• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

إعداد: موقع الشارع السياسي

يمثل الاستيطان الإسرائيلي أخطر الإجراءات التي يقوم بها الاحتلال من أجل تكريس وجوده للأبد، ذلك أن القرارات والمواقف الدولية التي لا تعترف بشرعية الاستيطان والاحتلال عموما، تقف عند حدود التصريحات والقرارات المكتوبة وسط تواطؤ دولي يمنح الفلسطينيين كلاما معسولا ويترك الاحتلال يعبث كما يشاء دون حساب، كما لا توجد قوة مادية تفرض هذه القرارات الدولية على الاحتلال فرضا، بينما تقوم “إسرائيل” بتغيير الجغرافيا قسرا عبر التهام مزيد من الأراضي المحتلة سواء تلك التي تم اغتصابتها سنة 1948م أو بعد هزيمة الطاغية عبدالناصر في حرب يونيو حزيران 1967م والتي أدت إلى احتلال القدس ومعظم الضفة الغربية وغزة بخلاف سيناء والجولان، خطورة الاستيطان ليس فقط لاعتباره انتهاكا صارخا للقانون الدولي  والقرارات الدولية، ولكن لأنه يكرس الاحتلال الباطل على الأرض عبر مصادرة الأراضي وهدم المنازل والممتلكات الفلسطينية وطرد الفلسطينيين وشق الطرق الالتفافية لتغيير الطابع العمراني والتكوين الديموغرافي للأراضي المحتلة بما فيها القدس، فضلا عن كون الاستيطان يشكل انتهاكا لاتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب.

وحتى اليوم وبعد الصفقة الأمريكية الملعونة، لا يتوقف الاحتلال الصهيوني عن تكريس بنودها حتى في ظل تفشي وباء كورونا “كوفيد ــ19” بين جيشه ومواطنيه؛ حيث تجد حكومة الاحتلال انشغال العالم كله بمعركة مكافحة الوباء فرصة من أجل تكريس يهودية كيان الاحتلال الإسرائيلي والتهام الضفة الغربية المحتلة وغور الأردن عبر التوسع في سرطان الاستيطان إلى أبعد مدى؛ وهي السياسات التي تمضي على قدم وساق دون توقف اتساقا مع صفقة القرن الأمريكية.

وخلال الأسابيع الماضية، شيّد المستوطنون أربع بؤر استيطانية جديدة في الضفة الغربية في ظل حماية من جانب قوات الاحتلال، في ظل  تسارع في عمليات هدم المنازل الفلسطينية، وتوزيع إخطارات بدعوى البناء بدون ترخيص، وعمليات استيلاء على الأراضي من قبل حكومة الاحتلال والمستوطنين، البؤر الاستيطانية الأربعة تقع الأولى منها جنوبا في بيت لحم، والثانية شمال شرق بالأغوار حيث سيطر مستوطنون على مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية وزرعوها بالمحاصيل في حماية قوات من جيش الاحتلال، والثالثة والرابعة قرب بلد المغيّر شرقي رام الله مقر رئاسة السلطة الفلسطينية التي تقف عاجزة أمام هذه المخططات السرطانية الممنهجة.([1])

ويسهم في نجاح الصهاينة في نهبهم لمزيد من الأراضي الفلسطينية حالة الطوارئ، وخشية المواطنين على أنفسهم من الإصابة بالفيروس، كما جرى في منطقة جبل المغير التي تطل على منطقة غور الأردن والتي تزرع بالزيتون واللوز والعنب؛ حيث اعتصم مئات الفلسطينيين لحماية أراضيهم من قطعان المستوطنين، لكن فرض حالة الطوارئ الفلسطينية من جانب السلطة مع بداية شهر مارس؛ خوفا من كورونا من جهة، والاعتداءات المتكررة من جانب المستوطنين مدعومين بقوات الاحتلال التي قصفت المعتصمين بالرصاص الحي والمطاطي من جهة أخرى؛ مع اكتفاء السلطة الفلسطينية بالفرجة والشجب والإدانة اضطر الفلسطينيين لفك الاعتصام، وتمكن المستوطنون من اغتصاب المنطقة وتشييد بؤرة استيطانية جديدة.

