هل الإعلام عامل مساعد ومؤثر في الثورات أم إنه مُنشئٌ لها من العدم؟ هل الإعلام هو الذي يقود السياسة ويوجهها أم إن السياسة هي التي تقود الإعلام وتوجهه؟
تغيب عن العقل الإجابة عن هذين السؤالين في ظل حالة السيولة وعدم نضوج مشروع أو رؤية حقيقية وأفق فكري، مع غياب الطليعة الواعية، في خضم حالة التيه التي تعيشها شعوب منطقتنا، وقبلهم النخب التي فشلت في فهم الواقع فصارت عبئاً على الشعوب، لا قائدة لها نحو تحقيق أهدافها في العيش والحرية والكرامة الإنسانية.
الإعلام أو الاتصال هو علم من العلوم الإنسانية التي لا يوجد تعريف واضح واحد جامع مانع لها، ولكن دعونا نقرب الصورة ونقف على حقيقة الإعلام من خلال أحد هذه التعريفات: "الإعلام هو تزويد الجماهير بالمعلومات والحقائق (الصادقة) عن جوهر الأحداث والقضايا بهدف تكوين رأي عام مستنير".
وهذا يعني أن دور الإعلام (التقليدي والجديد) هو تزويد الجمهور بكل المعلومات والتفاصيل والأرقام والإحصائيات والأخبار الحقيقية الصادقة المعززة بالمصادر الموثوقة؛ حول القضايا والأحداث والموضوعات، بعيداً عن الصراخ والصوت العالي وانتفاخ الأوداج، والقيام بكل الحركات وتقمص دور المحلل لكل القضايا من أجل أن يُكون المتلقي وعياً حقيقيا بالأحداث والقضايا؛ يدفعه لاتخاذ القرار أو الفعل المناسب باتجاه التغيير المنشود.
والثورة أو التغيير بطبيعة الحال هو عدم رضا بالواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي.. إلخ؛ يدفع الجماهير للخروج من أجل تغيير هذا الواقع البائس إلى الأفضل. ودور الإعلام (لا أتحدث هنا عن إعلام السلطة، فهو لن يقوم بهذا الدور) هو تسليط الضوء علي معاناة الشعب وآلامه وحقيقة الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإقليمية والدولية بصدق وأمانة، دون زيادة أو نقصان أو تزييف للمعلومات والحقائق (فليس معنى وجود سلطة فاسدة أو ظالمة مستبدة أن يكذب الصحفي أو الإعلامي أو ينقل معلومات مغلوطة مجهولة المصدر وغير حقيقية، ظناً منه أنه بذلك يخدم قضيته)، لتقف الجماهير أو المتلقون على حقيقة أوضاعهم ويقتنعون بضرورة التغيير وتتحرك من أجله.
طليعة التغيير
لا بد من وجود طليعة واعية ومخلصة، تؤمن بضرورة التغيير وحتميته، وتقود المجتمع بشجاعة وحكمة وروية وفق مشروع تغييري أو ثوري واضح ومحدد المعالم، باستراتيجيات وخطط وأهداف وتوقيتات زمنية، بحيث تقف الجماهير على حقيقة الطريق التي ستندفع إليه، وصعوباته ومخاطره ومآلاته، فتكون التضحيات لها ثمن ولا تذهب سدى.
مشروع التغيير
إن الإعلام ينجح ويؤثر ويقوم بدور فعال إذا عمل في إطار مشروع تغييري واضح ومحدد المعالم؛ يستهدف كل شرائح المجتمع وفق خطاب واع يناسب كل شريحة، يعني لا بد من وجود مشروع أو استراتيجية تغيير تُبنى عليها الاستراتيجيات الإعلامية لإحداث التغيير. فالإعلام لا يُنشئ التغيير أو الثورة من العدم، ولكنه عنصر مهم وعامل مؤثر جداً وفاعل في الثورة والتغيير إذا كان في إطار مشروع، ودون هذا المشروع لن يترك الإعلام التأثير الإيجابي المطلوب بل ربما يكون ذا تأثير سلبي.
فالمشروع أو الإطار الفكري أو الأفق النظري هو زاد الشعوب في مواجهة الاستبداد، وهو الضامن لعدم ضياع جهدها وتضحياتها.
السياسة (المشروع) والإعلام
سأضرب هنا مثالين عن طبيعة العلاقة بين السياسة (المشروع) والإعلام:
الأول ما قامت به أمريكا بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر عام 2001 حملة إعلامية دعائية ضخمة تحت عنوان "الحرب علي الإرهاب"، شيطنت بها طالبان في أفغانستان ونظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.. هذه الحملة مهدت الأرض لتدمير أفغانستان والعراق واحتلالهما، أي أن الحملة الإعلامية الضخمة كانت في إطار المشروع الإمبريالي الأمريكي، وكانت سابقة وممهدة له.
المثال الثاني.. هو الانقلاب العسكري على التجربة الديمقراطية الوليدة بمصر في 3 تموز/ يوليو 2013، هذا الانقلاب المرتب (مشروع انقلاب) كان الإعلام الممول سعودياً وإماراتياً أحد أهم أدواته، إلى جانب الغطاء السياسي الذي وفرته المعارضة المغرر بها والدعم الإقليمي والدولي اللامحدود، انتهاء بإعمال الآلة العسكرية في القتل وسفك الدماء الذي لم تشهده مصر طوال تاريخها الحديث، مصحوباً بصمت دولي وإقليمي مريع، (الحملة الإعلامية الضخمة التي اتهمت الرئيس المنتخب وكل من يؤمن بالثورة بكل نقيصة أدت في النهاية إلى الانقلاب وسفك الدماء بلارحمة).
الخلاصة
لا بد من وجود مشروع تغيير أو ثورة واضحة ومحددة المعالم، تقودها طليعة وطنية واعية مخلصة منزهة عن الأهواء والمطامع. يعمل الإعلام في إطار هذا المشروع الواضح بخطاب سهل الاستيعاب، يجمع ولا يُفرق، يُجمل لا يُفصل.. خطاب تعبئة في الداخل مُطمئن للخارج. دون هذا المشروع سيكون تأثير الإعلام ضعيفاً وربما سلبياً، فالجماهير لن تستجيب لدعوات التغيير والثورة غير المؤطرة بإطار فكري أو أفق نظري.
(الشعب لن يندفع معك ويضحي ويدفع الأثمان الباهظة للتغيير من أجل سراب).
أضف تعليقك