• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

لقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بما سيقع في آخر الزمان، من انتشار للأوبئة، وكثرة موت الفجأة، بسبب الحوادث، والزلازل، والبراكين، والأعاصير، التي يكون فيها هلاك أعداد كبيرة من الناس، حينما يفسد الناس، وتكثر الفتن، ويكثر الجهل والبعد عن دين الله، ويتجرأ الناس على حدود الله، ويكثر الفساد في الأرض. وقد أنذر النبى -صلى الله عليه وسلم-: أن كثرة الفتن تكون بسبب اختلال الأمور التي يحصل بحفظها صلاح المعاش والمعاد، وهي؛ الدين. وتكون كذلك بسبب الجرأة على المعاصي، سيما الزنا، والربا.. “يا مَعْشَرَ المهاجرينَ ! خِصالٌ خَمْسٌ إذا ابتُلِيتُمْ بهِنَّ، وأعوذُ باللهِ أن تُدْرِكُوهُنَّ : لم تَظْهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قَطُّ ؛ حتى يُعْلِنُوا بها ؛ إلا فَشَا فيهِمُ الطاعونُ والأوجاعُ التي لم تَكُنْ مَضَتْ في أسلافِهِم الذين مَضَوْا، ولم يَنْقُصُوا المِكْيالَ والميزانَ إِلَّا أُخِذُوا بالسِّنِينَ وشِدَّةِ المُؤْنَةِ، وجَوْرِ السلطانِ عليهم، ولم يَمْنَعُوا زكاةَ أموالِهم إلا مُنِعُوا القَطْرَ من السماءِ، ولولا البهائمُ لم يُمْطَرُوا، ولم يَنْقُضُوا عهدَ اللهِ وعهدَ رسولِه إلا سَلَّطَ اللهُ عليهم عَدُوَّهم من غيرِهم، فأَخَذوا بعضَ ما كان في أَيْدِيهِم، وما لم تَحْكُمْ أئمتُهم بكتابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ ويَتَخَيَّرُوا فيما أَنْزَلَ اللهُ إلا جعل اللهُ بأسَهم بينَهم”.

وقد كثرت الأوبئة، في هذا الزمن، فانتشرت الأمراض الغريبة، التى لم تكن معروفة في السابق، مثل الإيدز، والسارس، وجنون البقر، وانفلونزا الطيور والخنازير، والكورونا، وآيبولا وغيرها.

والمؤمن يعلم، أن الأوبئة والطواعين، ابتلاء من الله -سبحانه وتعالى- لعباده، وعقوبة لمن أراد عقابه. والمؤمنون إذا أصابتهم مصيبة قاموا بأمر الله -عز وجل- ؛ فيصبرون ويحتسبون، وهم إن فعلوا ذلك يؤجرون أعظم الأجر؛ فمن مات في الوباء كان موته في الوباء شهادة له، كما أخبر بذلك رسولنا -صلى الله عليه وسلم-، ففي الحديث عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الطاعون، فأخبرني: “أنه عذاب يبعثه الله على من يشاء، وأن الله يجعله رحمة للمؤمنين، ليس من أحد يصيبه الطاعون فيمكث في بلده صابرا محتسبا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتبه الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد”.

وعبرة التاريخ، أنه لما خرج عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – إلى الشام، لقيه أمراء الأجناد، وأخبروه بأن الوباء وقع في الشام، فأبى أن يدخل إلى أرض “عمواس” لما فيها من الطواعين، ووقف واستشار أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلم يجد عند كثير منهم خبرًا فقال: أرجع بالناس، ولا أدخل، فعاتبه بعض الصحابة، وقالوا: تفر من قدر الله؟ قال: نعم، نفر من قدر الله، إلى قدر الله.

فجاء عبد الرحمن بن عوف، فأخبر عمر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله وسلم يقول: “إذا سمعتم بالطاعون في بلد فلا تدخلوها” فقال: الحمد لله الذي وفقنا لما أمر به رسول الله صلى الله وسلم.

والله -عز وجل- يبتلى عباده بما يشاء، يحكم ما يشاء، ويفعل ما يريد، فلا معقب لحكمه – سبحانه وتعالى- والمؤمن على يقين، بأنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له.

وقد يبتلي الله عباده بسبب ذنوبهم، فيصيبهم بالبأساء والضراء لعلهم يذكرون، فينيبون إليه ويتوبون ويضرعون ويلتجئون إليه، كما قال الله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ.{الأنعام:42}.. قال الإمام الطبري: أي امتحناهم بالابتلاء ليتضرعوا إليَّ ويخلصوا لي العبادة، ويفردوا رغبتهم إليَّ دون غيري بالتذلل لي بالطاعة، والاستكانة منهم إليَّ بالإنابة.

ومن أعظم أسباب البلاء الذنوب والمعاصي، فقد يكون ما أصابك من مصائب بسبب ذنب أتيته، قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِير.{الشورى:30}. وقال تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ.{الروم:41}. فبالتوبة والاستغفار يكشف البلاء.

وكان العباس عم النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول في استسقائه: “اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة”، فالمؤمن مطالب بأن يأخذ من الإجراءات والتدابير المناسبة في مثل هذه الأحوال، بالحرص على الخير، والتوبة والإنابة إلى الله، وإنكار المنكرات التي هي سبب غضب الله على من أنزل بهم ما شاء من هذه الأوبئة.

وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالاحتياط، ولكنه قال: “لا عدوى ولا طيرة”. ولما سئل عن العدوى، قال: “لا عدوى ولا طيرة”. فهنا أراد أن ينزع من الناس التعلق بالمحسوسات فقط، ثم قال في الحديث الآخر: “لا يُورد ممرضٌ على مصح”، أي من كان في إبله، أو في أنعامه مرض، فلا يوردها على الإبل، أو الأنعام السليمة؛ حتى لا يصيبها.

وقال في حديث آخر: “فر من المجذوم كما تفر من الاسد”. فلتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن الذي أصاب أول مريض بالمرض، حتى انتشر في الناس، قادر على أن يجعلك أنت أيضا أول من يصاب في بلدك.

والأحاديث الأخرى تدل على وجوب الاحتراز، والتحري، وعدم المخالطة لأهل المرض، ومن فيهم شيء من عوارضه، وهذا ما يوصي به العلماء، والمختصون من الاحتياطات الاحترازية. وهو ما يعرف اليوم بالحجر الصحي.

أضف تعليقك