وفي الثلاثاء 7 إبريل، حذرت الجامعة العربية، حكومة الاحتلال من توظيف أزمة كورونا، لضم أراضي فلسطينية جديدة وتوسيع البؤر الاستيطانية، وبحسب بيان الجامعة فإن “التوسع الاستيطاني يعكس سعياً لتوظيف إسرائيل حالة الانشغال العالمي بمواجهة هذا الوباء من أجل تنفيذ مخططات اليمين الإسرائيلي بضم أجزاء من الضفة الغربية”.

ويوم الجمعة 10 إبريل اعتدت عصابات الاحتلال بالغاز المسيل للدموع على عدد من الفلسطينيين شاركوا في مسيرة مناهضة للاستيطان بقرية كفر قدوم بالضفة الغربية المحتلة، وقمعت المتظاهرين بإطلاق قنابل الغاز والرصاص الحي والمطاطي، ما أدى إلى إصابة العشرات بالاختناق.

وتشير البيانات الإحصائية إلى وقوع ما بين 35-50 اعتداء شهريا لمستوطنين في الضفة الغربية، تشمل حرق أو اقتلاع أشجار، أو رشق مركبات المواطنين بالحجارة، أو اعتداءات بأشكال مختلفة وأعمال تهديد، واقتحام مساجد وكتابة على المركبات والجدران؛ وتعاني من ذلك مدينة الخليل وبلدات التماس القريبة من المستوطنات بشكل رئيسي.

وفي الوقت الذي تقر فيه شرطة الاحتلال بأن عام 2019 شهد تصاعدا في عدد الاعتداءات من المستوطنين في الضفة الغربية، فإن منظمة “بتسيليم” الحقوقية الإسرائيلية تشير إلى أن غالبية اعتداءات المستوطنين لا يتم المعاقبة عليها في المحاكم الصهيونية؛ ما يعني موافقة ضمنية من جيش الاحتلال على تلك الاعتداءات.

ومنذ احتلال إسرائيل، للضفة الغربية، عام 1967، أقامت 132 مستوطنة و121 بؤرة استيطانية يقيم فيها 427 ألف يهودي، بحسب معطيات سابقة لحركة “السلام الآن” الإسرائيلية.

الاستيطان بالأرقام

حتّى مطلع 2019، بلغ عدد مستوطني الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس نحو 670 ألف مستوطن، منهم 228 ألف و500 مستوطن في مدينة القدس، ومنتصف 2019، قدر الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، عدد سكان الضفة الغربية، بنحو 3 ملايين نسمة.

ووصل عدد المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الفلسطينية، نهاية 2019، إلى حوالي 150 مستوطنة، و128 بؤرة استيطانية (غير مرخصة إسرائيليا)، بالإضافة إلى 15 مستوطنة في مدينة القدس المحتلة، وفي نهاية عام 2018، بلغت مساحة أراضي الضفة الغربية، التي تسيطر عليها إسرائيل حوالي 51.6%، بحسب بيانات دائرة شؤون المفاوضات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية.

ووفق البيانات، فإن مساحة مناطق النفوذ في المستوطنات الإسرائيلية بالضفة بلغت نسبتها حوالي 9.3% من إجمالي مساحة الضفة، يخدمها شبكة طرق على مساحة 2.3 % من الضفة الغربية.

وتشير البيانات إلى أن إسرائيل شيدت 25 منطقة صناعية استيطانية في الضفة الغربية، بالإضافة لمنطقة صناعية واحدة في مدينة القدس،  أما المساحات التي تغلقها إسرائيل بدعوى أنها منطقة عسكرية مغلقة فقد شغلت حتى العام الحالي، ما نسبته 20% من إجمالي مساحة الضفة التي يوجد فيها 94 قاعدة عسكرية إسرائيلية، وتسيطر إسرائيل أيضا على 20% من مساحة الضفة الغربية بدعوى أنها أراضي دولة، بحسب دائرة شؤون المفاوضات، وعزل جدار الضم والتوسّع الإسرائيلي (الفصل العنصري) أكثر من 12% من مساحة الضفة الغربية، وفق بيانات المركز الإحصاء الفلسطيني.

