ يوليو بمشاهد إخلاء المزيد من أهالي سيناء للمساهمة في تمرير "صفقة القرن" الصهيونية الأمريكية، والتي تهدف لتصفية القضية الفلسطينية.

ليس أسوأ في تاريخ القضية الفلسطينية من صفقة القرن سوى احتلال فلسطين وضياعها، والتآمر عليها ونكبتها، وطرد أهلها وتشتيت سكانها. فإن كانت فلسطين الأرض والوطن والتاريخ والمقدسات قد بدأ احتلالها صهيونيا قبل العام 1948، وتواصل بعد ذلك إلى أيامنا هذه، فإن صفقة القرن تشطب القضية الفلسطينية كليا، وتنهي ملفاتها وتنفي الصفة عن أبنائها، وتشتت أهلها تحت جنسياتٍ عدةٍ وفي كنف بلادٍ عديدةٍ، وتشرّع للمستوطنين اليهود الذين وفدوا إلى فلسطين الأرض التي اغتصبوها والديار التي سكنوها، وتسوي مشاكلهم مع دول الجوار ليأمنوا الخطر ويعيشوا في سلامٍ، وتنعش اقتصادهم وتنمي أموالهم، وتخلق لهم أسواقا عربية مكشوفة، تدخل إليها بضائعهم علنا وبصورةٍ مباشرة، ولا يضطرون إلى التزوير والخداع لتصل إليها، وذلك لخلق أجواء طبيعية من السلم والتعايش والقبول والتعاون، مع المواطنين العرب، فضلا عن الاعتراف بوجود دولتهم ورفع علمها وتبادل العلاقات الدبلوماسية معها في إطار تدبيج قبول فاضح من متصهينة العرب الذين بدا بعضهم يتخفف من التخفي؛ فصار يعلن انحيازه بلا مواربة وببجاحة منقطعة النظير للكيان الصهيوني، متحدثا عن "حقوق" هكذا هذا الكيان في العيش في سلام؛ بينما يدين أي شكل من أشكالا المقاومة متهما إياه بالإرهاب!!

وضمن خطة من التعتيم المعلوماتي المقصود بإخفاء حقيقة ما يجري في سيناء ضمن عمليات تعتيم أكبر حول صفقة القرن، تعاني شبه جزيرة سيناء تعتيما إعلاميا كبيرا من قِبل سلطات الانقلاب العسكري في مصر، وسط حصار أمني مشدد، واعتقالات واسعة لصحفيين ونشطاء؛ لحجب أي أصوات مخالفة لرواية الجيش والشرطة للأحداث هناك.

وفي حزيران/ يونيو من العام الماضي، اتهمت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية نظام عبد الفتاح السيسي بحجب حقيقة ما يجري في سيناء من عمليات قتل وتجويع وتشريد لآلاف المدنيين من أهالي المنطقة؛ بحجة محاربة مقاتلي تنظيم داعش، ووصفت الصحيفة في افتتاحيتها ما يجري في شبه جزيرة سيناء بأنها هي معارك وحشية يشنّها الجيش المصري ضد مقاتلي داعش هناك، حيث فشلت تلك القوات في القضاء على التمرد المتجذر في ظل الحرمان والمظالم المحلية الأخرى التي تعاني منها شبه جزيرة سيناء.

وأضافت واشنطن بوست: "لقد أدّت العمليات العسكرية، التي شملت عمليات التجويع الجماعي وقصف المناطق المدنية وطرد عشرات الآلاف من الناس من منازلهم، إلى مقتل الآلاف، كما تم اعتقال وتعذيب الآلاف غيرهم. كما أنها أصبحت حربا دولية في ظل تقارير تشير إلى مشاركة إسرائيل في تنفيذ عشرات من الغارات الجوية على الأراضي المصرية".

