ما بين تاريخ الميلاد ويوم الوفاة تمكّن حسن البنا، الذي أوعزت باغتياله المحابرات البريطانية والامريكية، فقتله الملك في 12 فبراير 1949، من أن يحفر اسمه بحروف من نور بين مجددي الدين والوطنية والعلم في مصر والعالم، وربى أجيالا من الرجال الذين قدموا، وما زالوا، نماذج حية في العطاء للدين والوطن.
ودعا الإمام حسن البنا، المرشد الأول لجماعة الإخوان المسلمين إلى توحيد صفوف المسلمين بوجه أعداء الأمة وقاد زحفا إسلاميا محدوددا بمصر وبلاد الشام لمواجهة عصابات اليهود، وعلى أثرها تعرَّضت الجماعة للمؤامرات، وانتهت بحلّها واعتقال رجالها، وهذا الزمان ليس ببعيد.
الله أكبر ولله الحمد
ومن معاصريه، كتب علي ماهر رئيس مجلس الوزراء الأسبق، (1881 - 1960) من أعيان الشراكسة في مصر، وهو سياسي مصري بارز شارك في ثورة 1919، وتسلم وزارة المعارف عام 1925 وشغل منصب رئيس وزراء مصر أربعة مرات كان أولها في 30 يناير 1936 وآخرها عند قيام ثورة يوليو 1952، يقول: "عادت بي الذاكرة إلى عام 1935، حين زارني الفقيد الكريم مع بعض أصدقائه بمناسبة انتقاله بجماعته من الإسماعيلية إلى القاهرة، متحدثًا في بعض الشئون العامة، وكان حديثه يشرح صدري وأسلوبه يشهد بموفور الثقافة الإسلامية والبصر بشئون الأمم العربية، وبراعة المنطق وقوة الحجة، وكان إلى ذلك شديد الإيمان بأنه يؤدي رسالة إنسانية سامية، دعائمها الإخاء والمحبة والسلام بين سكان البلاد جميعًا. وفي مارس سنة 1939، بارحت لندن بالطائرة، إثر مؤتمر فلسطين، ووصلت القاهرة في مستهل الهزيع الأخير من ليلة لا أنساها، رأيت فيها جموع الإخوان تملأ فضاء محطة العاصمة، وتموج بهم أرصفتها، وسمعت نداءهم: "الله أكبر ولله الحمد" يدوي عاليً، فيأخذ طريقه إلى القلوب، ويملأ النفوس إيمانًا بالله، وتجردًا للمثل العليا".
الفكرة الإسلامية
ومن شهادة اللواء محمد صالح حرب باشا الرئيس العام لجمعيات الشبان المسلمين، وكان القائد رقم 37 للقوات المسلحة المصرية في الفترة من (1939 - 1940) قوله: "واستطاع عليه الرحمة أن يوقد جذوة الفكرة الإسلامية في صدور الآلاف من الشباب، فأقبلوا على الدين وعكفوا على القرآن وتعلقوا بأسباب الثقافة الإسلامية، وكان لهم في ميدانها جهود وجولات استطاع أن يرد غربة الإسلام بين هؤلاء الجاهلين به إلى معرفة وأنس، وبذل في سبيل ذلك من علمه وجهاده ووقته ونفسه وأعصابه وراحته مالا تستطيعه إلا العصبة المجتمعة من أقوياء الرجال..".
عاش للناس
أما الزعيم محمد نجيب، أول رئيس لجمهورية مصر، فقال عقب نجاح الثورة: "من الناس من يعيش لنفسه، لا يفكر إلا فيها، ولا يعمل إلا لها، فإذا مات لم يأبه به أحد، ولم يحس بحرارة فقده مواطن، ومن الناس من يعيش لأمته واهبًا لها حياته حاضرًا فيها آماله، مضحيًا في سبيلها بكل عزيز غال، وهؤلاء إذا ماتوا خلت منهم العيون وامتلأت بذكرهم القلوب، والإمام الشهيد حسن البنا، أحد أولئك الذين لا يدرك البلى ذكراهم، ولا يرقى النسيان إلى منازلهم لأنه - رحمه الله - لم يعش في نفسه بل عاش في الناس، ولم يعمل لصوالحه الخاصة، بل عمل للصالح العام".
صدق وهو كذوب
حتى أن جمال عبد الناصر في احتفال مجلس الثورة بذكرى استشهاد الإمام قال: "إنني أذكر هذه السنين والآمال التي كنا نعمل من أجل تحقيقها، أذكرها، وأرى بينكم من يستطيع أن يذكر معي هذا التاريخ وهذه الأيام، ويذكر في نفس الوقت الآمال العظام التي كنا نتوخاها أحلامًا بعيدة. نعم أذكر في هذا الوقت، وفي هذا المكان كيف كان حسن البنا يلتقي مع الجميع ليعمل الجميع في سبيل المبادئ العالية، والأهداف السامية، لا في سبيل الأشخاص ولا الأفراد ولا الدنيا.. ثم قال في نهاية كلمته: وأشهد الله أني أعمل - إن كنت أعمل - لتنفيذ هذه المبادئ وأفنى فيها وأجاهد في سبيلها".
