تثير الأرقام الرسمية لعدد المصابين بفيروس «كوفيد ـ19» بمصر كثيرا من الشكوك حول حقيقة هذه الأرقام، وبالبحث والتحري ثبت أن الحكومة تقنن عمليات الفحص بما لا يسمح بالكشف عن كل حالات الإصابة، ويكفي للتدليل على ذلك أن وزيرة الصحة بحكومة الانقلاب الدكتور هالة زايد أعلنت في مؤتمرها الصحفي الأربعاء 25 مارس أن الوزارة قامت بعمل 25 ألف تحليل منذ بدء الفيروس مع العلم أن عدد سكان مصر 104 ملايين نسمة، في ذات الوقت تقوم حكومة الاحتلال الإسرائيلي مثلا بحوالي 5 آلاف فحص كل يوم وفق نظرية "الفحص الشامل" التي اعتمدت عليها كوريا الجنوبية في احتواء الفيروس رغم أن عدد سكان الاحتلال لا يزيد عن 8 ملايين و700 ألف نسمة فقط، كذلك فإن حكومة الانقلاب توفر 21 معملا مركزيا فقط لفحص أكثر من مائة مليون.
بينما توفر حكومة الاحتلال 35 معملا مركزيا لخدمة مواطنيها، فالنظرية ببساطة تقوم على أساس أنه كلما زاد عدد المفحوصين زاد عدد اكتشاف الإصابات وفق نظرية "الفحص الشامل" وصولا لاحتواء الوباء، بينما حكومة الانقلاب تعتمد على نظرية "مناعة القطيع" التي تقوم على فلسفة ترك الفيروس ينهش في المجتمع حتى يصيب عشرات الملايين يموت منهم من يموت والبقية تصل إلى درجة المناعة الذاتية وهي ذات النظرية التي تحدثت عنه دراسة بريطانية ولاقت استهجانا كبيرا على المستويين المحلي والعالمي.
ولكن يبدو أن نظرية (مناعة القطيع) تلقى قبولا لدى قادة الأجهزة الأمنية في مصر الذين يشكون ليل نهار من الزيادة السكانية ويعلقون عليها فشلهم، آملين أن تسفر عن هلاك الملايين ليقل الضغط عليهم؛ متجاهلين أن المرض لا يمارس التمييز والعنصرية كما يفعلون؛ ولعله بدأ يفترس أصحاب النسور اللامعة قبل غيرهم في تحذير شديد اللهجة يؤكد أن الوباء يطول الجميع دون استثناء.
استراتيجية «مناعة القطيع»
لجأت وزارة الصحة بحكومة الانقلاب في مصر إلى استراتيجية (مناعة القطيع) والتي لا تستهدف بالأساس احتواء الفيروس ومنع انتشاره حتى وإن صرحت بذلك كل ساعة، بقدر ما تضع في الاعتبار العوامل السياسية والاقتصادية بحيث تبدو الحكومة مسيطرة على الوضع ولا تبدو مصر كدولة تفشى فيها الفيروس.
وللتدليل على ذلك يمكن رصد البراهين والأدلة الآتية:
أولا: وزارة الصحة بحكومة الانقلاب تعتمد على آلية ليست سليمة من الناحية العلمية والعملية في الكشف عن المصابين، وبحسب مدير إحدى مستشفيات الحميات فإن وزارة الصحة تحصر الفحص في الحالات التي تظهر عليها الأعراض المتقدمة للوباء، لكنها لا تتخذ أي إجراء مع من يعانون أعراضاً أولية، و"هؤلاء يقدرون بالآلاف"؛ فوزارة الصحة بحكومة الانقلاب وضعت بروتوكولاً للكشف عن الحالات ينص على فحص من يعاني من الحمى والسعال والرشح وضيق التنفس مع التركيز على كبار السن، في حين لا يعتد بالحمى والسعال والرشح دون وجود ضيق في التنفس، هذه الطريقة في الفحص -كما يقول الطبيب- تجعل آلاف المصابين المحتملين لا يتعرضون لأي فحوصات من قبل الحكومة للتأكد من سلامتهم، وبالتالي فإن الأرقام المعلنة تبدو طبيعية بالنسبة لشروط الفحص المعمول بها، وبالطبع هذه الآلية غير علمية وغيرعملية لأننا قد نصطدم في أي لحظة بآلاف الإصابات التي كان يمكن وضعها في الحجر لو أنها أجرت الفحص بناء على الأعراض الأولية، لكننا تركناها تصل إلى مرحلة متأخرة من جهة، وتنتقل العدوى للمحيطين بها من جهة أخرى.
