• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

اعتاد شرفاء المصريين خاصة بعد نصر 6 أكتوبر؛ النظر للقوات المُسلحة من الأفراد أو التشكيلات على أساس من الشعور بالرضا، لم تقلل منه حتى اتفاقية كامب ديفيد في 17 أيلول/ سبتمبر 1978م ليقينهم أنه قرار فرضه الرئيس الراحل أنور السادات. وظلتْ هذه النظرة شائعة تُريحُ أصحابها حتى غلب على ظن كثير منهم صحتها؛ خاصة بعد ما تخيلوا أنه "وقفة" لها مع ثورة 25 يناير في بدايتها. ولكن المُتفائلين المُصدقين والقليل من غيرهم أفاقوا على الكابوس المُفزع يوم الأربعاء الموافق 14 من آب/ أغسطس 2013م، وكانت قمته في ميادين مصر على كثرتها، لا في رابعة العدوية بشرق القاهرة أو النهضة بغربها فحسب. ومن يومها لم تتبدل النظرة لمُجمل الجيش؛ وإنما حلتْ محلها مشاعر غضب ودهشة عارمينِ لدى الكثيرين الحريصين على استمرار نسيج ولُحمة الشعب.

تفقد عبد الفتاح السيسي صباح 7 نيسان/ أبريل الجاري العناصر والمعدات والأطقم التابعة للجيش نفسه؛ زاعما أنها مُخصصة لدعم القطاع المدني في الدولة المصرية لمكافحة فيروس كورونا المُستجد، والحقيقة أن تفقده جاء تتميما واستكمالا لمتلازمة مرضية لديه تُضيف بلاء جديدا للمصريين، أو مجموعة اضطرابات اجتماعية مُزمنة مُترابطة، إضافة للفيروس. فالسيسي (المُفترض أنه يُمثل رأس الوطن) لمّا كان يحب تطمين أبنائه لسيطرته ودولاب نظامه على الجائحة، كان يجب أن يلجأ لتفقد المستشفيات والمؤسسات العلاجية المدنية؛ مُشعرا المواطنين بأنه رئيس لهم جميعا، لا أن يُهرع ليأخذ "اللقطة" مُرتديا الكمامة وسط الجيش الذي يُمثل لديه شعبه الحقيقي وحاميه ودرعه وقفازه، وهو ما يُشعر المُواطنين بالغبن والظلم الشديدين.

فالقوات المسلحة النظامية تقل عن المليون عسكري (920 ألفا من جنود وقادة)، والفئة الأخرى المُكلفة بقضاء فترة تُقدرُ بأقل من عام إلى ثلاثة أعوام، عددها نحو مليون ونصف المليون، بحسب موقع "غلوبال فاير باور" العسكري المتخصص في بداية شباط/ فبراير الماضي، فإذا كان مُجمل القوات المسلحة ثلاثة ملايين، أو على افتراض أنه كذلك، فماذا عن نحو 97 مليون مصري آخرين؟

لسان حال السفاح الجالس على كرسيه بالدم وتقطيع الأشلاء يقول بوضوح إن ما يهمه هو الجيش، ورغم ذلك تتعملق "الأنا" لديه، فيصل الغرور به لمواصلة عادته المفضلة؛ التي لم يسبقه إليها رئيس أو ملك من مخاطبة فئته الأثيرة وهو جالس بكرسي فخم مُميز مُوليّا إياهم ظهره.

وفي ظرف كالجائحة الأصل جلوس وزيرة الصحة هالة زايد في الصدارة؛ لكن الجنرال أجبرها على أن تجلس بعيدا مُنزوية في الصف الثالث من الحضور، لا تكاد كاميرا التلفزيون تلمحها، وأمامها العسكريون الكبار بزيهم الخاص. وحتى رئيس الوزراء يفصله عن رئيسه وزير الدفاع؛ فالجلسة نكهتها عسكرية تحتقر المدنيين، فيما يحتقر رئيس العسكر أغلب العسكريين الذين يهبونه شرعيته الحقيقية ويحمونه، ويتحملون نظرات الاستهجان من الشعب الصابر على السيسي الذي يتخيل أنه اختصر الدولة ذات التاريخ الممتد لآلاف السنين في شخصه وبعض قيادات جيشه المرضى الذين يرضى عنهم؛ دون أن يجدوا رادعا أو حسيبا من بقية القوات.

ولانتشاء "الأنا" وتفوقها على متلازمة الدولة/ الجيش، أو بتعبير الظرفاء من المصريين "الجيش الذي نمَتْ له دولة، لا الدولة التي نما لها جيش"، ولظن السيسي أنه اختصر الشعب في الجيش، واختصر الجيش في شخصه، صَدَّرَ كلمته بأن الوضع مستتبٌ؛ فلا ينبغي لأحد أن يشكك المصريين فيه ولا في "تعاوننا مع بعضنا". وبعضنا هذه المقصود بها تمهيدٌ لإلقاء مصائبه وبلاياه على المصريين على طريقة المثل العربي القديم: "رمتني بدائها وانسلتْ".

وبعد حين يواصل السفاح فُجره في الخصومة مع فصيل المصريين المدني الأبرز "الإخوان المسلمين" (رغم خلافنا مع بعض توجهاتهم)، مُطلقا عليهم لقبه المُفضل "الفصيل الشرير"، وزاعما أن معركتهم ليست مع شخصه ولا يستهدفونه بل يستهدفون المصريين؛ مع أن الإخواء جزء منهم وعاشوا بينهم أكثر من 90 عاما، وجاؤوا للحكم بناء على أول وآخر انتخابات رئاسية حقيقية في تاريخ الكنانة؛ بل إنهم (في صورة الرئيس الراحل محمد مرسي) ولُّوه وزارة الدفاع، بما استوجبه ذلك من ترقيته من لواء لفريق ثم فريق أول مرة واحدة في 12 من آب/ أغسطس 2012م؛ ليرد لهم الجميل بعد عام ويومين بتمزيقهم والثورة، ولاحقا التسبب بمقتل الرئيس الذي ائتمنه وولاه!

وعلى طريقة "الشيطان يعظ" للراحل الروائي الرائع نجيب محفوظ، راح الجنرال يراوغ مُدعيا أن قرار عودة الإخوان كجزء من الدولة بيد المصريين فقط. وبينما بلدهم يحتاج لجهد كل مخلص للخروج من أزمة صحية عارمة لم تظهر شدتها بعد، في سجون السفاح آلاف من الأطباء والصيادلة وكفاءات مُميزة مُهددة بالموت، وهؤلاء يمكنهم لا الأخذ بيد المصريين فحسب، بل الأمة والبشرية نحو نشر الوعي والتخفيف من حدة ووفيات الفيروس.

كعتاة البلطجية من الطغاة، ادعى الجنرال أنه لم يعِد طوال فترة حكمه بوعد إلا ونفذه، مُتناسيا "بكرة تشوفوا مصر"، و"هذا الشعب لم يجد مَنْ يحنو عليه أو يرفق به"، و"خلال عام (من منتصف 2014م) سأنفذ شبكة طرق تمسك مصر بقوة"، وهلم جرا من الوعود التي أثبتت الأيام زيفها؛ مثلما تثبت أمراض السيسي النفسية العارمة التي تدفعه للبقاء فوق رؤوس المصريين رغما عنهم، بقوة السلاح وطوفان الدماء وحدهما، حتى يأذن الله بالفرج وأسباب الخلاص منه لتعود مصر وطنا واحدا يضم جميع أهله.

أضف تعليقك