وعل غراره كتب صلاح سالم عضو مجلس قيادة الثورة 1952 : "إن هذه الأخلاق العالية والصفات الحميدة قد اجتمعت وتمثلت في شخص أستاذ كبير، ورجل أحترمه وأجله واعترف بفضله العالم الإسلامي كله، وقد أحبه الجميع من أجل المثل العليا التي عمل لها، والتي سنسير عليها إلى أن يتحقق لنا ما نريده من مجد وكرامة في أخوة حقيقية وإيمان أكيد، رعاكم الله ووحد بين قلوبكم وجمع بينكم على الخير.
علماء الأزهر
ومن معاصريه الإمام الأكبر المرحوم الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الجامع الأزهر، فبمناسبة رئاسته تحرير مجلة المنار خلفًا للشيخ محمد رشيد رضا قال: إن "الأستاذ البنا، رجل مسلم غيور على دينه، يفهم الوسط الذي يعيش فيه، ويعرف مواضع الداء في جسم الأمة الإسلامية، ويفقه أسرار الإسلام، وقد اتصل بالناس اتصالاً وثيقًا على اختلاف طبقاتهم، وشغل نفسه بالإصلاح الديني والاجتماعي، على الطريقة التي كان يرضاها سلف هذه الأمة".
وقال الشيخ حسنين مخلوف مفتي الديار المصرية في الأربعينيات عن حسن البنا وأشاد به وبمكانته بين الدعاة فيقول: "الشيخ حسن البنا أنزله الله منازل الأبرار، من أعظم الشخصيات الإسلامية في هذا العصر، بل هو الزعيم الإسلامي الذي جاهد في الله حق الجهاد، واتخذ لدعوة الحق منهاجًا صالحًا وسبيلاً واضحًا استمده من القرآن والسنة النبوية ومن روح التشريع الإسلامي، وقام بتنفيذه بحكمة الإسلامية في آفاق مصر وغيرها من بلاد الإسلام واستظل برايتها خلق كثير".
شمسا وغيثا
وتحت عنوان الإمام الشهيد يغزو الجامعات كتب الأستاذ الدكتور محمد طه بدوي أستاذ القانون العام، يقول: "لقد كان الإمام الشهيد شمسًا وغيثًا وأملاً للجامعة، بل للجامعات المصرية، فأنشأ مدرسته المثالية وعلم ألوفًا من إخوانه الفلسفة والمبادئ الإسلامية فغزوا بعلومهم وأفكارهم وثورتهم كليات الجامعة، وذا بنا نشهد جيلاً آخر هو جيل المجاهدين في سبيل الفكرة الإسلامية والوطن الإسلامي.. ولم يعد يجرؤ أستاذ أن يتهجم بفلسفته على تراث الإسلام الغالي ولم يستطع جامعي أن يدل على البشرية بنظام خير من النظام الإسلامي الذي وجد من تلامذة الإمام الشهيد".
شهادات صحفية
ويقول الأستاذ كامل الشناوي بك، شاعر وصحفي مصري راحل (1908-1965)، "لقد كان حسن البنا هو الزعيم الوحيد الذي آمن بالفكرة التي جاهد من أجلها، ولقد كان حسن البنا هو القائد الوحيد الذي تلمحه في صفوف الجنود".
أما الصحفي الشهير محمد التابعي فيقول عنه: "دائم الابتسام، فاره القامة، رحب الهيكل، يبدو قويًا كشجرة السنديان، في صوته عمق وعرض وطول، وللسانه سحر إذا تكلم فيه بالألباب والأحاديث وأمجاد الجهاد الإسلامي".
قائد معجزة
وعنه يقول الملك عبد الله الهاشمي،عبد الله الأول بن الحسين بن علي الهاشمي (فبراير 1882 - 20 يوليو 1951)، ملك ومؤسس المملكة الأردنية الهاشمية بعد الثورة العربية الكبرى: "الإخوان المسلمين هم معجزة القرآن في هذا الزمان، فمما لا شك فيه أن مؤسس جماعتهم وراعي نهضتهم ومرشدهم العام المرحوم الأستاذ حسن البنا هو رب هذه المعجزة. فمن علمه وهديه، ونشاطه وروحه، وإيمانه وإسلامه.. استمدت هذه الجماعة ما سمت به من عظيم الصفات، وما قامت به من جليل الأعمال".
أضف تعليقك