وتعتبر سلطات الاحتلال أن (60%) من مساحة الضفة الغربية التي صنفتها اتفافية أوسلو على أنها مناطق (ج) وتخضع إداريا وعسكريا للاحتلال على أنها جزء من الفضاء الذي يحق لها السطو عليه؛  فلجأت “إسرائيل” إلى وضع يدها على مساحات جغرافية واسعة في الضفة للحد من التمدد العمراني الفلسطيني، وللسيطرة على المناطق ذات الأهمية العسكرية كالتلال والمرتفعات والممرات الحاكمة، وللاستيلاء على الموارد الطبيعية كالمياه، كما صنف الاحتلال 48 موقعاً في الضفة محميات طبيعية وحدائق وطنية وأراضي دولة تشكل 12.4% من مجموع مساحة الضفة، 88% من مجموع مساحات المحميات يقع في المنطقة التي تم تصنيفها “ج”، ولا يبقى وفق ذلك سوى 42% من مساحة الضفة للفلسطينيين.([2])

محطات الاستيطان

بدأ الاستيطان بعد حرب 48 مباشرة، خصوصا في الأراضي التي اعترفت بها الأمم المتحدة ككيان خاص باليهود في قرار التقسيم سنة 1947م، وبعد هزيمة 5 يونيو حزيران 1967م تزايدت معدلات الاستيطان بصورة كبيرة وهذه أبرز المحطات([3]):

أولا، مرحلة 1967 – 1974:  كانت حكومة حزب العمل برئاسة ليفي أشكول وبعدها غولدا مائير قد أقامت تسع مستوطنات في غوش عتصيون وغور الأردن، وهي تعادل 82% من المستوطنات التي أقيمت آنذاك وعددها 11 مستوطنة، وتشكل 8% من مجموع المستوطنات اليوم.

ثانيا، مرحلة 1974 – 1977:  في هذه الفترة استثمرت حكومة رابين العمالية نتائج حرب أكتوبر، في تصعيد السياسة الاستيطانية؛  فأقامت تسع مستوطنات جديدة وهي تشكل6,5% من مجموع مستوطنات اليوم، وارتفع عدد المستوطنين إلى 2876 مستوطناً يمثلون 0,3% من مجموع السكان بالضفة الغربية، وفي غوش عتصيون وغور الأردن أقيمت ست مستوطنات، كما أقيمت مستوطنات في منطقة القدس ومستوطنة في منطقة الضفة الغربية، وتركز الاستيطان في القدس بإقامة الحي اليهودي، ومستوطنات التلة الفرنسية، ونفي يعقوب، وتل بيوت الشرقية، وجيلو، وراموت، ورمات أشكول، ومعلوت دفنا.

ثالثا، مرحلة 1977 – 1981: وكما استغل الاحتلال حرب أكتوبر لتوسيع الاستيطان، استغل أيضا فترة معاهدة السلام مع نظام الرئيس الراحل محمد أنور السادات بمصر؛ والتي شهدت انقلابا تاريخيا ومحطة فاصلة داخل الاحتلال؛ حيث تشكلت حكومة يمينية متطرفة بقيادة مناحيم بيجن؛ وبعد معاهدة السلام سنة 1979م تمت إقامة 35 مستوطنة جديدة شكلت 35,5% من مجموع المستوطنات اليوم، وازداد عدد المستوطنين إلى 13234 مستوطناً، وبلغت نسبة الزيادة 241%، وللمرة الأولى أقيمت مستوطنة واحدة في قطاع غزة، كما شهدت القدس في هذه الفترة، أكبر حركة مصادرات للأراضي الفلسطينية في المنطقة الشمالية الشرقية، في حين استمرت عمليات البناء وزيادة عدد المستوطنين.

