«شوفتوا مصر؟!» وقد انقطع ماؤها وكهرباؤها وتعطلت مصالحها؟ بالتأكيد رأيتموها وهى غارقة فى الوحل، وقد أُغلقت محالُّها ومصانعها ومتاجرها، ولزم الناس بيوتهم مضطرين. «شوفتوا مصر الموحولة» وقد تقطعت سبُلُها، وانهارت جسُورُها, وتعطلت السيارةُ والقطارُ والمترو؟ بالتأكيد رأيتموها، ورأيتم شبابًا صعقتهم الكهرباء أو جرفتهم المياه أو قتلتهم الأشجار أو لدغتهم العقارب والحيات.
هل تأكدتم الآن أنهم باعوا لكم الوهم؟ وأنهم كذبوا عليكم -ولا يزالون- وأنهم فسدة فشلة كما هم قتلة؟ أين «مصر» التى قالوا عنها يوم انقلابهم: (وبكرة تشوفوا مصر)؟ أهى «مصر الغريقة» التى نراها الآن؟ أين شبكة الطرق التى ادعوا أنها: (هتمسك مصر كده!)؟ مصر التى نراها الآن معدومة البنية التحتية، فأين ذهبت المليارات التى أُنفقت عليها؟ مصر فى الحقيقة منهارة, انهار فيها كل شىء؛ أخلاق مسئوليها كما طرقها, وجسورها, وشبكة مياهها, وصرفها الصحى، وقد رأينا الماء يغرق المواطنين, ويهدم البيوت, ويهلك الزرع والضرع.
ليس اللوم على من أخلف؛ فذاك ديدنه وخلقه، إنما اللوم على من صدَّق الكاذب, ووافق المستبد, وسمح للفرعون أن يستخف به, ووضع مستقبله رهن عصابة تجيد النصب والمراوغة. لقد أغرقوكم فى الأحلام الكاذبة, والأمانى الخادعة، وها هو الواقع المرير يتجلى فى العيش النكد, والخوف المميت, والحياة الذليلة التى تمنع المواطن مجرد الاعتراض على ما يُفعل به من إفقار وحصار.
و«شوفتوا مصر الموبوءة؟»، أين «جهاز الكفتة؟!»، أين الوعود الزائفة بالنهوض بالتعليم والصحة؟ أين «مصر2020» (اللى هتكون حاجة تانية خالص!), أين الشعار المدغدغ: (انتوا مش عارفين إن انتوا نور عنينا ولا إيه؟).. كلها أوهام, جعلتنا مسخرة العالم, الذى أثبت أننا «مفرخة الكورونا» ورغم ذلك ينكرون؛ لأنهم ليس لديهم استعدادات, ولا يفرِّقون بين جهاز قياس الحرارة وكاشف «الكورونا»؛ ولأن الإنسان عندهم رخيص لا قيمة له, المصرى ثمنه رصاصة واحدة, ولو مات ربع الشعب أو نصفه لعدُّوا ذلك إنجازًا, ولتابعوا استمساكهم بالسلطة فرحين بما قبض الله من أرواح شعبهم المسكين.
تخيلوا.. العالم كله يغلق مجاله الجوى مع الصين, إلا المحروسة, فتحت كل المجالات معه, وجعلتها ذهابًا وعودة, واستقبلت وفود البلد الموبوء, وأرسلت إليه وفدًا رئاسيًّا معلنًا تضامنه مع الصين ضد «الفيروس»! ألم أقل بأننا صرنا مسخرة الدنيا, ألم يخرج علينا (دجاجلة العلم والدين)؛ ليفتوا بأن مصر(محروسة من الكورونا) وغيره من الوباءات؛ ذلك لأن اسمها –حسب زعمهم- ورد فى القرآن؟! قالوا ذلك فى حين كنا -ولا زلنا- نصدره إلى بلاد الدنيا؛ إذ لم تصرح به بلد إلا قالوا إن المريض الأول كان قادمًا من مصر؛ ما يؤكد أننا أصل الوباء وموطنه, ومع ذلك يغلق العالم كله مدارسه وجامعاته فلا نغلق إلا يوم أمس, ويفتتح محاجر صحية ومعازل أوبئة فلا نفعل، حتى طفح المرض وحتى خرجت ممرضات «حميات إمبابة» يلعنَّ الرئيس والمرءوس لما أصابهن –جميعًا- جراء فوضى إدخال المصابين هذا المشفى العتيق دون احتياطات.
و«شوفتوا مصر الملطشة»؟ لقد أثبتنا للدنيا أننا أساتذة –فقط- فى الاستبداد, خبراء فى تشييد السجون, قادة فى القمع، وما عداها فإننا لم نكن أبدًا محل احترام, بل أصبحنا «ملطشة»، نعم مصر صارت «مهينة» لا وزن لها؛ لأن من أهان شعبه يسهل الهوان عليه, ومن حفظ كرامة مواطنيه حفظ الله كرامته. إذًا لا تطلبوا أن يحترمكم الآخرون وأنتم لا تعملون حسابًا لشعبكم.. أين البرلمان؟ أين النواب الذين يُفترض أن يقولوا للمسئولين لِمَ فعلتم كذا ولِمَ لَمْ تفعلوا كذا؟ أين المعارضة؟ لقد قتلوا هذه الروح الإصلاحية حتى استهان بهم الجميع؛ فالعالم يغلق أمامنا الحدود والأجواء, والعرب يمنعون أبناءنا –دون غيرهم- من دخول بلادهم إلا بشهادات «خلو من الوباء», وإثيوبيا تستفزنا مستعرضة عضلاتها, ومتحدث الخارجية يتكلم (كلام مصاطب)، والسودان يتصرف من موقف قوة.. كل هذا ولم نسمع إجراء واحدًا تنفيذًا للشعار المدغدغ: (مسافة السكة) حتى عايرنا ناشط سودانى –مؤخرًا- قائلاً: (لا تنسوا يا مصريين أن السودان ذكر ومصر أنثى).
أضف تعليقك