بقلم: علي أبو هميلة
كانت حادثة رفض أهالي قرية البهو بمحافظة الدقهلية بمصر دفن مريضة الكورونا بمدافن القرية كاشفه إلى حد كبير عما أصاب المجتمع المصري خلال عقود من الزمن من تجهيل وفقر ومرض، وقبل هذا وذاك تجريف للعقول والروح وبث روح الأنانية والكراهية بين أفراد المجتمع.
وحينما ترصد رد الفعل للمجتمع ستكتشف حجم الزيف الإنساني الكبير الذي يفخر به المصريون، فهذه الإنسانية التي ظهرت على وسائل التواصل الاجتماعي بدت إنسانية مزيفة؛ إذ هي حاضرة فقط في المشاهد التي ليس لها ثمن بينما تغيب حينما يكون هناك ثمن مدفوع لها.
لماذا ينتفض هؤلاء في هذه الحادثة ولم ينتفضوا وهناك نحو ١٠٠ ألف سجين في السجون معرضون للمرض والموت بسبب نفس المرض، وحينها لن نعرف من مرض منهم ومن مات ودفن دون أن ندري أين ومتى دفنوا؟!
الإفراج عن السجناء ووحدة المصريين
بيانات كثيرة ظهرت خلال الأسبوع الماضي تنادي بوحدة المصريين خلال الأزمة التي تمر بها مصر والعالم، بدأت ببيان السيد حمدين صباحي المرشح الرئاسي السابق وزعيم التيار الشعبي بنداء قال حمدين في نصه إنه بيان من مواطن إلى رئيس الجمهورية..
وأعقب ذلك بيان آخر من جماعة الإخوان المسلمين أعلنوا دعمهم للوطن في الأزمة، وبيان ثالث مما يسمي بمجموعة العمل الوطني بإسطنبول.. قد تتفق مع أجزاء من بيان أو مع بيان كامل من هذه البيانات، ولكنها في النهاية تعبر عن قوى توحدت في لحظة عصيبة يمر بها الوطن بكامله ومن أهم مطالبها الإفراج عن المساجين والمعتقلين وتشكيل لجنة قومية لإدارة الأزمة.. لاحظ أنهم لم يطلبوا إدارة البلاد فماذا كان رد السيسي؟!
السيسي يعيد تعبير أهل الشر
مرة أخرى بعد غياب أطل السيسي علينا في مناسبة أتصور أنها مصنوعة إذ جلس بين أفراد القوات المسلحة يستعرض استعداداتها للتعامل مع تطورات وباء كورونا، وأعاد تعبير أهل الشر ورسخ فكرة العداء لجماعة الاخوان المسلمين وحذر المصريين من انهم سيحاولون العودة لحكم مصر خلال ثلاث إلى خمس سنوات
السيسي هنا لا يقذف كلاما اجوف ويمضي بل يحاول ان يستعيد حالة الكراهية التي صنعها بنفسه بين فصائل الشعب المصري منذ سنوات، وخلال ٤٨ ساعة من الخطاب كان الرد أيضا على حمدين صباحي بالقبض على اثنين من أقربائه ليقول السيسي للجميع: ليس لدي سوى السجون والحرب بتعبيره عن محاربة أهل الشر
هل تعي القوى الوطنية الرسالة
سؤال غاية في الأهمية ها هو السيسي يضرب في كل اتجاه لا فرق عنده بين اتجاه أو آخر الحرب هنا والسجن هناك، فلماذا لا تعي القوى الوطنية الرسالة؟
بل على العكس يتعمد أفراد هنا وهناك تعميق الخلاف بين هذه القوى.. فهل فكرنا للحظة أن هناك صاحب مصلحة في استمرار الوضع كما هو عليه ولماذا يصمم أفراد أو قيادات على تأجيج حالة الانقسام بين هذه القوى؟ بل إنني في غاية الاندهاش من شخصيات سعت كثيرا قبل السيسي الى وحدة القوي الوطنية والآن هي على الطرف النقيض بل تسعي لمهاجمة أي شخص ينادي بهذه الوحدة.
محطات في وحدة القوى الوطنية
من عاش في ميدان التحرير أيامه ولياليه إبان ثورة يناير، سيدرك كم كانت اللوحة مبهرة وحجم الامتزاج والمحبة بين أفراد الشعب المصري.
هذه اللوحة التي أبهرت العالم أجمع وأكدت على أن هذا الشعب صاحب حضارة عظيمة و لم يكن أكثر الناس تفاؤلا يتخيل أن تلتحم كافة التيارات بهذه الصورة..
كانت لوحة يناير نتاج جهد كبير استمر طويلا لتوحيد الصف الوطني ولعل اهمها حركة كفاية التي ضمت كل التيارات السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار فماذا حدث لكم؟!
ألم يكن هناك في يوم من الايام لجان توفيق بين التيار القومي والتيار الإسلامي.. ألم يكتب عبدالحليم قنديل كتابا عن الناصرية والإسلام، ألم يكتب المفكر الراحل محمد عمارة كتابا على نفس النهج؟!
ألم يتحد التيار القومي والناصري مع الاخوان في انتخابات مجلس نقابة الصحفيين في أعوام كثيرة ؟ ثم ألم يكن البرلمان الموازي الذي أعلن عقب انتخابات ٢٠١٠ يضم كل التيارات.. ألم يكن مجيء البرادعي في ٢٠١٠ والجمعية الوطنية للتغيير تضمكم جميعا.. فماذا حدث؟!
يناير ومحطات الوحدة
شهدت يناير محطات للوحدة أهمها تلك القائمة التي ضمت العديد من التيارات السياسية التي تقف اليوم على طرفي نقيض..
ألم تكن ٣٠ يونيو ومطالب الذين نزلوا الى الميادين انتخابات رئاسية مبكره.. نعم كان هناك خلاف بين الذين نزلوا في ٣٠ يونيو مع الإخوان المسلمين ولكنهم لم يطالبوا بإقصائهم وإبعادهم عن الحالة السياسية في مصر بالسجن أو بالخروج الى بلاد العالم ومطاردتهم في أرزاقهم ومصادرة أموالهم
لم يطلق من نزل في ٣٠ يونيو على الإخوان أهل الشر، وكان حزب مصر القوية ورئيسه الإسلامي عبد المنعم أبو الفتوح وغيره كحركة ٦ أبريل من المشاركين في اليوم والداعين لانتخابات رئاسية مبكرة. ألم يكن التيار الشعبي عاملا مهما في ذلك.. فاين هؤلاء جميعا؟
انهم يرافقون الإخوان في السجون فمتى نعي هذا؟!
متى نعي اننا جميعا أصبحنا في نظر السيسي أهل شر لا فرق هنا بين أحمد ماهر وحسام مؤنس وعبد المنعم أبو الفتوح ومحمد البلتاجي وحازم حسني كلهم الآن في سجون السيسي وكلهم أهل شر!
الوباء هل يعيد التفكير؟
هل تكون تلك الازمة بسبب الوباء فرصة للجميع، وهم في بيوتهم تحت الحظر، فرصه لإعادة التفكير فيما كنا قبل السيسي وما أصبحنا عليه الآن؟
هل يمكن أن نفكر بهدوء في صاحب المصلحة من خلافاتنا وحمل الكراهية لبعضنا البعض؟
علينا جميعا أن ندرك حجم ما حدث من تغييرات أصابتنا، ومن المؤكد أنها ستصيب الوطن إن لم نر في هذه المحنة الطريق إلى مصر جديدة أو على أقل تقدير مصر ما قبل السيسي!
أضف تعليقك