بقلم ممدوح الولي
أشارت بيانات المصرف المركزي المصري الخاصة بالتوزيع النسبي للائتمان المصرفي بنهاية العام الماضي، لتوجه نسبة 65 في المئة منها للحكومة بهيئاتها وأجهزتها المختلفة، بالإضافة إلى نسبة 4 في المئة لشركات قطاع الأعمال العام التابعة للحكومة، ليصل نصيب الحكومة من الائتمان المصرفي إلى حوالي 69 في المئة.
وعلى الجانب الآخر بلغ النصيب النسبي للقطاع الخاص شاملا الشركات الخاصة أقل من 22 في المئة، بالإضافة إلى نسبة أقل من 10 في المئة للقطاع العائلى خاصة الأفراد، ليصل النصيب من الائتمان المصرفي خارج إطار الحكومة إلى 31 في المئة.
وكانت تلك النسب الخاصة بالحكومة أقل من ذلك قبل استيلاء الجيش على السلطة في أوائل تموز/ يوليو 2013، حيث كان نصيب الحكومة أقل من 60 في المئة وشركات قطاع الأعمال العام 3 في المئة، بينما كانت نسبة القطاع الخاص أكبر مع نحو 27.5 في المئة، وظل نصيب القطاع العائلي شبه ثابت عند 9.5 في المئة.
ويفسر ذلك تغول الجيش في الأنشطة الاقتصادية، وتوسع الهيئات الحكومية في الاقتراض، وأبرزها هيئة البترول، وهيئة المجتمعات العمرانية في مشروعات العاصمة الادارية وغيرها من المدن الجديدة والإسكان الاجتماعي، وتدبير الشريحة المحلية بمشروعات الكهرباء الممولة من الخارج.
ونظرا لضمان وزارة المالية لتلك القروض فقد أصبحت في عرف المصارف صفرية المخاطر، مما شجع المصارف في الإقبال عليها، بالإضافة إلى توسع البنوك في شراء أدوات الدين الحكومي من أذون وسندات خزانة عالية الفائدة ومعدومة المخاطر، لإصدارها وضمانها من قبل الحكومة، وإن كانت حصة البنوك العامة والأجنبية من أذون الخزانة قد انخفضت بسبب تعديلات ضريبية قلصت الربح منها، بينما كانت شركات القطاع الخاص تعاني من صعف المبيعات بسبب حالة الركود في الأسواق وضعف الطلب، بالإضافة إلى صعوبات التصدير لضعف تنافسيتها من حيث تكلفة التمويل المرتفعة بسبب ارتفاع سعر الفائدة، وتكلفة الفساد وارتفاع قيمة الأراضي الصناعية والوقود والمعوقات البيروقراطية.
القطاع العائلي يقدم 81 في المئة من الودائع
ويكشف التوزيع النسبي لأصول المصارف المصرية بنهاية العام الماضي كذلك نفس الأمر، حين بلغ نصيب الحكومة من أصول البنوك 42.5 في المئة، موزعة ما بين 22 في المئة مشتريات لسندات الخزانة الحكومية، وأقل من 12 في المئة مشتريات لأذون الخزانة الحكومية، وهذان البندان يتجهان لسد عجز الموازنة الحكومية، وحوالي 9 في المئة في صورة قروض مصرفية.
وتوزعت النسبة المتبقية من أصول البنوك والبالغة 57.5 في المئة ما بين 23 في المئة للقروض و19.5 في المئة كأرصدة بالمصارف داخل البلاد، وأقل من 5 في المئة كأرصدة في المصارف خارج البلاد، وأقل من 2 في المئة للاستثمار بأسهم الشركات، و1 في المئة للنقدية، و7 في المئة في أصول أخرى متنوعة.
وبالتقصي عن مصادر أموال البنوك والتي تمثل التزامات عليها، اقتصر نصيب حقوق الملكية من رأسمال واحتياطيات على نسبة أقل من 7 في المئة، بينما كان النصيب الأكبر لودائع العملاء بأكثر من 72 في المئة، إلى جانب مصادر أخرى أقل وزنا، منها التزامات تجاه مصارف داخل البلاد بنسبة 4 في المئة، والتزامات تجاه مصارف خارج البلاد 2 في المئة، وسندات وقروض طويلة الأجل 3 في المئة، ومخصصات 2 في المئة، والتزامات أخرى متنوعة 10 في المئة.
وهذا يعني أن ودائع العملاء تمثل النصيب الأكبر من موارد البنك، وبالنظر إلى مصادر تلك الودائع نجد أن القطاع العائلي المتمثل أساسا في الأفراد يمثل أكثر من 81 في المئة من تلك الودائع الإجمالية. وترتفع نسبة مساهمة القطاع العائلي بالودائع بالجنيه المصري إلى 83.5 في المئة، وتقل نسبة مساهمته في الودائع بالعملات الأجنبية إلى 69 في المئة. وهو ما يعني أن الأفراد هم الذين يقدمون الجانب الأكبر من موارد المصارف، كما يقدمون بالتالي الجانب الأكبر من تمويل الهيئات الحكومية وسد عجز الموازنة.
