• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: عامر شماخ

قرأتُ مقالَ الزميل “عماد الدين حسين” رئيس تحرير جريدة الشروق المصرية، المنشور يوم السبت 28 من مارس 2020م بعنوان: “الفرصة الذهبية التى ضيعها الإخوان”، وقرأت رد الدكتور “حلمى الجزار”، أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين (فى الخارج)، المنشور على موقع “العربى الجديد” يوم 2 من أبريل 2020م بعنوان: “الإخوان ومقولة الفرصة الضائعة”.

والمقالان حوار مبتور، أى من طرف واحد؛ إذ أراده الدكتور “الجزار” حوارًا لكن الأستاذ “حسين” اكتفى بإلقاء ادعاءاته حول جماعة الإخوان ولم يعقب؛ إما رغبًا إيثارًا للسلامة، أو رهبًا إذ أتته التعليمات بألا يرد؛ لئلا يقع فى ورطة فيتحملها العسكر فى هذا الوقت العصيب.

وأنا لا أعجب من مزاعم الأستاذ “عماد الدين حسين”؛ فالرجل –وإن كان محترفًا ويكتب مقالات عالمية، للألمان وغيرهم- فإنه ارتضى لنفسه أن يظل ترسًا ضمن آلة العسكر الإعلامية، وهذا شأنه، ومعلوم ما الفرائض والقرابين التى عليه أن يؤديها، فى مقاله اليومى، وفى مئات العناصر من الأشكال الصحفية التى تنشرها جريدته كل يوم ويتابعها ما يزيد على خمسة ملايين شخص.

إنما اللوم على ما قام به الدكتور “الجزار”؛ بالرد من الأساس، ولما ورد فى مقاله، الذى احتفى به كثيرون، من أفكار غريبة أعجب كيف خطها قلمه، ولو كانت تلك أفكار الجماعة والرد ردهم فتلك سقطة تحتاج إلى مراجعة، والأمر شورى، والحق أحق أن يُتبع.

وقبل مناقشة هذه الأفكار أؤكد أن “الدكتور الجزار” بالنسبة لى هو: أستاذ وأخ أكبر وأسبق، وصديق وجار قديم، وقد آكلته وشاربته واستمعت له؛ فما رأيت فى الناس إلا قلة على دينه وزهده وأدبه –لا أزكيه على الله- وأنه حبيبى، لكن الحق عندى أحبُّ وأعظم. وإذا كان البعض قد لمز الرجل بأنه (متطلع إلى شهرة بعد غيبة) فإنى من يرد هذا اللمز؛ فإن الرجل كان (أمير الأمراء) وهو لا يزال طالبًا، ولو أراد بعدها بروزًا أكثر مما هو عليه لفعل. ومن قال ذلك لم يُصِب.

أخطأ “الدكتور حلمى” حين (تمنى) أن يأخذ رده طريقه إلى النشر فى “الشروق”؛ (إعمالًا للقواعد المهنية المتعارف عليها) -حسب قوله. وأسأله: أىُّ قواعد مهنية تقصد يا دكتور؟! ألم تعلم بما حلَّ بالصحافة فى مصر؟ لقد تم تأميمها يا دكتور وصارت الإصدارات –كلها- نشرات محلية تكذب وتدلس لأجل العسكر، وهل تتوقع أن يرى ردك النور فى بلد سجن نقيب الصحفيين وفى صحيفة يشرف عليها “النقيب أشرف”؟!

وبعد أن يتحدث “الدكتور” عن “كورونا” باعتبارها (أزمة عالمية هائلة) يقول: (ولا يليق بنا كمصريين، ونحن أمة عظيمة، أن نجعل منها منصة لتصفية حسابات سياسية، ولا لتنفيذ عقوبات جماعية، ولا…. ويجب أن يكون الإنسان والقيم والعلم (هم) المداخل الصحيحة للتعاطى مع هذه الأزمة)..

هذا موقف لا أرضاه لك يا دكتور، ولا لأحد الإخوان، ولا لأحد المصريين، وقد علمنا من تخاطب؛ فإنك لا تخاطب ذوى إنسانية وقيم وعلم كما تظن، بل تخاطب جبابرة لا يجيدون سوى: تصفية الحسابات السياسية، وتنفيذ العقوبات الجماعية، وصناعة الأمجاد الشخصية –وقد وقفت بذلك موقف المستجدى من اللئيم، وهل يليق بعزيز يا دكتور أن يعفو عن قاتل ولده ومغتصب ابنته ومُصَادِر ماله، ثم طى تلك الصفحة لأجل عارض ألمَّ بالمجرم ولمَّا يُطلب منه ذلك؟

ويستطرد “الدكتور حلمى”: (وفى ذلك السياق فإن مواجهة كورونا هى الأولوية المطلقة للعمل الوطنى فى الوقت الحالى، وأؤكد على أن تأجيل الكثير من القضايا والصراعات لحين النجاح فى مقاومة هذا الوباء أمر حتمى)..