وتتابع الصحيفة في افتتاحيتها: "لقد بذلت الحكومة الاستبدادية في مصر جهودا كبيرة لمنع جميع التقارير المستقلة، حيث لا يُسمح للصحفيين المحليين أو الأجانب بدخول سيناء، بل حتى مجموعات الإغاثة الإنسانية، مثل الهلال الأحمر المصري واللجنة الدولية للصليب الأحمر، تم إبعادها، وكل ما يصل من تقارير هي ما تنشره الصحافة التي تسيطر عليها الحكومة بصورة شبه كاملة".

وتتكامل هذه الخطة بعمليات التهجير الممنهجة والمنظمة ضمن خطة تفريغ سكاني مقصود، وهو ما حدا بمنظمة دولية حقوقية لأن تُخرج تقريرا شديد الأهمية في عنوان شديد الإيحاء للدلالة على عملية التهجير القسري: "اللي خايف على عمره يسيب سينا".

يقدّم تقرير "اللي خايف على عمره يسيب سينا: انتهاكات قوات الأمن المصرية ومسلحي "داعش" في شمال سيناء"، الصادر في 116 صفحة، صورة مفصلة لنزاع لا يحظى بتغطية إعلامية كافية، وأسفر عن مقتل وجرح الآلاف، منهم مدنيون ومسلحون وأفراد أمن، منذ تصاعد القتال عام 2013.

وثّق التحقيق الذي أجرته "هيومان رايتس ووتش" على مدى عامين جرائم تشمل الاعتقالات الجماعية التعسفية، والإخفاء القسري، والتعذيب، والقتل خارج نطاق القضاء، وهجمات جوية وبرية قد تكون غير قانونية ضد المدنيين. وبينما كانت القوات المسلحة وقوات الشرطة المصرية مسؤولة عن غالبية الانتهاكات الموثقة في التقرير، ارتكب المسلحون المتطرفون أيضا جرائم مروعة، بما فيها خطف وتعذيب عشرات السكان، وقتل بعضهم، والإعدام خارج نطاق القضاء بحق عناصر الأمن المحتجزين.

يُوثق هذا التقرير أيضا كيف نفذ الجيش والشرطة المصريَّين اعتقالات تعسفية منتظمة وواسعة النطاق طالت حتى الأطفال، والإخفاء القسري، والتعذيب، والقتل خارج نطاق القضاء، والعقاب الجماعي، والإخلاء القسري؛ وهي الانتهاكات التي حاولت إخفاءها من خلال فرض حظر فعلي على أي رصد مستقل. ومن المحتمل أن يكون الجيش قد شن أيضا هجمات جوية وبرية غير قانونية قتلت العديد من المدنيين (بمن فيهم أطفال)، واستخدم ممتلكات مدنية لأغراض عسكرية. بالإضافة إلى ذلك، قام بتجنيد وتسليح وتوجيه مليشيات محلية، تورطت في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، مثل التعذيب والاعتقالات التعسفية، وغالبا ما تستغل موقعها لتصفية حسابات شخصية. وكذا وثقت ذات المنظمة في السابق انتهاكات أخرى في سيناء لم تُدرج في تقريرها هذا، منها إخلاء المساكن والتدمير غير القانوني للمنازل، وإجلاء الجيش المصري قسرا لعشرات آلاف السكان، مع مساعدة قليلة أو منعدمة في الحصول على سكن مؤقت، ودون وسيلة للإنصاف القضائي.

إن الربط بين تلك الأحداث المتوالية والمتشابكة تجعل صفقة سيناء في قلب صفقة القرن. ومن المهم أن تتدبر حديث "كوشنر"، مستشار الرئيس الأمريكي ترامب وزوج ابنته وأحد مصممي صفقة القرن لحساب الكيان الصهيوني، مع أحد الإعلاميين المصريين، حينما أشار الى مشاركة السيسي في صياغة صفقة القرن والتنفيذ، وهو أمر قد يشير أن صفقة سيناء في قلب صفقة القرن.

أضف تعليقك