ثانيا: تعتمد فلسفة وزارة الصحة بحكومة الانقلاب على نظرية «مناعة القطيع» وتقوم على الاهتمام بكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة، ولا تزال تعتمد على نظرية أن صغار السن والشباب لديهم القدرة على مواجهة الوباء والقضاء عليه دون حجر، من ثم فهي لا تهتم إلا بكبار السن أو من يعانون من أمراض أخرى، وهذا سبب تراجع أعداد المصابين الرسمية، وهذه الطريقة في التعامل مع الوباء لا تختلف عن طريقة مناعة القطيع التي أراد رئيس وزراء بريطانيا تطبيقها، وهذه طريقة تساعد على نشر الوباء لأنه حتى لو استطاع البعض مقاومة الوباء فإنهم سينقلونه للمخالطين لهم.
ثالثا: عملية الفحص وعزل المشتبه بهم تتم بطريقة غير علمية وتفتقد للحد الأدنى من الـ "infection control"، إذ يتم وضع مجموعة من المشتبه بهم في حجرة عزل واحدة لحين وصول نتيجة الفحص من المعامل المركزية، وعندما تأتي نتيجة حالة واحدة إيجابية فهذا يعني أن أصحاب النتائج السلبية غالباً أخذوا العدوى خلال وجودهم مع صاحب النتيجة الإيجابية في حجرة العزل، مع ذلك يتم إخراج أصحاب النتائج السلبية من المستشفى مع مطالبتهم بعزل أنفسهم بحسب شهادة إحدى الممرضات.
رابعا: بالنسبة للمخالطين لحالات الإصابة تكتفي وزارة الصحة بمناشدتهم بالعزل الطوعي دون إجراء فحوصات أو تحاليل للكشف عن مدى إصابتهم من عدمه؛ وهي سياسية كارثية لأنها تدع مئات وربما آلاف المصابين يتحركون بكل حرية وينشرون العدوى في كل مكان بقدر ما يخالطون من الناس كل يوم، وهؤلاء رغم إصابتهم بالفيروس ونقلهم للعدوى إلا أن أرقام الوزارة الرسمية لا تتحدث عنهم مطلقا لأنهم ببساطة لم يتم إجراء فحوصات لهم ولم يتم إجراء تحاليل تؤكد إصابتهم بالفيروس؛ ولعل هذا هو سبب العصبية البالغة التي واجهت بها حكومة الانقلاب وآلتها الإعلامية التقرير الذي نشرته صحيفة الجارديان البريطانية حول دراسة قامت بها جامعة "تورنتو الكندية" تشكك في أرقام حكومة الانقلاب وترجح أن أعداد المصابين في مصر ما بين 6 آلاف كحد أدنى و19310 كحد أقصى حتى منتصف مارس 2020م.
خامسا: نحو مزيد من التحكم والسيطرة؛ أعلنت وزارة الصحة بحكومة الانقلاب حظر إجراء المعامل الخاصة تحاليل الــ "PCR" الخاصة بالكشف عن كورونا، واعتبرت ذلك تهديدا للأمن القومي! ووجهت إدارة العلاج الحر والتراخيص بوزارة الصحة بحكومة الانقلاب، منشورًا إلى المديريات الصحية حمل رقم ٣ لسنة ٢٠٢٠، بالتنبيه على إدارة العلاج الحر بالمحافظات بعدم السماح للمعامل الخاصة بإجراء تحاليل فيروس كورونا خارج وزارة الصحة، لما يمثله من تهديد للأمن القومي بحسب الدكتورة "نانسي الجندي" مديرة المعامل المركزية بوزارة الصحة، وجاء تبريرها عجيبا إذا زعمت أن خطورة إجراء التحاليل في المعامل الخاصة أن تكون هناك إصابات ولا يتم الإعلان عنها؛ لأننا بحاجة إلى تبادل بيانات بين الوزارة ومنظمة الصحة العالمية بخصوص حالات الاشتباه والإصابة لكي نعرف المخالطين للحالات حال وجود إصابات، والوزارة نبهت على المعامل بهذا الأمر! ولا ندري لما تستبعد المسئولة الحكومية التنسيق مع المعامل الخاصة لإبلاغها فورا بالإصابات لكن الحقيقة أن الحكومة تمارس التعتيم وتفرض سياجا من السرية والكتمان على حجم الإصابات في مصر، وكانت وزيرة الصحة أعلنت هذا الحظر على المعامل الخاصة في مؤتمرها الصحفي يوم الأربعاء 25 مارس مع وزير الإعلام أسامة هيكل والذي مثل فضيحة مدوية للنظام كله بسبب الزحام الذي ضم عشرات الإعلاميين في مشهد يخالف أبسط قواعد الوقاية.