عفا الله عنك يا دكتور، الأولوية لمن؟! لك وأنت المطارد من بلد لآخر؟ أم للأطهار خلف القضبان؟ أم للأسر العفيفة التى تئن بعد تغييب العائل؟ أم للآباء والأمهات الذين شاهدوا أمخاخ أبنائهم متفجرة على الأرصفة؟ وماذا تعنى بالعمل الوطنى يا دكتور؟! لقد كفر الناس بالوطنية والمواطنة وأنت تتحدث عنها بأريحية تامة، لقد بيعت الأرض، والغاز، والماء من خلف ظهرك يا دكتور ودون أخذ رأيك. يعزُّ علىَّ أن يصدر هذا الكلام ممن تعلمت منه أصول الدعوة ومبادئ السياسة، ويعزُّ علىَّ أن تصور ما جرى وما يجرى على أنه (قضايا وصراعات). إذًا: سبع سنوات من الدماء والأشلاء والتبعية الواضحة لم تكن كافية لنفهم تفاصيل الصورة. من يفهمها إذًا؟

وما الذى يجعل مقاومة الوباء أمرًا حتميًّا بالنسبة لك؟ أليست هناك (دولة) تقوم بهذه المهمة مثل باقى الدول؟ أم أنهم لا يجيدون سوى بناء القصور والعواصم الإدارية؟ ثم إنهم لم يقولوا لك إنهم عاجزون عن مقاومة الوباء، ولو قالوا ذلك وطلبوا منك العون فلا خيار لك إلا ما فعله يوسف –عليه السلام- وأنت أعلم منى بكتاب الله، وللمفارقة جرت الأحداث على أرض (المحروسة) وفى أجواء مشابهة، لكن يوسف الكريم استثمرها فى إظهار الحق، وفى إصلاح البلد، وفى محاكمة ذوى النفوس المريضة والقلوب السوداء. لما فسر يوسف رؤيا الملك واستبشر الأخير بها، أمرهم أن يأتوا به من السجن، إلا أنه أبى وقال للرسول: (ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ الَّلاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ) [يوسف: 50]، وبعدما تم التحقيق وظهر الحق طلب يوسف أن يكون وزيرًا، وقد كان.. إذًا الأعزاء لا يقفون مواقف الاستجداء، بل هم من يُطلبون ولا يطلبون يا دكتور.. و(لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الأَلْبَاب) [يوسف: 111].

والأستاذ “عماد حسين” يا دكتور حلمى ليس بحاجة لشرح تاريخ الإخوان الذى أفضتَ فيه، ولا يحتاج معاونة الجماعة كما ادعى، إنما كان عنوان مقالته والخيال الذى عاش فيه لعدة فقرات مقدمة لتلطيخ الإخوان، وقذفهم بكل نقيصة، والنفاذ إلى أنهم سبب مباشر فى تشويه سمعة مصر حتى رفضت مطارات العالم استقبال أسطولها الجوى.

كما لا يهم “الأستاذ عماد” أن تشكلوا لجنة، بل مائة، لإعداد (محتوى علمى منهجى لتوعية الشعوب عامة والشعب المصرى خاصة…)، وهذا –بالمناسبة- لن يغير فى حلحلة الأوضاع قيد أنملة، وأراه مظهرًا لا جدوى له، وكان الأجدى أن تشكل مثل هذه اللجنة لدراسة أوضاع ستين ألف معتقل الله أعلم بهم وقد انقطعت الاتصالات بينهم وبين ذويهم، أو لدراسة أوضاع أسرهم وهم كالمحاصَرين فى الشِعب لا يجدون –إلا من رحم ربى- من يسد فراغ أربابهم، وقد انفض عن كثير منهم الأقارب والأصدقاء، ويرفض كثيرون مناكحتهم أو معاملتهم بالبيع والشراء.

وأحد مشكلات ردك يا دكتور أنك قزمت القضية، وجعلتها (صراعًا) بين النظام والإخوان، وهذا عين ما يريده العسكر، فصرت تدافع عن مواقف الإخوان، وإعلام الإخوان، والحقيقة أن القضية لا تخص الإخوان وحدهم، بل هى قضية شعب وقع ضحية نظام لا يعترف بأى حقوق لهذا الشعب.. وعندما يطلب الأستاذ “عماد” من الجماعة أن (تدعو أنصارها للابتهال إلى الله أن ينزع هذا البلاء عن المصريين عبر الدعاء سرًّا فى بيوتهم..) إنما يعلن صراحة مبتغى العسكر من الإخوان فلا يتخطونه: أن تكون جماعة (دراويش) يُسجنون ويُقتلون فيدعون للقاتل والسجان، ثم يبتهلون كى يتخطى (البلد) أزمته، ألا ترى أن هذا هو عين ما فعله فرعون مع موسى ومن معه استخفافًا بهم..

(وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُواْ يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ) [الأعراف: 134، 135].

وأخيرًا.. ارجع يا دكتور –واعذرنى- إلى مقال الأستاذ “عماد” واقرأ تعليقات “المصريين” عليه، ستجدها أوفق من ردك، ففضلًا عن أنهم كَفُّوا أذى الرجل عن الجماعة، فإنهم قد فهموا (اللعبة) أكثر مما فهمها أصحاب القضية والمبدأ.

أضف تعليقك