رابعا، مرحلة 1990 ــ2000: وهي الفترة التي شهدت بدء مؤتمر مدريد واتفاق أوسلو سنة 1993م وإقامة حكم ذاتي فلسطيني في الضفة، حيث اشتدت الحركة الاستيطانية بعد أن رأس الحكومة الإسرائيلية الليكودي إسحاق شامير الذي كان يجسد الفكر الصهيوني الاستيطاني، فقد أقيمت سبع مستوطنات شكلت 5% من مجموع المستوطنات آن ذاك، وارتفع عدد المستوطنين إلى 107 آلاف مستوطن، فصارت نسبتهم 5,3% من المجموع العام لسكان الضفة الغربية، وقد توزعت إقامة المستوطنات في جميع أرجاء الضفة الغربية ما عدا منطقتي رام الله وغور الأردن، واستناداً إلى تقارير حركة السلام الآن، فقد تزايد عدد المستوطنين منذ عام 1992، من 107 آلاف مستوطن إلى 145 ألف مستوطن في نهاية حكومة العمل برئاسة بيريز، كما تم بناء أو استكمال بناء عشرة آلاف وحدة سكنية، وأقيمت ضمن مفهوم القدس الكبرى أربعة آلاف وحدة سكنية جديدة.

خامسا، مرحلة 2000 – 2018: واصلت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة مصادرة الأراضي الفلسطينية لصالح تسمين المستوطنات القائمة وبناء جدار الفصل العنصري؛ فشهدت هذه الفترة بناء عدد كبير من البؤر الاستيطانية، وتضاعف عدد المستوطنين، تحديدًا في المحافظات الشمالية، وعلى وجه الخصوص محافظة القدس، وشهدت هذه المرحلة انسحاب وتدمير المستوطنات في قطاع غزة في العام 2005، وإجلاء نحو 8500 مستوطن منها.

شرعنة أمريكية للاستيطان

ويمثل الاعتراف الأمريكي في 18 نوفمبر 2019م بشرعية المستوطنات محطة فاصلة؛ حيث أعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أن حكومة بلاده لم تعد ترى في بناء المستوطنات في الضفة الغربية انتهاكا للقانون الدولي، وأنه بعد دراسة جميع جوانب النقاش القانوني بعناية، توافق هذه الإدارة على أن إنشاء مستوطنات مدنية إسرائيلية في الضفة الغربية لا يتعارض في حد ذاته مع القانون الدولي”.

ويسلط القرار الأمريكي الضوء على تسارع وتيرة الانتشار الاستيطاني في الضفة الغربية بما فيها القدس، حيث تشير البيانات الإحصائية الفلسطينية إلى أن مجموع المستوطنات في الضفة الغربية والقدس المحتلتين بلغت 503 وحدة، يقطنها أكثر من (653,621) مستوطنًا، حيث توجد 474 مستوطنة في الضفة الغربية و29 مستوطنة بالقدس.([4])

وفي 28 يناير 2020، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ما تبقى من تفاصيل الصفقة الأمريكية التي يراد فرضها قهرا على الفلسطينيين؛ والتي تعترف بالقدس عاصمة أبدية للاحتلال، وإسقاط حق العودة لأكثر من ستة ملايين فلسطيني أخرجوا من ديارهم بغير حق، كما تعترف بشرعية المستوطنات التي أقامها الاحتلال في الأراضي المحتلة في أعقاب حرب 5 يونيو 1967م، وفي فبراير بدأ فريق أمريكي إسرائيلي بوضع “خريطة دقيقة” لضم أجزاء في الضفة الغربية، بموجب “صفقة القرن”.

وتوسعت حكومة الاحتلال منذ تتويج ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، في مشروعات الاستيطان بشكل سافر وعاصف لكل قرارات الأمم المتحدة؛ وبحسب هيئة الأمم المتحدة في تقرير قدم أمام جلسة لمجلس الأمن في نهاية 2019م،  فإن عدد الوحدات الاستيطانية التي قُدمت خطط لبنائها في الأراضي الفلسطينية، أو تمت الموافقة عليها خلال العام بلغ عشرة آلاف وحدة، مقارنة بنحو 6800 في كل من العامين الماضيين، ووفقا للتقرير فمنذ 2016 جرى التخطيط أو تمت المصادقة على مخططات لإقامة أكثر من 22000 وحدة استيطانية جديدة في مستوطنات الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وصدرت مناقصات لإقامة 8000 وحدة».([5])

وتؤدي المستوطنات دورا وظيفيّا في تقسيم الضفة الغربية إلى معازل وكنتونات تشمل ثلاث كتل سكانية فلسطينية كبرى تحولت لمعازل؛ الشمال وتضم نابلس وجنين وطولكرم، والوسط رام الله والبيرة، والجنوب وتشمل الخليل وبيت لحم، وبفعل الطرق الالتفافية والجسور والمناطق الأمنية للمستوطنات تمت تجزئة الكتل الثلاث الكبرى إلى ستة كنتونات أصغر، والكنتونات قسمت إلى حوالي 68 معزلاً.