نسب نمو فعلية أقل للودائع والقروض
وبالنظر إلى متغيرات النشاط المصرفي المصري في العام الماضي خاصة الودائع والقروض، نجد أن مجمل الودائع قد زادت أرصدتها بنسبة نمو 11 في المئة، كمحصلة لنمو الودائع بالجنيه المصري، بينما اتجهت أرصدة الودائع بالعملات الأجنبية إلى الانخفاض.
لكن تلك النسبة لنمو الودائع لا تعبر عن الواقع الحقيقى لنمو الودائع، نظرا لتضمنها الفوائد المحتسبة عن أرصدة الودائع قبل عام، إلى جانب عدم إفصاح المصرف المركزي عن قدر الودائع الجديدة خلال العام للوصول إلى الزيادة الحقيقية لتلك الودائع.
وخلال المحاولة لمعرفة كم الودائع الجديدة خلال العام، نجد أن زيادة الودائع بالجنيه المصري البالغة 547 مليار جنيه، قد تضمنت 375 مليار جنيه عبارة عن فوائد لأرصدة الودائع بالجنيه قبل عام، بمتوسط فائدة 12.7 في المئة، ونظرا لوجود حسابات جارية بلا عائد أو بعائد أقل من ذلك، فإنه يقابلها شهادات ادخار ذات عوائد أكبر من نسبة الفائدة المذكورة.
ومن هنا وبخصم قيمة الفوائد من زيادة الودائع نجد النسبة الفعلية لنمو الودائع بالجنيه المصري 5.8 في المئة، وليس 18.5 في المئة كما تعلن بيانات المصرف المركزي.
أما الودائع بالعملات الأجنبية التي انخفضت أرصدتها بنسبة 12 في المئة، فإن تراجع قيمة العملات الأجنبية أمام الجنيه المصري كان سببا رئيسيا في ذلك، وبالمقارنة بين قيمتها بالدولار بنهاية العام الماضي والأسبق، نجد انخفاض قيمة أرصدتها بالدولار بنسبة 1.6 في المئة. وباستبعاد مكون الفوائد الداخل في احتساب زيادة أرصدتها يتأكد انخفاص قيمة أرصدتها، بصرف النظر عن عامل تغير سعر الصرف وانخفاض الدولار إداريا أمام الجنيه المصري.
تراجع القروض بالعملات الأجنبية
أما في ما يخص القروض التى منحتها المصارف المصرية خلال العام الماضي، فقد زادت بنسبة 4 في المئة خلال العام، كمتوسط بين نمو بنسبة 18.2 في المئة للقروض بالجنيه المصري وانخفاض لأرصدة القروض بالعملات الأجنبية بتراجع 15 في المئة. لكنها أيضا تتضمن فوائد الأرصدة السابقة للقروض قبل عام، حيث لا يفصح المصرف المركزي عن قيمة القروض الجديدة وحدها.
وللتعرف على نسبة النمو الحقيقية للقروض، نجد أن الزيادة في القروض بالجنيه المصري خلال العام قد بلغت 209 مليار جنيه، بينما كانت قيمة الزيادة بها بسبب الفوائد حوالي 205 مليار جنيه بمتوسط سعر فائدة 17.8 في المئة حسب بيانات المصرف المركزي قبل عام، وبذلك تكون نسبة النمو الفعلية للقروض بالجنيه المصري 0.4 في المئة فقط.
أما القروض بالعملات الأجنبية والتي انخفضت بنسبة 15 في المئة، فيرجع السبب الرئيسي لذلك إلى انخفاض قيمة العملات الأجنبية أمام الجنيه المصري، بسبب الخفض الإداري الذي قام به المصرف المركزي بنسبة 10.5 في المئة خلال العام الماضي.
وبتحويل أرصدة القروض بالعملات الأجنبية والتي يعلنها المصرف المركزي بالجنيه المصري إلى دولارات، نجد أنها بلغت 32 مليار دولار بنهاية العام الأخير، مقابل 36.4 مليار دولار بنهاية العام الأسبق بنسبة تراجع 12 في المئة. وبخصم قيمة الفوائد الداخلة أيضا ضمن زيادة القروض، نجد أن أرصدة القروض بالعملات الأجنبية الفعلية قد انخفضت أرصدتها خلال العام الماضي، في إطار سياسة المصرف المركزي لتحجيم الواردات.
وفي محاولة لتحريك حالة الركود التي أثرت على إقبال الشركات الخاصة على الاقتراض، قام المصرف المركزي بعدة مبادرات خلال الشهر الأخير من العام الماضي، تتضمن مبادرة لتمويل الشركات الصناعية بفائدة 10 في المئة فقط، للشركات التي تدور حجم أعمالها ما بين 50 مليون جنيه إلى مليار جنيه، ومبادرة للتمويل العقاري للعملاء متوسطي الدخل بفائدة 10 في المئة، وتمويل شركات السياحة بفائدة 10 في المئة، ورفع نسبة القروض الشخصية إلى 50 في المئة من الدخل بدلا من 35 في المئة لتنشيط قطاع السلعي المعمرة والسيارات، كما قدم مبادرة للشركات المتعثرة البالغ مديوناتها أقل من عشرة ملايين جنيه بسداد 50 في المئة من مديونتها.
أضف تعليقك