صار الدعاء بصوت عبد الفتاح السيسي.. إذن ليس من المستبعد أن يصبح التعليق على مباريات كرة القدم بصوت المفتي، أو شيخ الأزهر أحمد الطيب (هناك معلق كروي يحمل الاسم ذاته).
هوس السيسي بالتغول على السلطة الدينية ظاهر، ومتصاعد منذ اليوم الأول لصعوده على خشبة مسرح السلطة، في مشهد إعلان الانقلاب رسميًا كان محاطَا بشيخ الأزهر وبطريرك الكنيسة، من اليمين، و بطريرك الثورة على اليسار.
لا يترك مناسبة دينية، إسلامية أو مسيحية، إلا ويُقدِم فيها على استعراضاتٍ فجّة يقول فيها للجماهير إنه أبو الأزهر والكنيسة، أعلى من الإمام الأكبر ومن البابا، فيقفز مسرعًا إلى الكنيسة عشية كل احتفال مسيحي، ليخطف الكاميرا من البطريرك ويلعب على مشاعر جمهور الكنيسة باعتباره الراعي الأكبر.
الأمر نفسه ظل يفعله في مناسبات إسلامية على فترات، احتفال ليلة القدر، لكن من دون أن يتواضع ويذهب إلى مقر الأزهر الشريف، إذ كان الأزهر يذهب إليه في قصره، إلى أن جفت بحيرة الود وتقطعت السبل، وصدرت الأوامر بإعلان النفير العام لاحتلال المشيخة سياسيًا.
منذ اعتلى عبد الفتاح السيسي سدة الحكم، وهو يستدعي شيخ الأزهر إلى قصر الحكم، على نحو لا يليق بمكانة الشيخ والمشيخة. وفي المقابل، لم نقرأ أو نسمع أن السيسي ذهب إلى الأزهر، الجامع أو المشيخة، على الرغم من أنه لم يترك مناسبةً دينية إلا وخطب فيها، في أماكن مختلفة، باعتباره رئيس السلطة الدينية، وليس فقط السلطة التنفيذية، حيث يشرّع ويُفتي ويهرف ويجدّف في كل ما يتعلق بالإصلاح الديني وتجديد الخطاب، مع الوضع في الاعتبار أنه لا يستطيع قراءة آيةٍ قرآنية، أو حديثٍ نبوي، أو جملة عربية، بشكل سليم ومنضبط.
في شهر نوفمبر/ تشرين ثان الماضي، كان آخر إعلان عن فعالية تجمع بين الأزهر والسيسي، حين نشر أنه "بحضور ورعاية السيسي سوف يعقد الأزهر مؤتمرًا عالميًا لتجديد الفكر الديني في يناير/ كانون ثاني "2020"، لكن يناير جاء ولم يأت السيسي، بل حضر رئيس جامعة القاهرة، محمد عثمان الخشت، متقمصًا دور الجنرال في التطاوس الجهول على الأزهر وشيخه، فما كان من الأخير إلا أن لقّنه درسًا في كيف يكون التفكير، وكيف يكون الفقه، وكيف يكون الاستدلال، في مبارزة على الهواء أسقطت الخشت أرضًا.. وقد قيل كلام كثير عن أسباب عدم حضور السيسي لوعكة صحية طارئة، لكن المؤكد أن السيسي مصاب بحساسية شديدة تجاه الأزهر، تصل إلى درجة المرض النفسي، إذ كيف تكون هناك سلطة دينية أعلى منه، وهو الحكيم الفيلسوف الفقيه ذو العلم اللدني "وفهمناها سليمان"، كما هز كتفيه وخاطب الجموع بخيلاء، وكأنه الحاكم بأمر الله ظهر من جديد في القاهرة الفاطمية؟
الآن، لم يعد السيسي يحسب حسابًا للأزهر، فقرّر أن يكون الداعية والداعي، يؤم المسلمين بصوته في الدعاء على فيروس كورونا، بصوته العجيب وتلعثمه المثير للأسى مع كل حرف ينطقه، برغم التدريبات المكثفة وبروفات الأداء، كل ذلك لا يهم فهناك آلة إعلام جبّارة ستفرضه الصوت الأجمل للمطرب الأول بالإلحاح والتكرار، فيذاع الدعاء المسجل بصوت الكروان العسكري على كل المحطات التلفزيونية والإذاعية، مع موسيقى مؤثرة، تنساب في الخلفية، وتنتظر ناقدًا من نوعية يوسف القعيد ليعلن أنه اكتشف أن قماشة صوت عبد الفتاح السيسي تتفوق على خامة الصوت عند الشيخ سيد النقشبندي أو نصر الدين طوبار أو حتى الشيخ عبد الباسط عبد الصمد. لن يكون مثيرًا للاستغراب، لو خرج النائب مصطفى بكري باقتراح، يزعم أنه مطلب جماهيري عريض، بأن يسجل السيسي الأذان وخطبة الجمعة بصوته، ويؤم المصلين من منازلهم لأداء الصلوات في فترة إغلاق المساجد بسبب الحظر، إذ لا يكفي أن يكون الدعاء فقط مسجلًا بصوت السيسي، بينما خطورة المرحلة تستدعي أن تكون التواشيح والابتهالات والأذان في رمضان المقبل بصوته أيضًا.
في سالف أزمنة الاستبداد، لم نعرف طاغية قرّر أن يكون هو المطرب والمرشد والمفتي والمذيع والشيخ والقسيس والحاخام في وقت واحد.
أضف تعليقك