ويسيطر الجيش الإسرائيلي على هذه المعازل والكنتونات سيطرة شبه كاملة، وهذا يعني عمليّا استحالة قيام أي تواصل جغرافي داخل الضفة الغربية؛ حيث إن توزيع المستوطنات وتضخمها منذ عام 1967 جاءا وفق رؤية إستراتيجية متكاملة.

وتنتهك الصفقة الأمريكية القرارات الدولية الخاصة بفلسطين سواء ما يتعلق بالقدس أو اللاجئين أو عدم مشروعية المستوطنات([6]):

أولا، تنسف قرار مجلس الأمن رقم (242) والذي يتعلق بالانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967م،  والذي صدر في 22 نوفمبر1967، ونص على انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها في النزاع الأخير (خلال حرب يونيو1967، وتشمل الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة والجولان السوري وسيناء المصرية، واحترام واعتراف بسيادة وحدة أراضي كل دولة في المنطقة، واستقلالها السياسي، وحقها في العيش بسلام ضمن حدود آمنة، ومعترف بها، وحرة من التهديد وأعمال القوة، لكن صفقة ترامب التي يتواطأ حكام العرب على تكريسها تعصف بهذا القرار ولا تطالب بالانسحاب من هذه الأراضي، وإقامة الدولة الفلسطينية عليها، بل إن خطة ترامب، تضم أراض احتلتها إسرائيل عام 1967 إلى حدودها؛ وتعتبر القدس كاملة غير مقسمة عاصمة لها واحتفظت بالأغوار وكامل الحدود الشرقية للضفة الغربية، والتي تم احتلالها في ذلك العام.

ثانيا، تعصف صفقة ترامب أيضا بالقرار رقم (2851)، الصادر في 20 ديسمبر1971، حيث طالبت الأمم المتحدة إسرائيل بإلغاء جميع إجراءات ضم أي جزء من الأقاليم العربية المحتلة، وإلغاء إقامة المستوطنات الأراضي المحتلة، وتدمير وتهديم القرى والأحياء ومصادرة الممتلكات ونزع ملكيتها، إجلاء سكان الأقاليم المحتلة وإبعادهم، إنكار حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم،  لكن صفقة ترامب تبقي على المستوطنات وتمنحها شرعية تخالف القانون الدولي، وفي حال تم تطبيق الصفقة فقد يتعرض المزيد من الفلسطينيين للإبعاد والطرد عن أراضيهم ومصادرة ممتلكاتهم.

ثالثا، تنسف صفقة ترامب بالقرار رقم ( 3236) الصادر في 22 نوفمبر1974 ، ونص على أن حقوق الشعب الفلسطيني غير قابلة للتصرف، وخاصة حقه في تقرير مصيره بدون تدخل خارجي، وحقه في الاستقلال والسيادة الوطنييْن؛ كما أكّد القرار على حق الفلسطينيين غير القابل للتصرف في “العودة”،  ولكن صفقة ترامب تنتهك هذا القرار بحيث يقر الجانب الأمريكي وهو طرف خارجي مصير الشعب الفلسطيني، بدون عقد اتفاقيات للتسوية، كما تُبقي إسرائيل على المستوطنات التي أُقيمت في الضفة الغربية وتضمها إلى أراضيها.

رابعا، تنسف خطة ترامب أيضا القرار (32/5) الذي صدر في 28 أكتوبر 1977م، الذي نص على أن الاجراءات الإسرائيلية الأخيرة غير المشروعة في الأراضي العربية المحتلة والتي تستهدف تغيير الطبيعة القانونية والتشكيل الجغرافي والتركيب السكاني فيها مخالفة لأحكام ميثاق الأمم المتحدة والتزامات إسرائيل الدولية طبقا لاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 لقرارات الأمم المتحدة وعرقلة المساعي المبذولة للتوصل إلى سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط، وعدّ القرار كافة الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل (من بينها إنشاء المستوطنات) في الأراضي الفلسطينية والأقاليم العربية المحتلة ، منذ عام 1967، لا صحة لها قانونيا، ولا تكتفي خطة ترامب بنسف هذا القرار الدولي بل تتجاوز ذلك إلى شرعنة الاستيطان ودعم الكيان الصهيوني في ضم غور الأردن والمستوطنات كافة.