سادسا: أحد أسباب ضعف الأرقام الرسمية أيضا هو حالة الانهيار التي يعاني منها القطاع الصحي بسبب الغياب الكامل لأدوات الوقاية والتعقيم، وهو ما أدى إلى إصابة نحو 26 من الطواقم الطبية حتى 25مارس 2020م بحسب الدكتور "إبراهيم الزيات" عضو مجلس النقابة العامة للأطباء ونقيب أطباء الدقهلية السابق، من بينهم «6» من الأطباء البشريين، وصيدلى واحد، و7 من فرق التمريض، و4 من المراقبين الصحيين، و5 من فنيين المعامل، و3 من فنيين الأشعة. وبحسب "الزيات" تتضمن إصابات الأطباء استشاري صدر دمياط، دكتورة حميات منوف، استشاري الباطنة في مستشفي الطلبة جامعة القاهرة، ودكتورة رعاية مستشفي الشروق بالهرم، ودكتور تجميل مستشفى البنك الأهلي، ودكتور بمستشفى المنيرة، وهناك شبه إضراب غير معلن بين الأطباء والممرضين في كثير من مستشفيات الحميات حيث يمتنعون عن العمل في الوقت الذي يتجاهل النظام تقدير دورهم فيما يتعلق ببدل العدوى وهو ما تجاهله رئيس الانقلاب تماما خلال لقائه مع عدد من النسوة المؤيدات لنظام في يوم المرأة المصرية، وبحسب شهادات طبية من أطباء وممرضين وممرضات فإنهم يعملون في غياب كامل لآليات مكافحة العدوى، حالياً يتم ترتيب المناوبات بشكل ودي وهناك مستشفيات شهدت أياماً دون وجود طبيب واحد، وتؤكد شهادات لطواقم طبية أنهم حالياً يشترون القفازات والكمامات ومواد التعقيم على نفقتهم الخاصة، وأن غالبية الأطباء والممرضين سيمتنعون عن العمل في حال حدثت سيناريوهات أسوأ، وزاد من غضب الطواقم الطبية أن رئيس الانقلاب راح يتظاهر بإنسانية زائفة ومنح الصين وإيطاليا أكثر من مليوني كمامة في الوقت الذي اختفت فيه تماما من الصيدليات ولا يجدها المصريون مطلقا.
سابعا: تتحكم حكومة الانقلاب بشكل كامل على ما ينشر في وسائل الإعلام وحتى مواقع التواصل الإعلامي؛ والتي يخشى من ينشرون عليها الحقائق أن يتم الزج بهم في السجون بتهم نشر الشائعات كما حدث مع 7 تم اعتقالهم فعلا بهذه التهمة المعلبة.
أين الجيش؟
أفضت الفلسفة التي تقوم عليها وزارة الصحة بحكومة الانقلاب إلى انتشار الفيروس وعدم احتوائه، وهو ما تؤكده الأرقام المعلنة التي تتزايد باستمرار رغم عمليات التعتيم والتقنين الممنهج لتقليل عدد الإصابات والوفيات، وحتى مساء السبت 28 مارس 2020م، ارتفع عدد الوفيات المعلنة رسميا إلى 36 حالة والإصابات إلى 576 حالة.
وأعلنت الوزارة إطلاق حملة "كن بطلا" من أجل حث الشباب من العاملين بالقطاع الصحي أو خارجه من أجل التطوع لمكافحة الوباء، هذه الحملة تؤكد أمرين:
الأول: أن قطاع الصحة يعاني فعلا من انهيار تام ولا يستطيع القيام بأعباء جهود المواجهة ومكافحة الوباء في ظل تزايد الإصابات وتفشي الفيروس في عدة محافظات منها الدقهلية والمنوفية ودمياط والمنيا.
الثاني: أن المؤسسة العسكرية أدارت ظهرها لجهود مكافحة الوباء واكتفت باللقطات التي سوقتها إعلاميا لوحدات الحرب الكيميائية في عمليات التعقيم والتطهير لمؤسسات الدولة والتي ثبت أنها بيزنس ومقاولة تقاضت مقابلها ملايين الجنيهات، ويبدو أن تفشي الفيروس في عدد من قادة الصف الأول بالجيش دفعته إلى الاهتمام بتأمين قادته ووحداته وعناصره والنأي بهم حتى عن المجتمع نفسه؛ ولذلك تولت الداخلية عمليات حظر التجوال التي بدأت الخميس 26 مارس رغم أن الدستور ينص صراحة على أن تتولى المؤسسة العسكرية القيام بهذا الدور!؟
المؤسسة العسكرية إذا، تؤكد أنها لا تنشغل إلا بمقدار ما يتحقق لها من مكاسب ونفوذ، أما الأعمال التي تستوجب التضحية والبذل فإنها أبعد ما تكون عن ذلك؛ لأن معظم من انتسبوا إليها إنما أرادوا بذلك السلطة والنفوذ وليس البذل والتضحية، وعندما وضعت المؤسسة أمام اختبار جاد وحقيقي سقطت سقوط مريعا وافتقدت إلى أدنى درجات الوطنية والانتماء رغم أن قادتها يصرخون ليل نهار بهذه الوطنية الزائفة وهذا الانتماء المصطنع.
أضف تعليقك