خامسا، كما تنسف صفقة القرن القرار رقم (2334) الصادر في 23 ديسمبر 2016م، والذي حث على وضع نهاية للمستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، كما نص على مطالبة إسرائيل بوقف الاستيطان في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وعدم شرعية إنشاء إسرائيل للمستوطنات في الأرض المحتلة منذ عام 1967، وصفقة ترامب أجازت ضم المستوطنات ومنحتها شرعية أمريكية تقوم على القوة والتهام أراضي الغير بالعدوان بل تقر بشرعية الاحتلال في ضم القدس كلها لتكون عاصمة أبدية في عصف بكل المواثيق والقرارات الدولية والقانون الدولي.

بين مساري أسلو والمقاومة

للأسف أسهم التواطؤ العربي والخيانة من جانب السلطة الفلسطينية في تكريس الوجود الصهيوني وتوسع الاستيطان، لعدة أسباب أهمها الشراكة الأمنية بين أجهزة السلطة والاحتلال والحرب على فصائل المقاومة في الضفة المحتلة والعمل على تجفيف منابعها؛ وهو ما أسهم في تحسين البيئة الأمنية داخل المستوطنات ودفع قطاعات واسعة من الصهاينة للإقامة داخل المستوطنات للفوز بالمزايا التي تقدمها حكومة الاحتلال للمقيمين فيها سواء على مستوى الوظائف أو الخدمات الصحية والتعليمية والمالية.([7])

ثانيا، التنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال أفضى إلى تعزيز الوجود اليهودي في القدس والضفة وهو ما يعني مساهمة من جانب السلطة في تكريس يهودية الاحتلال.

ثالثا، أفضى التنسيق الأمني إلى تعزيز البيئة الاقتصادية داخل المستوطنات ودفع رجال أعمال صهاينة نحو إقامة مشروعات اقتصادية ومصانع في المستوطنات هو نتيجة طبيعية لتحسين البيئة الأمنية وتعزيز الوجود اليهودي في المناطق المحتلة والذي تساهم فيه السلطة الفلسطينية بدور فعال دون خجل أو شعور بالجريمة.

وتؤكد تجربة قطاع غزة من خلال تعزيز دور المقاومة بكل أشكالها خيارا مثاليا لمواجهة الاستيطان والاحتلال عموما؛ فأمام ضربات المقاومة التي استنزفت الاحتلال؛ اضطر إلى سحب مليشياته من غزة سنة 2005م، وفكك جميع المستوطنات وقام بترحيل نحو 8500 مستوطن، وهي تجربة تكشف الفوارق الضخمة بين مسار أوسلو المتواطئ  الذي مكن للاحتلال وكرَّس وجوده، ومسار المقاومة الذي ينتزع الحقوق ويحرر الأراضي المحتلة رغم اختلال موازين القوى بشكل صارخ لصالح الاحتلال، في ظل انحياز أمريكي وتواطؤ عربي ودولي.

-----------
مصادر الدراسة:

[1] فيس أبو سمرة/إسرائيل تستغل “كورونا” لضم الضفة الغربية (تقرير)/ وكالة الأناضول 10 إبريل 2020

[2] الاستيطان في 2019.. شرعنة ترمب وسرقة مستمرة للأرض المركز الفلسطيني للإعلام

[3] مراحل الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية/وكالة وفا الفلسطينية

[4] الاستيطان في 2019.. شرعنة ترمب وسرقة مستمرة للأرض المركز الفلسطيني للإعلام

[5] عريقات: الاستيطان يتكثف 25 % سنوياً/ الشرق الأوسط الجمعة20 مارس 2020

[6] نور أبو عيشة/“صفقة القرن” تنسف القرارات الدولية الخاصة بفلسطين (إطار)/ وكالة الأناضول 31 يناير 2020

[7] صالح النعامي/ دور السلطة الفلسطينية في تهويد الضفة الغربية/ الجزير نت

أضف تعليقك